بسم الله وله عظيم الحمد والثناء إذ جعلنا من أهل المودة والولاء لأرحم خلقه بعباده وهداتهم إليه المصطفى الأمين واله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أعزائنا المستمعين وأهلا بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج، نخصصها لنقل تسع وصايا في السير والسلوك إلى الله عزوجل أوصى بها مولانا الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – مريدي الطريق إلى الله عزوجل، تابعونا مشكورين.
أيها الإخوة والأخوات، هذه الوصايا جاءت في الحديث الذي عرف باسم رواية الشيخ أبي عبد الله عنوان البصري، وهو يمثل أحد النصوص السلوكية الجامعة التي اهتم كثيرا بها عرفاء الإمامية ودعوا طلاب المنهج الإلهي النقي في السير والسلوك إلى حفظها والعمل بها، قال عنوان البصري لمولانا الإمام الصادق – صلوات الله عليه –:
قلت يا أبا عبد الله أوصني، قال – عليه السلام –: أوصيك بتسعة أشياء فإنها وصيتي لمريدي الطريق إلى الله تعالى، والله أسأل أن يوفقك لاستعمالها. ثلاثة منها في رياضة النفس، وثلاثة منها في الحلم، وثلاثة منها في العلم فاحفظها وإياك والتهاون بها، قال عنوان: ففرغت قلبي له. فقال: أما اللواتي في الرياضة: فإياك أن تأكل ما لا تشتهيه فإنه يورث الحماقة والبله، ولا تأكل إلا عند الجوع، وإذا أكلت فكل حلالا وسم الله، واذكر حديث الرسول (صلى الله عليه وآله): "ما ملأ آدمي وعاء شرا من بطنه، فإن كان ولابد فثلث لطعامه وثلث لشرابه ثلث لنفسه".
مستمعينا الأفاضل، وهنا نلاحظ إحدى معالم المنهج المحمدي النقي في السير والسلوك إلى الله عزوجل وهو أنه يجعل الرياضات السلوكية عاملا لتقوية البدن وتهذيب النفس وليس قتلها كما هو الحال في رياضات الطرق المنحرفة، فيحصل السالك بهذه الرياضات المحمدية الشرعية على قوة البدن وطهارة الروح في الوقت نفسه.
ثم قال مولانا الإمام الصادق – عليه السلام –: وأما اللواتي في الحلم: فمن قال لك، إن قلت واحدة سمعت عشرا، فقل: إن قلت عشرا لم تسمع واحدة، ومن شتمك فقل له: إن كنت صادقا فيما تقول فأسأل الله أن يغفر لي، وإن كنت كاذبا فيما تقول فالله أسأل أن يغفر لك، ومن وعدك بالخنا فعده بالنصيحة والدعاء.
أيها الإخوة والأخوات، وهذه الأصول الثلاثة كفيلة بإخراج السالك إلى الله عزوجل من عبودية النفس وشهواتها التي تدعوه للثأر لها وتمهد بذلك سبل جره إلى الاستعلاء في الأرض، ثم قال مولانا الإمام الصادق – سلام الله عليه –: أما اللواتي في العلم فاسأل العلماء ما جهلت، وإياك أن تسألهم تعنتا وتجربة، و إياك أن تعمل برأيك شيئا، وخذ بالاحتياط في جميع ما تجد إليه سبيلا، واهرب من الفتيا هربك من الأسد، ولا تجعل رقبتك للناس جسرا. ثم ختم – صلوات الله عليه – حديثه قائلا: قم عني يا أبا عبد الله فقد نصحت لك، ولا تفسد علي وردي، فإني امرؤ ضنين بنفسي، والسلام على من اتبع الهدى.
وكما تلاحظون مستمعينا الأفاضل فإن هذه الوصايا الصادقية تفتح أمام السالك إلى الله عزوجل أبواب النجاة من أن يكون علمه وبالا عليه إذا سخره للدنيا فجعل نفسه جسرا للناس أن ينفعهم بعلمه لكنه يخسر حظه عندما يكون تعليمه لهم بهدف السمعة والرياء والنفوذ إلى قلوبهم أجارنا الله وإياكم من ذلك. كما أن هذه الوصايا تحصن الإنسان من مخاطر الإنجرار وراء اتباع الهوى إذا ما اتبع آراءه وقناعاته الشخصية كاتباع القياس ونظائره في دين الله فهذا مما ينقض حقيقة العبودية التي تعني في أحد مصاديقها أخذ الدين الحق من الله عزوجل وأوليائه المعصومين صلوات الله عليهم أجمعين.
أيها الأحبة، وها نحن نصل إلى ختام حلقة أخرى من برنامج (الطريق إلى الله) قدمناها لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران، تقبل الله منكم حسن الإصغاء وجميل المتابعة ودمتم في رعايته سالمين.