موضوع البرنامج:
فاطمة نعم العون على طاعة الله
السلام عليكم إخوة الإيمان ورحمة الله.
مرحبا بكم وأهلا وشكرا لكم على مرافقتكم لنا في لقاء آخر مع مشاهد سيرة سيدة نساء العالمين.
نعود بكم الى المدينة المنورة في الأيام الأولى من دخول الزهراء بيت زوجها المرتضى الذي ظل يعرف ببيت فاطمة الى اليوم.
زيد بن حارثة: ما أشد برد هذه الصبيحة يا أم أيمن.. آه إنه لبرد قارص..
أم أيمن: أي والله بل هو أشد من القارص.. إجلس يا زيد سآتيك بكساء يدفئك...
زيد: والله يا أم أيمن لقد شهدت رسول الله وقد أثّر البرد عليه فظهر على وجنتيه وساقيه وهو يخرج من المسجد بعد صلاة الفجر.
أم أيمن: يا عيني عليه، وأين عنه حبيبتي فاطمة وقد اعتادت أن تدفأ رجليه ويديه بيدها في مثل هذا الموقف.
زيد: بارك الله في بيت زوجها، هذه هي صبيحة اليوم الرابع لزفافها ولم يدخل عليها رسول الله طيلة هذه الأيام الثلاثة.
أم أيمن: كأن هذه من سنن رسول الله في التزويج.. ولكن متى سيزور فاطمة في بيتها الجديد.. إنها لا تصبر على فراقه..
زيد (يضحك): لا بأس عليك يا أم أيمن ولا بأس على فاطمة.. لقد تركت رسول الله وهو يدخل بيت فاطمة ليبارك لها ولعلي زوجها.. إنه والله لصباح مبارك رغم شدة برده...
طرق الباب وكان الطارق رسول الله جاء زائراً ابنته وصهره وهو يحمل لهما إناءاً فيه اللبن.
قال –صلى الله عليه وآله- مستأذناً: السلام عليكم أهل البيت.. أأدخل رحمكم الله.
ففتحت الباب سلمى بنت عميس زوجة عمه حمزة وكانت عندهما، فسألها عنهما.
سلمى: وعليك السلام يا رسول الله، إنهما تحت الكساء لشدة البرد، ها.. لقد سمعا صوتك.. إنهما يهمان بالقيام.
فبادرهما –صلى الله عليه وآله- بالقول: بحقي عليكما لا تقوما ولا تفترقا.. أنا آت عندكما..
فديتك يا رسول الله وفديت فاطمة وعليا، ما أشد طاعتهما لأمرك.. لقد تسمرا في موضعهما ولم يقوما.
ودخل رسول الله عليهما وجلس عند رأسيهما فوجدهما يذكران الله ويسبحانه.
فتلا –صلى الله عليه وآله- قوله تعالى: "تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفاً وَطَمَعاً وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنفِقُونَ{۱٦} فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَّا أُخْفِيَ لَهُم مِّن قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاء بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ{۱۷}"(سورة السجدة).
أخذت فاطمة رجل رسول الله اليسرى فضمتها الى صدرها وأخذ علي رجله اليمنى وضمّها الى صدره.
ما أعظم رأفتهما برسول الله.. إنهما يدفئان رجليه بحرارة صدريهما وقاية له من شدة البرد..
حتى إذا دفئت رجلاه –صلى الله عليه وآله- قال: يا علي إئتني بكوز من ماء.
سلمى (مع نفسها): كأن رسول الله يشير إلي بالخروج.. إنه يريد أن يختلي بابنته وصهره.. [ترفع صوتها] سمعا وطاعة يا رسول الله أستودعكم الله.
فدعا –صلى الله عليه وآله- لها بالخير والبركة وشكر لها بقاءها عند فاطمة في عرسها عملا بما عاهدت عليه أمها خديجة الطاهرة عند احتضارها عليها السلام.
وجاء علي (ع) بالماء، فقدم –صلى الله عليه وآله- اللبن الذي جاء به لابنته فاطمة وقال لها: إشربي فداك أبوك.
فشربت منه، ثم أخذ بقيته وقدمها لعلي وقال: إشرب فداك ابن عمك.
