بسم الله وله عظيم الحمد والمن أن هدانا الى وسيلة قربه العظمى، محبة وموالاة صفوته من العالمين محمد وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
السلام عليكم إخوة الإيمان وأهلا بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج نشير فيها إلى إحدى الحقائق المهمة المرتبطة بالسير والسلوك الى الله عزوجل، وهي كون هذه الحركة التكاملية هي فطرية فطر الله عليها الخلائق جميعاً.. تابعونا على بركة الله.
مستمعينا الأفاضل، إن كلاً منا يجد في نفسه نزعة إلى بلوغ ما يراه كمالاً له، فإن كان يرى الكمال في المال سعى إليه وإن تصوره في السلطة اجتهد في الوصول إليها وهكذا بالنسبة للأمور الأخرى.
ولكن المشهود أن الإنسان بطبعه لا يقنع بأي مرتبة يحصل عليها مما يتصوره كمالاً له، وهذه الحالة المشهودة تكشف عن حقيقة أن ما يطلبه في فطرته هو الكمال المطلق وليس النسبي، فهو إذن يطلب بفطرته الوصول إلى من له الكمال المطلق، أي الى الله عزوجل، لكن الأهواء النفسانية والوساوس الشيطانية توهمه أن ما يطلبه من كمال مطلق هو في المال أو السلطان ونظائرهما، فإذا وصل إليها وجدها سراباً وعلم أن الكمال المطلق هو الله عزوجل، إذن فالإنسان طالب الله عزوجل بفطرته يريد الوصول إليه وهذا ما يتحقق له بالسير والسلوك الى الله عزوجل.
أيها الاخوة والأخوات، والإنسان في هذه الفطرة يشارك جميع المخلوقات، فقد فطرت أيضاً على السير والسلوك إلى الله، لنتأمل معاً فيما يقوله العارف الفقيه آية الله السيد حيدر الحسيني الآملي من عرفاء الإمامية في القرن الهجري التاسع، حيث يقول في كتابه القيم (تفسير المحيط الأعظم والبحر الخضم في تأويل كتاب الله العزيز المحكم):
إعلم أن السير والسلوك وطلب الكمال ليس مخصوصاً بالإنسان فقط، بل يشمل جميع الموجودات والمخلوقات علوية كانت أو سفلية، فإنها في السير والسلوك وطلب الكمال، ولها توجه إلى مطلوبها ومقصودها، ويشيد بذلك النقل والعقل، أما النقل فكقوله تعالى: "وَمَا مِن دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلاَ طَائِرٍ يَطِيرُ بِجَنَاحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثَالُكُم مَّا فَرَّطْنَا فِي الكِتَابِ مِن شَيْءٍ ثُمَّ إِلَى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ" (سورة الأنعام: الاية الثامنة والثلاثون)
وكقوله: "أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الْأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِّنَ النَّاسِ" (سورة الحج: الاية الثامنة عشرة)
وكقوله: "كُلٌّ قَدْ عَلِمَ صَلَاتَهُ وَتَسْبِيحَهُ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ" (سورة النور: الاية الحادي والاربعون)
وكقوله: "وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"(سورة الإسراء: الاية الرابعة والاربعون)
وهذه الأقوال الأربعة دلالات قاطعة على أن الكل مكلفون ومأمورون بحسب قابليتهم واستعدادهم، لأن القول الأول يشمل الأرض وأهلها، والقول الثاني يشمل السموات والأرض وما بينهما، والقول الثالث يشمل الكل على التعيين، والقول الرابع يشمل الكل على الإطلاق، فيعلم من هذا أن الكل متوجهون إلى الله تعالى، سائرون إليه، طالبون معرفته وعبادته، لأن السجدة والصلاة ها هنا بمعنى العبودية والمعرفة، لا بمعنى السجدة المتعارفة في الشرع، وكذلك التسبيح أن تسبيحهم وصلاتهم لو كان من قسم صلاة الإنسان وتسبيحهم لعرفوها وفهموها لكن لما لم يعرفوها بشهادة الله لهم في قوله: "وَلَـكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ"(سورة الإسراء: الاية الرابعة والاربعون)، عرفنا أنها ليست من تلك الأقسام، فحينئذ صلاة كل موجود وسجدته وتسبيحه يكون مناسباً لحاله، وعند التحقيق تسبيح كل موجود غير الإنسان الذي هو عليه من الأوضاع والأفعال والأخلاق والأحوال.
مستمعينا الأفاضل، وإذا انسجم الإنسان في حركته الفطرية السلوكية الى الله عزوجل مع حركة سائر المخلوقات عرف أسرار سيرها وسلوكها إلى الله وتسبيحها له جل جلاله، والذي يؤدي به إلى اتباع الشريعة النبوية، قال السيد حيدر الآملي قدس سره الشريف في كتابه التفسيري المذكور، إن غرض الأنبياء والأولياء عليهم السلام كما سبق ذكره، حيث كان هو إيصال الخلق إلى كمالهم المعين لهم بحسب استعدادهم وقابليتهم، وإخراجهم من ظلمات نقصهم وجهلهم بقدر الجهد والطاقة، وكانوا عالمين بأن هذا لا يتيسر إلا بتكميل قوتي العلم والعمل، اللذين هما عبارتان عن الأصول والفروع، فوضعوا الأصول لتطهير بواطنهم وتكميل عقائدهم والفروع لتطهير ظواهرهم وتكميل أعمالهم وأفعالهم.
إذن فالسير والسلوك إلى الله عزوجل يتحققان باتباع أولياء الله الصادقين (عليهم السلام) في تكميل المعارف الإلهية العقائدية فتتحقق المعرفة بالله، وكذلك تطهير وتزكية النفوس من الأمور التي تحجب الإنسان عن الله عزوجل، ولذلك وصف القرآن الكريم مهمة النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بأنها تتمحور حول تعليم الناس الكتاب والحكمة، أي المعارف الإلهية الحقة وتزكيتهم، أي تطهيرهم مما يحجبهم عن الله جل جلاله.
وفقنا الله وإياكم لذلك مستمعينا الأفاضل ببركة التمسك بالعروة الإلهية الوثقى وهي مودة وموالاة سيد المرسلين وآله الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين.
شكراً لكم على طيب الإصغاء لحلقة اليوم من برنامجكم (الطريق إلى الله) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران.. تقبل الله أعمالكم ودمتم في رعايته سالمين.