بسم الله وله الحمد أرحم الراحمين وأكرم الأكرمين، غاية آمال العارفين ومنتهى آمال السالكين وأزكى تحياته وصلواته وبركاته على هداة خلقه إليه صفوته المعصومين محمد وآله الطاهرين.
سلام من الله عليكم إخوة الإيمان ورحمة منه عزوجل وبركات، معكم في حلقة من هذا البرنامج ننير فيها قلوبنا ببيان من مولانا الصادق – سلام الله عليه – لاثنين من أهم أصول المنهج المحمدي النقي في السير والسلوك إلى الله تبارك وتعالى، تابعونا على بركة الله.
أعزائنا المستمعين، النص الذي سنقرأه لكم بعد قليل هو مقطع من الحديث المعرفي المهم الذي اشتهر باسم رواية الشيخ أبي عبد الله عنوان البصري – رحمه الله –، وقد اهتم به كثيرا عرفاء مدرسة أهل البيت – عليهم السلام – وتناولوه في كتبهم طلاب المعرفة والسير والسلوك إلى الله، إلى حفظه والتدبر بمضامينه والعمل بها.
وقد جاء هذا النص بعد أن طلب الشيخ البصري من الله عزوجل أن يوفقه للحصول على أصول الهداية إليه من وليه وابن نبيه – صلى الله عليه وآله – وناشر سنته النقية مولانا الإمام جعفر الصادق – عليه السلام – فاستجاب الله دعاءه، فكان هذا الحديث المبارك.
مستمعينا الأفاضل، قال مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – للشيخ أبي عبد الله عنوان البصري: يا أبا عبد الله ليس العلم بالتعلم إنما هو نور يقع في قلب من يريد الله تبارك وتعالى أن يهديه، فإن أردت العلم فاطلب أولا في نفسك حقيقة العبودية، واطلب العلم باستعماله، واستفهم الله يفهمك! قال عنوان البصري: قلت: يا شريف، فقال – عليه السلام – قل يا أبا عبدالله. قلت يا أباعبد الله ما حقيقة العبودية؟ قال ثلاثة أشياء: أن لا يرى العبد لنفسه فيما خوله الله ملكا، لأن العبيد لا يكون لهم ملك، يرون المال مال الله يضعونه حيث أمرهم الله به، ولا يدبر العبد لنفسه تدبيرا، وجملة اشتغاله فيما أمره تعالى به ونهاه عنه. فإذا لم ير العبد لنفسه فيما خوله الله تعالى ملكا هان عليه الإنفاق فيما أمره الله تعالى أن ينفق فيه وإذا فوض العبد تدبير نفسه على مدبره هان عليه مصائب الدنيا وإذا اشتغل العبد بما أمره الله تعالى ونهاه لا يتفرغ منهما إلى المراء والمباهاة مع الناس. فإذا أكرم الله العبد بهذه الثلاثة هان عليه الدنيا وإبليس، والخلق، ولا يطلب الدنيا تكاثرا وتفاخرا ولا يطلب ما عند الناس عزا وعلوا ولا يدع أيامه باطلا فهذا أول درجات التقي، قال الله تبارك وتعالى: " {تِلْكَ الدَّارُ الْآخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوّاً فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَاداً وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ" (سورة القصص۸۳).
مستمعينا الأفاضل، من خلال التدبر في النص المتقدم نتوصل إلي معرفة أصلين مهمين فيما يرتبط بالمنهج الإلهي النقي في السير والسلوك إلى الله عزوجل. الأصل الأول هو: إن على السالك إلى الله عزوجل أن يطلب المعرفة النورانية بالله عزوجل وهي المعرفة التي يقذفها الله بقلبه مع كل مرتبة من مراتب تطهره من الذنوب والشوائب، وهذه المعرفة هي في الواقع حقيقة العلم وتوصل المؤمن إلى معرفة شهودية بالله عزوجل وصفاته وتجلياته.
أحبائنا، أما الأصل الثاني للمنهج المحمدي في السير والسلوك طبق ما يبينه لنا مولانا الإمام الصادق – عليه السلام – فهو أن الطريق إلي الله عزوجل إنما يكون بالعبودية لله عزوجل والخروج من عبودية النفس والأهواء والشهوات بمختلف أشكالها وبدون تحقق هذه المرتبة من العبودية الخالصة يبقى الإنسان حبيس عبودية النفس وبالتالي عاجزا عن طي معارج التكامل والقرب من الله جل جلاله، فيكون من الذين يريدون العلو والإستكبار في الأرض وإستعباد الناس مهما كانت الشعارات والظواهر التي يتسترون بها.
أيها الإخوة والأخوات، وبهذا نصل بتوفيق الله إلى ختام حلقة أخرى من برنامج (الطريق إلى الله)، من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران نجدد لكم أزكى التحيات وخالص الدعوات.
شكرا لكم ودمتم بكل خير.