ثم سأل عليا: كيف وجدت أهلك يا ابن عم.
فقال: نعم العون على طاعة الله.
وسأل فاطمة: كيف وجدت زوجك، فقالت: خير بعل.
فرفع –صلى الله عليه وآله- يديه وقال: اللهم اجمع شملهما وألف بين قلبيهما وإجعلهما وذريتهما من ورثة جنة النعيم وارزقهما ذرية طاهرة طيبة مباركة واجعل في ذريتهما البركة واجعلهم أئمة يهدون بأمرك الى طاعتك ويأمرون بما يرضيك.
سلمى: يا أم أيمن.. سلام عليك يا أم أيمن..
أم أيمن: وعليك السلام يا أم عمارة حياك الله.. أتأمرينني بشيء؟
سلمى: رأيتك تحدثين علياً، ماذا قال لك.. أريد أن أعرف سنة رسول الله كأب مع ابنته بعد زفافها لعلي أرويها للمسلمين فيعملوا بها.
أم أيمن: حفظك الله يا أم عمارة.. والله إن نيتي كنيتك، وقد سألت عليا عما فعله رسول الله معهما بعد خروجك لكي نتعلمه منه فأخبرني...
قال –عليه السلام-: يا أم أيمن، لقد طلب ماءً فجئته به، فتمضمض منه ثم مجه في الإناء وتلا عليه آيات ثم أمرني أن أشرب منه شيئاً وأبقي قليلاً فشربت وناولته الباقي فرشّه على رأسي وصدري وقال: أذهب الله عنك الرجس يا أبا الحسن وطهرك تطهيراً؛ ثم أمرني أن آتيه بماء جديد، فأتيته ففعل به مع فاطمة مثلما فعل بالماء السابق معي، ثم أمرني بالخروج من الحجرة وخلا بابنته.
سلمى: كأن رسول الله أراد أن يسمع من فاطمة ما قد يتلجلج في صدرها من كلام تستحي أن تقوله لأبيها في حضور زوجها.
أم أيمن: الأمر كما تقولين يا أم عمارة، ولكن ترى ماذا ستبثه لأبيها وعلي لا يرى منه إلا الخير.. محال أن تشكو منه شيئاً.
سلمى: إني لأعلم يا أم أيمن، ممن تشكو فاطمة..
أم أيمن: أخبريني ممن شكوى بنت رسول الله يا أم عمارة.
سلمى: لقد آذاها كلام ثلة من نساء قريش دخلن عليها وقلن لها باستخفاف: لقد زوجك رسول الله من فقير لا مال له.
أم أيمن: قبح الله قولهن، أو مثل علي يعير بفقر وهو أخو رسول الله؟!
سلمى: لقد كانت لنساء قريش في الجاهلية فعلة كهذه مع أم فاطمة، خديجة الطاهرة.
أم أيمن: أجل لقد قاطعنها وقلن إنها تزوجت من يتيم بني هاشم فقير لا مال له.
سلمى: كأن بعض نساء قريش لم يتطهرن من أوزار الجاهلية حتى بعد الإسلام.
أجل، شكت فاطمة لرسول الله من أذى نساء قريش، فأبهج قلبها بقوله الحق.
قال –صلى الله عليه وآله-: يا بنية ما كان أبوك بفقير ولا بعلك بفقير، ولقد عرضت علي خزائن الأرض فاخترت ما عند ربي عزوجل.. يا بنية ما ألوتك نصحاً زوجتك أقدمهم سلماً وأعظمهم حلماً وأكثرهم علماً.. يا بنية إن الله أطلع الى الأرض اطلاعة فاختار من أهلها رجلين فجعل أحدهما أباك والآخر بعلك.. يا بنية نعم الزوج زوجك.. لا تعصي له أمراً.
ثم نادى –صلى الله عليه وآله- علياً أن يدخل فدخل ملبياً فقال له:
يا علي؛ أدخل بيتك والطف بزوجتك وارفق بها، فإنها فاطمة، هي بضعة مني، يؤلمني ما يؤلمها ويسرني ما يسرها.
أستودعكما الله وأستخلفه عليكما.