موضوع البرنامج:
العقد المبارك
السلام عليكم إخوة الولاء والإيمان.
تحية مباركة طيبة ندعوكم بها في عودة أخرى إلى المدينة المنورة ومشهد آخر من مشاهد السيرة الفاطمية نستلهم منها دروس الحياة الطيبة الكريمة.
ها نحن ندخل معكم مسجد النبي ورسول الله _ صلى الله عليه وآله – يؤم المسلمين في صلاة العصر من أحد أيام السنة السابعة للهجرة النبوية المباركة.
عمار بن ياسر وغلامه (سهم): السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، السلام علينا وعلى عباد الله الصالحين، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
سهم: مولاي عمار، من هو هذا الشيخ الذي قام قاصداً رسول الله؟
عمار: ها، من تقصد يا سهم؟ ها إنه أعرابي من مهاجرة العرب يبدو أنه جاء النبي في حاجة.
سهم: أجل، تبدو عليه علامة الفقر فثوبه سمل خلق وهو لا يكاد يتمالك ضعفاً وشيخوخة.
عمار: الأمر كما تقول يا غلام، يبدو أنه يريد أن يقول لرسول الله شيئاً، لنقترب ونسمع قوله.
الأعرابي: يا نبي الله، أنا جائع الكبد فأطعمني وعار الجسد فاكسني وفقير فأرشني.
سهم: لا أدري بما سيجيبه رسول الله ولا أرى عنده من المال شيئاً.
قال – صلى الله عليه وآله -: يا شيخ، ما أجد عندي لك شيئاً، ولكن الدال على الخير كفاعله، إنطلق إلى منزل من يحب الله ورسوله ويحبه الله ورسوله، إنطلق إلى منزل من يؤثر الله على نفسه، إنطلق إلى حجرة فاطمة إبنتي.
الأعرابي: يا غلام، دلني على بيت فاطمة رحمك الله.
سهم: هو هذا، هذا بيتها هو الملاصق لحجرة رسول الله التي ينفرد فيها لنفسه عن أزواجه ويتعبد فيها، هو ذا.
الأعرابي: جزاك الله خيراً يا ولدي.
الأعرابي: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، أنا شيخ من العرب، أقبلت على أبيك مهاجراً من شقة وأنا عار الجسد، جائع الكبد، فواسيني رحمك الله، فقد بعثني رسول الله إليك.
غانم: عجباً من رسول الله، قد علم أن فاطمة وعلياً ما طعموا شيئاً منذ ثلاثة أيام وليس لديها من الطعام شيئ وقد نفد اليسير منه الذي كانت تعالج به الحسنين، فكيف يبعث إليها بهذا السائل الجائع؟!
الأعرابي: يا بنت محمد، إن الجوع قد أضر بي فواسيني رحمك الله.
أم أيمن: أيها الطارق، خذ هذا الجلد المدبوغ، إنه جلد كبش أعد لنوم الحسن والحسين، تقول لك إبنة رسول الله:
خذ هذا عسى الله أن يتيح لك ما هو خير منه.
يا بنت محمد، شكوت إليك الجوع فناولتني جلد كبش، ما أنا صانع به مع ما أجد من السغب؟
أم أيمن: حبيبتي فاطمة، إنه العقد الذي أهدته لك فاطمة بنت عمك حمزة، أعلم أنه عزيز عليك كثيراً، فلا تتصدقين به.
نزعت صلوات الله عليها العقد من عنقها الشريف وأعطته للأعرابي وقالت: خذه وبعه عسى الله أن يعوضك به ما هو خير منه.
الأعرابي: شكراً لك يا بنت رسول الله أراه عقداً ثميناً يفي بما أطلبه، شكراً لك شكراً لك.
أم أيمن: إلهي قد علمت بأن فاطمة قد تصدقت حباً لك بهذا العقد العزيز عليها فأسألك بحقها عليك أن تعيده إليها، يا الله يا قدير.
سهم: مولاي يا ابن ياسر، هو ذا الأعرابي قد عاد من بيت فاطمة، ترى ما الذي يحمله في يده؟
عمار: كل ما يخرج من بيت فاطمة مبارك يا ولدي فلا تشك في ذلك.
سهم: إنه عقد يا سيدي عمار، أراه يقدمه لرسول الله.
عمار: مهلاً لنسمع ما يقوله لرسول الله.
