بسم الله وله عظيم الحمد والثناء حبيب قلوب الصادقين وغاية آمال العارفين، وأطيب صلواته على سفن نجاته للعالمين محمد واله الطيبين الطاهرين.
السلام عليكم أحبائنا المستمعين ورحمة الله، أهلا بكم في اولى حلقات هذا البرنامج، نخصصها لمقدمة أحد أهم نصوص السير والسلوك إلى الله تبارك وتعالى، وهو المعروف بحديث عنوان البصري عن إمامنا جعفر الصادق – سلام الله عليه –.
ولا يخفى عليكم مستمعينا الأكارم أن السير والسلوك إلى الله عزوجل من الإحتياجات الفطرية للإنسان فهو يعبر عن تطلعه لبلوغ مراتب الكمال والقرب من الله عزوجل وذلك من خلال تكامل قوته النظرية والعلمية وهو المعبر بالسير إلى الله فيحوز بها معرفة الله، وكذلك من خلال تكامل قوته العملية وهو المعبر عنه بالسلوك إلى الله وبها يفوز بطاعة الله عزوجل.
ومن هنا اشتملت جميع الأديان الإلهية على تعريف البشرية بمناهج السير والسلوك إلى الله تبارك وتعالى فكان أكملها ما جاء به رسول الله – صلى الله عليه وآله – وحفظه للبشرية أئمة عترته – عليهم السلام – ومنهم مولانا الإمام الصادق – عليه السلام –، ومن وصايا الجامعة في هذا الباب حديث عنوان البصري الذي اهتم عرفاء مدرسة أهل البيت – عليهم السلام – كثيرا به، وقد نقلته عدة من المصادر المعتبرة مثل العلامة الطبرسي في كتاب مشكاة الأنوار والشيخ البهائي كما نقل العلامة المجلسي في كتاب البحار، وهذا الحديث قصته جميلة ننقلها لكم بعد قليل فكونوا معنا.
جاء في مقدمة هذا النص النفيس ما يلي: عن عنوان البصري وكان شيخا كبيرا أتى عليه أربع وتسعون سنة قال: كنت أختلف إلى مالك بن أنس سنين، فلما قدم جعفر الصادق عليه المدينة اختلفت إليه وأحببت أن آخذ عنه كما أخذت عن مالك فقال لي يوما: إني رجل مطلوب ومع ذلك لي أوراد في كل ساعة من آناء الليل والنهار، فلا تشغلني عن وردي، وخذ عن مالك، واختلف إليه كما كنت تختلف إليه. قال عنوان البصري: فاغتممت من ذلك، وخرجت من عنده وقلت في نفسي: لوتفرس في خيرا لما زجرني عن الإختلاف إليه والأخذ عنه. فدخلت مسجد الرسول وسلمت عليه ثم رجعت من الغد إلى الروضة وصليت فيها ركعتين، وقلت: أسألك يا الله يا الله أن تعطف علي قلب جعفر، وترزقني من علمه ما اهتدى به إلى صراطك المستقيم. ورجعت إلى داري مغتما ولم أختلف إلى مالك بن أنس لما أشرب قلبي من حب جعفر، فما خرجت من داري إلا إلى الصلاة المكتوبة حتي عيل صبري، فلما ضاق صدري تنعلت وترديت وقصدت جعفرا وكان بعد ما صليت العصر. فلما حضرت باب داره استأذنت عليه فخرج خادم له فقال: ما حاجتك، فقلت: السلام على الشريف، فقال: قائم في مصلاه، فجلست بحذاء بابه، فما لبث إلا يسيرا إذ خرج خادم فقال: ادخل على بركة الله، فدخلت وسلمت عليه، فرد السلام وقال: اجلس غفر الله لك، فجلست فأطرق مليا، ثم رفع رأسه، وقال أبو من؟ قلت: أبوعبد الله، قال: ثبت الله كنيتك ووفقك، يا أباعبد الله ما مسألتك، فقلت في نفسي: لولم يكن لي من زيارته والتسليم غير هذا الدعاء لكان كثيرا، ثم رفع رأسه، ثم قال: ما مسألتك؟ فقلت: سألت الله أن يعطف قلبك علي ويرزقني من علمك، وأرجو أن الله تعالى أجابني في الشريف ما سألته.
مستمعينا الأفاضل، كان الأمر كما رجاه من ربه هذا الشيخ البصري، فقد عرفه مولانا الصادق ناشر السنة المحمدية ومنقيها من تحريفات المضلين، بأصول السير والسلوك إلى الله عزوجل طبق ما جاء به النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – وهذا ما سنتناوله بعون الله تبارك وتعالى في حلقة أخرى من هذا البرنامج.. أما هنا فنشير إلى ثلاثة أصول للسير والسلوك النقي نستفيدها من قصة حديث عنوان البصري، وهي:
أولا: أن يكون الإنسان صادق العزم صلب الإرادة في طلب السير والسلوك إلى الله والإستقامة في طي هذا الصراط المستقيم.
ثانيا: أن يستعين السالك بالله عزوجل طالبا العون والتوفيق منه جل جلاله لهدايته إلى من يأخذ منه عنه منهج السير والسلوك إليه عزوجل وكذلك لكي يعينه ويوفقه في طي هذا السبيل والتغلب على عقباته.
ثالثا: على السالك أن يعرف الهداة الصادقين إلى الله ويلتزم وصاياهم – صلوات الله عليهم أجمعين – ويعرض عن غيرهم ممن لا تتوفر فيهم العصمة المطلوبة في أئمة السالكين القادرين على إيصالهم إلى الله بأمره تبارك وتعالى.
أعزائنا المستمعين، وبهذا نكون قد وصلنا إلى ختام الحلقة الأولى من برنامج (الطريق إلى الله) استمعتم لها مشكورين من إذاعة طهران صوت الجهورية الإسلامية في إيران.
تقبل الله أعمالكم ودمتم بكل خير.