بسم الله وله الحمد والثناء حبيب قلوب الصادقين، وأزكى صلواته على أعلام هداية خلقه لصراطه المستقيم محمد واله الطاهرين.
السلام عليكم أعزائنا المستمعين، أهلا بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج، نخصصه للحديث عن دور التوكل على الله في تقريب السالكين إلى ربهم الكريم، تابعونا على بركة الله.
مستمعينا الأفاضل، أثنت كثير من الايات الكريمة على المتوكلين، ودعا الله عباده في قرآنه المجيد مرارا إلى التوكل عليه جل جلاله وضمن لهم أن يكفيهم ما أهمهم قال عز من قائل في الآية الثالثة من سورة الطلاق: "وَمَن يَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ فَهُوَ حَسْبُهُ " (سورة الطلاق ۳) ولذلك كان التوكل من أهم أركان السير والسلوك إلى الله عزوجل، فما هو معناه؟ يجيبنا عن هذا السؤال العارف الفقيه المولى محمد صالح المازندراني في شرحه لكتاب الأصول من موسوعة الكافي، قال – قدس سره –: معنى توكل العبد على الله تعالى هو صرف أموره إليه والإعتماد فيها عليه يقال: وكل فلان فلانا إذا استكفاه أمره ثقة بكفايته، ومن أسمائه تعالى الوكيل وهو القيم بأرزاق العباد، التوكل حالة فاضلة للقلب توجب تفويض الأمور إلى الحق تعالى والإنقطاع عما سواه وله مبدء وأثر مترتب عليه ومبدؤه العلم بأنه تعالى واحد لا شريك له وأنه عالم بجميع الأشياء بحيث لا يعزب عنه تعالى مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء، وأنه قادر على جميع المقدورات وأنه حكيم لا يجور في حكمه وأنه رؤوف بعباده ولابد بعد ذلك من الرضا بقضاء الله إذ بالعلم الأول يعلم أنه لا كفيل لمهماته إلا هو، وبالعلم الثاني يعلم أنه لا يخفى عليه شيء من مهماته وبالعلم الثالث يعلم أن السماوات والأرضين وما بينهما وما فيهما من الروحانيات والحيوانات والنباتات والجمادات والأمور الكاينة مسخرات بأمره، فيعلم أنه لا يعجز عن إمضاء مهماته وإنجاح مطالبه ومراداته، وبالعلم الرابع يعلم أنه لا يكون ظالما في نفاذ أموره، وبالعلم الخامس يعلم أنه يفعل كل ما يصلح له – أي العبد – وبالسادس يسهل عليه جريان صعاب الأمور، فإذا أيقن هذه الأمور واستنار قلبه بأنوار تلك المعارف حصلت له حالة شريفة هي وثوقه في أموره بالله سبحانه وانقطاعه عن غيره من الأسباب والوسائط بل عن نفسه أيضا لأنه يسلب الحول والقوة عنها ويحكم بأنه لا حول ولا قوة إلا بالله، ويرى حاله معه مثل حال الموكل مع وكيله في الثقة به والإتكال عليه أو مثل حال الطفل مع أمه في الركون إليها.
أعزائنا المستمعين، فالمطلوب من السالك إلى الله أن يعزم على السير في صراطه المستقيم ثم يتوكل على الله طالبا له، فيكون منه الحركة ومن الله عزوجل التيسير والهداية، قال عزوجل في الآية المئة والتاسعة والخمسين من سورة آل عمران: " فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللّهِ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ"(سورة آل عمران۱٥۹) فالتوكل على الله مكمل لسعي الإنسان وليس نافيا، يقول المولى المازندراني في تتمة كلامه: هذه الحالة المسماة بالتوكل وهي مقام عال من مقامات السالكين ودرجة عظيمة من درجات المقربين ومنزلة رفيعة من منازل المتقين لا يصل إليها إلا من اطمأن قلبه بالإيمان بالله القاهر فوق عباده، ثم إن هذه الحالة تتفاوت كمالا ونقصانا بحسب تفاوت العلوم المذكورة وصفاء القلب ونورانيته فلها أقسام: أولها: الثقة بالله وبكفالته وكفايته وعنايته مع ملاحظة أن العادة جرت على ربط المسببات بأسبابها فيتمسك بالأسباب على قدر الحاجة والأثر المترتب عليه هو الإعتقاد بأن حصول المطلوب وسببه من توفيق الله تعالى وعنايته فيكتسب ويغلق الباب من السارق ويتحصن من العدو مثلا ويثق بأن الرزق والحفظ منه تعالى، ولا يتكل على السبب وهو راض عن ربه وشاكر له إن لم يحصل المسبب، بناء على أنه لا يدري في أي شيء الخيرة وهو مع اشتغاله بالسبب حافظ لأوقات الصلوات وغيرها من العبادات، وبالجملة يكون مقصوده هو الكفيل الحق تعالى ومنظوره هو التشبث بذيل عنايته وإرادته، والإكتساب على هذا الوجه لا ينافي التوكل لأن رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان رأس المتوكلين وقد توارى من العدو وخندق على نفسه وادخر قوت عياله سنة، ولتواتر الروايات عن الأئمة الطاهرين (عليهم السلام) على هذا المعنى ولقوله تعالى: "رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ"(سورة النور۳۷) ولذا قيل: من طعن في الكسب طعن في السنة والكسب غير المنافي ما كان على قدر الحاجة.
وفقنا الله وإياكم لحسن وكمال التوكل على الله وصدق العزم على ابتغاء مرضاته عزوجل..
نشكر لكم أعزائنا المستمعين طيب الإصغاء لحلقة اليوم من برنامجكم (الطريق إلى الله) استمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران. تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته سالمين انه أرحم الراحمين.