الأعرابي: يا رسول الله، أعطتني فاطمة هذا العقد وقالت بعه عسى الله أن يعوضك ما هو خير منه.
سهم: أرى رسول الله قد دمعت عيناه يا أبا اليقظان.
عمار: هي والله دموع سرور بتصدق فاطمة بأحب ما عندها.
قال – صلى الله عليه وآله – للأعرابي: وكيف لا يصنع بك الله الخير وقد أعطتك فاطمة، سيدة بنات آدم.
عمار: يا رسول الله، فديتك، أتأذن لي بشراء هذا العقد؟
قال – صلى الله عليه وآله -: إشتره يا عمار، فلو إشترك فيه الثقلان الجن والإنس ما عذبهم الله في النار!
عمار: حسن يا شيخ، بكم تبيع هذا العقد.
الأعرابي: أبيعه لك بشبعة من الخبز واللحم وبردة يمانية أستر بها عورتي وأصلي بها لربي.
عمار: بل أشتريه منك بفوق ما ترجو، لك ما بقي من سهمي الذي نفله لي رسول الله من خيبر، لك عشرون ديناراً ومائتا درهم هجرية وبردة يمانية وراحلتي تبلغك إلى أهلك وشبعة من خبز البر الجيد واللحم الزكي، هلم معي لأوفيك الثمن.
ثم عاد الأعرابي إلى رسول الله، فقال – صلى الله عليه وآله -: أشبعت واكتسيت؟
الأعرابي: نعم يا رسول الله، بل واستغنيت، بأبي أنت وأمي.
فقال – صلى الله عليه وآله -: فاجز فاطمة بصنيعها.
الأعرابي: لا أقدر على ذلك يا رسول الله إلا أن أرفع يدي وأدعو وأقول: اللهم إنك إله ما استحدثناك ولا إله نعبد سواك وأنت رازقنا على كل الجهات، اللهم إعط فاطمة ما لا عين رأت ولا أذن سمعت!
عمار: يا سهم.. هلم إلي يا ولدي.
سهم: لبيك يا مولاي.
عمار: يا سهم، قد علمت أنني اشتريتك من السهم الذي نفلني إياه رسول الله وقد اشتريت من الأعرابي ببقية ذلك هذا العقد المبارك، وقد رغبت أن أهبك وأنت آخر ما بقي لي من سهم خيبر لرسول الله، فخذ هذا العقد إليه وأنت وهو هبة لرسول الله.
سهم: جزاك الله خيراً يا مولاي، لقد أحسنت إلي منذ اشتريتني وعاملتني كأبن لك ليس عبداً، وقد أحسنت إلي اليوم وأتممت إحسانك إذ وهبتني لرسول الله أحب الخلق إلي، جزاك الله خيراً.
ولماّ ذهب الغلام إلى رسول الله وأخبره بقول عمار بن ياسر، قال – صلى الله عليه وآله - له:
إنطلق إلى فاطمة فادفع إليها العقد وأنت لها.
أم أيمن: أسهم، أنت غلام أبي اليقظان عمار بن ياسر، ما الذي جاء بك؟
سهم: نعم يا أم أيمن أنا هو، لقد جئت إلى مولاتي فاطمة بأمر رسول الله، وقد وهبني مملوكاً لها بعد أن وهبني مولاي عمار لرسول الله.
أم أيمن: الحمد لله وشكراً لعطية رسول الله، وما هذا الذي تحمله يا سهم؟
سهم: إنه عقد مولاتي فاطمة الذي اشتراه عمار من الأعرابي، حاله كحالي، وهبه عمار لرسول الله، فوهبه رسول الله لمولاتي فاطمة وأمرني أن أحمله إليها.
أم أيمن: الحمد لله، الحمد لله، لقد استجاب الله دعائي وأعاد لمولاتي فاطمة لهذا العقد الذي تحبه لحبها لحمزة عمها، الحمد لله.
أخذت فاطمة صلوات الله عليها، العقد من الغلام وأتمت إحسانها عليه بأن أعتقته في سبيل الله.
فضحك الغلام فسألته عليها السلام: ما يضحكك يا غلام؟
سهم: أضحكني عظم بركة هذا العقد، أشبع جائعاً وكسى عرياناً وأغنى فقيراً وأعتق عبداً ورجع إلى صاحبته.