موضوع البرنامج:
زهد ذكره الأنبياء
سلام من الله عليكم أحبتنا ورحمة الله.
على بركة الله نلتقيكم مع مشهد آخر من السيرة الفاطمية.
وفي هذا المشهد نلتقي بنماذج متنوعة للعطاء الفذ لسيدة نساء العالمين.
إنه نمط من العطاء يحرر الإنسان من أنواع الأغلال التي تقيده وتصده عن القرب الإلهي.. تابعونا مشكورين.
السليمي: يا محمد، يا محمد، إسمع من فارس بني سليم ما يقوله!
رجل: ويحك يا رجل، أمثل رسول الله يخاطب بهذا الإستعلاء.
سلمان: مهلاً يا هذا، رسول الله يأمرنا بإفساح المجال للرجل لكي يسمع قوله.. تقدم يا أخا بني سليم.. تقدم.
السليمي: إعلم يا محمد، أنه ما اشتملت النساء على ذي لهجة أكذب منك، لولا خصلة السخاء التي فيك لملئت سيفي منك!
رجل: ويحك يا مشرك.. دعني يا رسول الله أقتله.
فنهاه رسول الله _صلى الله عليه وآله_ وقال له:
مهلاً.. لقد كاد الحليم أن يكون نبياً.
سلمان: مهلاً يا رجل.. أي شجاعة في قتل رجل يعلن أنه لا يقدم على التعرض لرسول الله لسخائه.. لنسمع بماذا يجيبه رسول الله.
قال – صلى الله عليه وآله -: يا أخا بني سليم، والله إني لأمين في السماء، محمود عند الملائكة، أمين في الأرض، محمود عند الآدميين، فلا تقل فيّ إلا حقاً.
السليمي: يا محمد، باللات والعزى لا أؤمن بك ولا أصدق أنك رسول الله حتى يشهد لك هذا الضب الذي اصطدته اليوم، أليس هو من خلق الله فلينطقه ربك ليشهد لك!!
السليمي: يا للعجب، لقد نطق ورب الكعبة الضب.. إنه يشهد لمحمد بأنه رسول الله.. ما أعجب ما أرى.
سلمان: الحمد لله الذي نصر عبده ورسوله وأعزه.
السليمي: آمنت بالله وبك يا محمد، ولقد جئتك وما على وجه الأرض أبغض إلي منك، والآن ما على وجه الأرض أحب إلي منك سخائك الذي سمعت به ولصدقك، فإني أحب الصدق، وما ترك لي الصديق صديقاً في قومي فصرت أفقرهم!!
وعلم سلمان أن رسول الله – صلى الله عليه وآله – لم يكن عنده ما يزود به السليمي وهو يعود إلى أهله، فأتى فاطمة عليها السلام وأخبرها بالأمر فقالت:
يا عم، لنا ثلاثة أيام لم نجد شيئاً من الطعام، ولكن لا أرد الخير يأتي، إذهب بملاءة الدرع هذه وأرهنه عند شمعون اليهودي على صاعين من شعير وصاع من التمر، كي أطحن الشعير وأخبزه وأعد للسليمي زاده.
شمعون: ما هذا الذي جئتني به يا سلمان؟
سلمان: إنه ثوب لفاطمة بنت رسول الله، أمرتني أن آتيك به رهناً لقرض هو صاعان من الشعير وصاع من التمر، تعد منها زاداً للسليمي الذي أسلم اليوم.
شمعون: وما حاجة بنت محمد لرهن ثوب درعها، وقد وهبها أبوها فدكاً والعوالي وهي أغنى مزارع قومنا اليهود.
سلمان: قد خفي عليك يا شمعون بأن بنت رسول الله تنفق ما يأتيها من فدك والعوالي على فقراء المدينة ومساكينها بما فيهم اليهود؟!
شمعون: ورب موسى، ما علمت بذلك.. لكنني لاحظت أن بعض فقراء قومي قد بدأت تصلهم معونات ما عرفوا مصدرها.
سلمان: هي والله من صدقات بنت رسول الله يا شمعون.
شمعون: ما عرفتك يا سلمان إلّا صادقاً، هذا والله هو الزهد الذي أخبرنا به موسى في التوراة، بنت محمد تتصدق على فقراء قومي وتحررهم من الفقر وهم على غير دينها وترهن ثوبها لإعداد زاد فقير.
سلمان: وأزيدك يا شمعون أنها لم تجد طعاماً منذ ثلاثة أيام، وقد اضطرب عليها الحسنان من شدة الجوع وناما وهما جائعان.
شمعون: خذ يا سلمان هذا الشعير لكي تعد فاطمة منه الطعام وتطعم من بعضه أولادها.. خذ يا سلمان.
شمعون: يا سلمان.. يا سلمان.
سلمان: نعم يا شمعون، نعم يا أخ اليهود.
شمعون: أرى الطعام الذي تحمله كثيراً، هل هو الذي أعدته فاطمة بنت نبيكم؟
سلمان: نعم يا أخ اليهود، إنه صاع التمر بكامله والخبز الذي أعدته من صاعي الشعير!
شمعون: أولم تأخذ منه شيئاً لها ولولدها؟
سلمان: لا والله ولا قرص واحد.. آثرت المسكين السليمي بكل الطعام.
شمعون: هلا طلبت منها يا سلمان أن تأخذ منه قليلاً لولدها.
سلمان: قد فعلت والله وقلت لها، يا فاطمة خذي منه قرصاً تعللين به الحسين والحسن.
أجابت – صلوات الله عليها -: يا سلمان، هذا شيء خرج عنا وأمضيناه لله عزوجل فلسنا نأخذ منه شيئاً، والله يرزق من يشاء بغير حساب.
شمعون: الله أكبر.. الله أكبر.. هذا والله فوق الزهد الذي أخبرنا به موسى، الله اكبر، أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمداً رسول الله.. يا سلمان، خذ هذا الثوب وأرجعه إلى بنت رسول الله واسألها أن تدعو لي بحسن الإسلام، فقد تمت الحجة علي والله بما رأيته من فاطمة بنت رسول الله.
وجاء سلمان بالطعام لرسول الله فأعطاه للسليمي الذي أخذه وعاد إلى قومه مسروراً.. وأخبر سلمان رسول الله بحال ابنته.
وكان رسول الله – صلى الله عليه وآله – هو الآخر لم يذق طعاماً منذ ثلاثة أيام، فجاء إلى بيت فاطمة وأيقظ الحسنين وأجلسهما في حجره، فدخل علي فأجلسه خلفه وأجلس فاطمة أمامه وقال:
"إلهي وسيدي هؤلاء أهل بيتي، اللهم فأذهب عنهم الرجس وطهرهم تطهيراً".
فقامت فاطمة إلى محرابها وصلت ركعتين، ثم رفعت بطن كفيها إلى السماء وقالت:
"إلهي وسيدي، هذا نبيك محمد وهذا ابن عمه علي وهذان الحسن والحسين سبطا نبيك، إلهي فأنزل علينا مائدة كما أنزلتها أكلوا منها وكفروا بها، اللهم فأنزلها فإنا بها مؤمنون".
فوالله ما استتمت دعاءها حتى رأت حفنة يفوح طعامها فاحتضنتها وجاءت بها إلى أهلها ثم قالت: هو من عند الله يرزق من يشاء بغير حساب، فقال رسول الله – صلى الله عليه وآله -:
الحمد لله الذي لم يميتني حتى يرزقني بنتاً مثلها كمثل مريم كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال: يا مريم أنى لك هذا قالت: هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب.