بسم الله وله الحمد والمجد والثناء حبيب قلوب الصادقين وغاية آمال العارفين، وأطيب تحياته وبركاته وصلواته على صفوته وهداة الخلق إلى قربه أبي القاسم محمد المصطفى وآله الأوصياء النجباء.
السلام عليكم إخوة الإيمان وخلان الولاء، على بركة الله نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نخصصها للحديث على أهمية (نية الخير في تقريب السالك إلى الله وفوزه في رضاه) كونوا معنا.
مستمعينا الأفاضل، ورد في كثير من الأحاديث الشريفة التأكيد على مضمون أن الله عزوجل ينظر إلى قلوب العباد لا إلى صورهم، وفي ذلك تنبيه إلى أن قيمة أعمال الإنسان تكمن في دافعه القلبي إليها وليس في ظاهر هذه الأعمال وإن كان من المأمور به شرعا هو إتقان العمل في ظاهره ونتائجه أيضا عملا بوصية رسول الله – صلى الله عليه وآله – التي يتضمنها قوله الشهير: "رحم الله من عمل عملا صالحا فأتقنه".
ورغم ذلك فإن الذي يزكي باطن الإنسان ويقربه إلى الله عزوجل هو اجتهاده لترسيخ نية الخير والإخلاص لله وطلب رضاه في قلبه، فهي التي تجعل جميع أعمال الإنسان عبادة يتقرب بها إلى الله عزوجل.
الحقيقة المتقدمة يبينها العارف الزاهد الشيخ الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني والد العارف الشهير بهاء الدين العاملي، قال – رحمه الله – في رسالة (العقد الحسيني): قال النبي (صلى الله عليه وآله) إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى، وقد جاء هذا المعنى عن الأئمة عليهم السلام في أحاديث متكررة ورتب الفقهاء على الحديث من الفروع ما لا يتناهى، ومن هنا لا يكفر الإنسان بالسجود للأبوين والإخوة كما في إخوة يوسف على قصد الأدب والتعظيم واعتقاد أنهم عبيد مخلوقون ويكفر لو سجد للصنم وإن قصد التعظيم لأنه لا عظمة له ولا يعظمه إلا أهل الكفر فالسجود له لا يقع إلا على وجه واحد ممنوع منه، بخلاف الإنسان فإن السجود له يقع على وجه الأدب والتعظيم فيكون راجحا إذا كان في العرف تركه إهانة، والإنسان أهل التعظيم لأنه عبد الله فتعظيمه تعظيم لله ولهذا ورد في إكرام المؤمن خصوصا الأنقياء وأهل العلم عن أهل البيت ما لا يتناهى من الحث والثواب والإهتمام حتى ورد أنه من زار مؤمنا فكأنما زار الله تعالى وقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): من سر مؤمنا فقد سرني ومن سرني فقد سر الله. وما ذلك إلا لما قلناه لأن تعظيم العبد تعظيم لمولاه وقال الباقر (عليه السلام): إذا أردت أن تعلم أن في قلبك خيرا فانظر إلى قلبك فإن كنت تحب أهل طاعة الله وتبغض أهل معصيته ففيك خير والله يحبك وإن كنت تبغض أهل طاعته وتحب أهل معصيته فليس فيك خير والله يبغضك، والمرء مع من أحب.
أعزائنا المستمعين، إذن الذي نستفيده من الأحاديث الشريفة هو أن على طالب القرب الإلهي أن يعمل أولا على تطهير مشاعره وعواطفه ويجعلها في اطار حب ما يحبه الله عزوجل وبغض ما يبغضه الله وهذا هو جوهر مفهوم البراءة من أعداء الله وموالاة أوليائه عزوجل هذا أولا وثانيا ينبغي للإنسان أن يجعل نية الخير وطلب مرضاة الله هي الدافع المحوري لكل حركاته وسكناته حتى الغريزية والطبيعية منها، فيجند كل وجوده وحياته باتجاه بلوغ الكمال وتحقق الغاية من خلقه، قال العارف الحسين بن عبد الصمد الحارثي الهمداني في تتمة كلامه السابق: ينبغي للعاقل الرشيد أن ينوي في كل أفعاله القربة – لله عزوجل – ليثاب عليها لأن الباري سبحانه الكريم يقبل الحيلة لكرمه بل هو الذي دلنا عليها ووضع لنا طرقها حيث إن جميع عباداتنا حيل على كرمه لغناه عنها وقد كلفنا بها فإذا أكل نوى بأكله بنية القربة – لله عزوجل – في تقوية جسمه من الحر أو البرد أو نام ليدفع ضرر السهر ويقوم للصلاة نشيطا أو جامع ليكسر الشهوة الحيوانية ويقبل على ما يهمه من امور آخرته ودنياه وعلى هذا المنهج تصير أفعال الإنسان كلها عبادة ويثاب عليها من جزيل كرم الله تعالى وهذا هو الرشد الكامل والتجارة التي لن تبور وفقنا الله لذلك بمنه ويمنه إنه جواد كريم.
وفقنا الله وإياكم مستمعينا الأفاضل للعمل بما فيه رضاه في جميع شؤوننا ببركة التمسك بولاية صفوته من العالمين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
وبهذا ننهي لقاء اليوم من برنامجكم (الطريق إلى الله) قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم بألف خير.