بسم الله وله الحمد حبيب قلوب الصادقين والصلاة والسلام على سادات العارفين وقادة السالكين محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أيها الاخوة والأخوات، تحية مباركة طيبة ندعوكم بها إلى لقاء اليوم من هذا البرنامج ننقل لكم فيه وصية للعارف الإمامي الفقيه الشيخ زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني تتناول العلوم التي يحتاجها السالك إلى الله والعلوم التي ينبغي له أن يجتنبها، كونوا معنا مشكورين.
في كتابه التربوي القيم (منية المريد في آداب المفيد والمستفيد) قال الشهيد الثاني قدس سره، بعد أهمية تعلم الأحكام الشرعية:
إن مجرد تعلم هذه المسائل المدونة ليس هو الفقه عند الله تعالى وإنما الفقه عند الله تعالى يكون بإدراك جلاله وعظمته، وهو العلم الذي يورث الخوف والهيبة والخشوع، ويحمل على التقوى ومعرفة الصفات المخوفة فيجتنبها، والمحمودة فيرتكبها، ويستشعر الخوف ويستثير الحزن، كما نبه الله تعالى عليه في كتابه بقوله: "فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقهوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إليهم" .. والذي يحصل به الإنذار غير هذا العلم المدون، فإن مقصود هذا العلم حفظ الأموال بشروط المعاملات وحفظ الأبدان بالأموال وبدفع القتل والجراحات، والمال في طريق الله آلة والبدن مركب وإنما العلم المهم هو معرفة سلوك الطريق الى الله تعالى وقطع عقبات القلب التي هي الصفات المذمومة، وهي الحجاب بين العبد وبين الله تعالى، فإذا مات ملوثاً بتلك الصفات كان محجوباً عن الله تعالى، ومن ثم كان العلم موجباً للخشية، بل هي منحصرة في العالم كما نبه عليه تعالى بقوله "إنما يخشى الله من عباده العلماء" وهي أعم من أن يكونوا فقهاء أو غير فقهاء.
مستمعينا الأطائب وبعد أن يضرب مثالاً توضيحياً لحال من يهتم بالمسائل الفقهية المألوفة ويغفل معارف التزكية وعلوم الأخلاق والتربية، يحذر الشهيد الثاني من تبعات انشغال السالك بالعلوم العقلية التجريدية التي لا تنفعه في طريقه للقرب الإلهي.
قال رضوان الله عليه:
إذا كان هذا مثال حال الفقيه العارف بشرع الله ورسوله وأئمته ومعالم دين الله، فكيف حال من يصرف عمره في معرفة عالم الكون والفساد الذي مآله محض الفساد والاشتغال بمعرفة الوجود، وهل هو نفس الموجودات أو زائد عليها أو مشترك بينها، أو غير ذلك من المطالب التي لا ثمرة لها، بل لم يحصل لهم حقيقة ما طلبوا معرفته فضلا عن غيره، وإنما مثالهم في ذلك مثال ملك اتخذ عبيداً وأمرهم بدخول داره والاشتغال بخدمته وتكميل نفوسهم فيما يوجب الزلفى لدى حضرته واجتناب ما يبعد من جهته، فلما أدخلهم داره ليشتغلوا بما أمرهم به أخذوا ينظرون إلى جدران داره وأرضها وسقفها حتى صرفوا عمرهم في ذلك النظر وماتوا، ولم يعرفوا ما أراد منهم في تلك الدار، فكيف ترى حالهم عند سيدهم المنعم عليهم المسدي جليل إحسانه إليهم مع هذا الإهمال العظيم لطاعته، بل الانهماك الفظيع في معصيته؟!
واعلم أن مثال هؤلاء أجمع مثال بيت مظلم باطنه، وضع السراج على سطحه حتى استنار ظاهره وذلك غرور واضح جلي، بل أقرب مثال إليه: رجل زرع زرعاً فنبت ونبت معه حشيش يفسده فأمر بتنقية الزرع عن الحشيش بقلعه من أصله، فأخذ يجز رأسه ويقطعه، فلا يزال يقوى أصله وينبت، لأن مغارس النقائص ومنابت الرذائل هي الأخلاق الذميمة في القلب، فمن لا يطهر القلب منها لم تتم له الطاعات الظاهرة إلا مع الآفات الكثيرة، بل كمريض ظهر به الجرب وقد أمر بالطلاء وشرب الدواء: أما الطلاء ليزيل ما على ظاهره والدواء ليقلع مادته من باطنه فقنع بالطلاء وترك الدواء وبقي يتناول ما يزيد في المادة، فلا يزال يطلي الظاهر، والجرب دائما يتزايد في الباطن إلى أن أهلكه.
نسأل الله تعالى أن يصلحنا لأنفسنا ويبصرنا بعيوننا وينفعنا بما علمنا ولا يجعله حجة علينا، فإن ذلك بيده وهو أرحم الراحمين.
كانت هذه، مستمعينا الأفاضل، توضيحات الفقيه العارف الشيخ زين الدين العاملي الملقب بالشهيد الثاني (رضوان الله عليه)، فيما يرتبط بالعلوم والمعارف التي يحتاجها السالك إلى الله عزوجل، وقد اتضح أن على السالك أن يجتنب ما لا يحتاجه في سلوكه من العلوم العقلية المجردة ويهتم بالمعارف التي تعينه على تهذيب النفس وتأهيلها لقرب الله جل جلاله.
وفقنا الله وإياكم لذلك ببركة التوسل إليه بمودة محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
إنتهى أيها الأطائب، لقاء اليوم من برنامجكم (الطريق إلى الله) تقبل الله منكم جميل الإصغاء له، وها نحن نودعكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران، فإلى لقائنا المقبل بإذن الله، دمتم بكل خير.