بسم الله والحمد لله أمان الخائفين ومعين السالكين إلى رضوانه والصلاة والسلام على هداة عباده إلى جنانه، ينابيع رحمته وإحسانه محمد المصطفى واله مصابيح الهدى.
السلام عليكم مستمعينا الأفاضل وأهلا بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج وموضوعه هو دور الخوف من الله جل جلاله في المنهج المحمدي للسير والسلوك إلى الله كونوا معنا:
أحبتنا يستفاد من الايات الكريمة أن الخوف من الله جل جلاله هو من العوامل الأساسية التي تعين السالك على حفظ سيره على الصراط المستقيم والموصل إلى رضوان الله جل جلاله. فالخوف والخشية من الله يدفعان المؤمن إلى اجتناب كل ما يصده عن سيره التكاملي، ولذلك يحرص على أن يحفظ وهجة في قلبه ويستشعره باستمرار.
عن أقسام وضروب الخوف من الله نقرأ لكم ما كتبه العارف الزاهد المولى الشيخ محمد صالح المازندراني في شرحه القيم لأصول الكافي قال – رضوان الله عليه –: (الخوف على ثلاثة أضرب: خوف من الحق وخوف من الخلق وخوف من النفس وكل ذلك من ثمرة الحكمة والعلم بالله وآياته وصفاته ومخاطرات النفس وتسويلاتها ومحاسن أمور الدنيا والاخرة ومقابحها ومضار أخلاق الخلائق ومنافعها، أما الخوف من الحق فيورث القرب منه عزوجل كما ورد في الخبر "إذا اقشعر جسد العبد من خشية الله تعالى تتحات عنه ذنوبه كما يتحات من الشجرة ورقها" ومن البين أن ذلك يوجب القرب منه تبارك وتعالى، وأما الخوف من الخلق فيورث البعد عنهم كما ورد في الخبر "خالط الناس تخبرهم ومتي تخبرهم تقلهم" ومن البين أن من يخاف لصا أوسبعا يفر منه، وأما الخوف من النفس فيورث تهذيبها لأن العبد إذا خاف منها يحارسها في جميع حركاتها وسكناتها فيدفع عنها سنان مكرها وسيف مخادعتها، وذلك يوجب تهذيب الظاهر والباطن. ومن ثم قال بعض أهل العرفان: الخوف نار تحرق الوساوس والهواجس في القلب.
إذن فالمستفاد من أحاديث أهل بيت النبوة – عليهم السلام – أن الخوف من الله عزوجل هو عامل يطهر قلب الإنسان من آثار الذنوب بجميع مراتبها ويؤهله للقرب الإلهي، كما أنه ينجيه من مجالسة أهل الغفلة والإنشغال عن سيره السلوكي بالمعاشرات غير الضرورية للناس، إضافة إلى أنه يحمي النفس من الإنسياق وراء ما لا ينفعها من زخارف الحياة الدنيا.
يقول العارف المولى محمد صالح المازندراني في تتمة كلامه عن أهمية الخوف من الله في الحركة السلوكية: الخوف من الله تعالى قد يكون لأمور مكروهة لذاتها وقد يكون لأمور مكروهة لأدائها إلى ما هو مكروه لذاته، والثاني له أقسام كثيرة كخوف الموت قبل التوبة أو خوف نقض التوبة أو خوف عدم قبولها، أو خوف الإنحراف عن الفضل في عبادة الله تعالى أو خوف ابتلاء القوة الغضبية أو القوة الشهوية بسبب مجرى العادة في ارتكاب الإنتقام واستعمال الشهوات المألوفة أو خوف سوء الخاتمة، وأعلى هذه الأقسام بحسب الرتبة عن الخائفين خوف الخاتمة فإن الأمر فيها خطير.
أعزائنا المستمعين، وقبل أن نتابع ما كتبه شارح أصول الكافي بشأن الخوف من الله، نشير إلى أن جميع أقسام ومراتب هذا الخوف نافعة للسالك في مختلف مراحل السلوك إلى الله، لذلك ينبغي أن يهتم بهم جميعا، قال المولى المازندراني قدس سره: "وكذا للأول أقسام كثيرة كالخوف من سكرات الموت وشدايده أو من سؤال منكر ونكير أو من عذاب القبر أو من أهوال الموقف بين يدي الله عزوجل أو من كشف الستر أو من السؤال عن النقير والقطمير أو من الصراط وحدته وكيفية العبور عليه أو من النار وأغلالها وسلاسلها أو من حرمان الجنة أو من نقصان الدراجات فيها أو من الحجاب من الله سبحانه، وكل هذه الأمور مكروهة لذاتها ويختلف حال السالكين إلى الله فيها، وأعلاها رتبة هو الأخير أعني خوف الفراق والحجاب وهو خوف العارفين الناظرين لأنوار عظمته وجلاله، الغائصين في بحار لطفه وفضله وكماله، الذين أضيئت ساحة قلوبهم بمصباح الهداية الربانية وأشرقت مرآة ضمائرهم بأنوار المعارف الإلهية كما قال سبحانه "إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاء" (سورة الفاطر ۲۸) وأما ما قبله فهو خوف العابدين والصالحين والزاهدين".
قرأنا لكم فيما تقدم مستمعينا الأفاضل توضيحات العارف الفقيه الشيخ محمد صالح المازندراني – رضوان الله عليه – لآثار الخوف من الله في إيصال المؤمن إلى رضوان الله عزوجل وقد أوردها في كتابه (شرح الأصول من الكتاب الكافي). وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام حلقة أخرى من برنامج (الطريق إلى الله) استمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران كونوا معنا بإذن الله في الحلقة المقبلة، إلى حينها نترككم في رعاية الله سالمين غانمين والحمد لله رب العالمين.