لا نزال نحدثك عن الزيارة للأئمة عليهم السلام وهي ما يطلق عليها اسم "الجامعة الكبيرة" حيث حدثناك عن مقاطع متسلسلة منها وانتهينا من ذلك الى مقطع يقول عن الائمة مخاطباً (الى الله تدعون وعليه تدلون وبه تؤمنون وله تسلمون وبأمره تعملون والى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون).
ان هذا المقطع من الزيارة يتضمن عبارات سبعاً تتجانس فيما بينها من حيث الدلالة ومن حيث الايقاع ولا نغفل بان منشئ الزيارة هو الامام الهادي عليه السلام حيث طلب منه ان يصوغ عبارات بليغة حيث توفر على ذلك فعلاً وحيث نواجه مصاديق ذلك في المقطع الذي نتحدث عنه من زاوية دلالته المتضمنة اساليب متنوعة من حيث تتابع عباراته وتنوع ادواته ومن حيث تجانس قراراته وسلاسة كلماته، والمهم الان هو ملاحظة هذه الجوانب وهذا ما نبدأ به...
اول ما يلفت نظرنا في المقطع هو تتابع ادوات الجر والعطف المفصحة عن تتابع دلالاته حيث نجد الى وعلى وبه وله تضفي جمالية ملحوظة بالاضافة الى جمالية قراراته المتجانسة مثل تدعون تعملون تدلون تسلمون.
وخارجاً عن ذلك يعنينا ان نتجه الى دلالات المقطع وما تتضمنه من الافكار والنكات وسواهما وهذا ما نعني به ما دام الامر يرتبط بالحديث عن الائمة عليهم السلام وهم خلفاء الرسول(ص) والثقل الذي امرنا بان نتمسك به.
ولعلك تتساءل الان عن السمات التي خلعتها الزيارة على الائمة في هذا المقطع وهو مقطع يتضمن محوراً خاصاً هو نمط علاقتهم بالله تعالى من حيث البلاغ والتبليغ حيث سرد لنا المقطع سبعة انماط او سبع عبارات في هذا الميدان هي: الى الله تدعون، عليه تدلون، به تؤمنون، له تسلمون، بامره تعملون، الى سبيله ترشدون، بقوله تحكمون.
*******
ان هذه السمات السبع ومع تجاوزنا لجمالية صياغتها ايقاعياً ودلالياً واسلوبياً نجد انها تستقطب ما يتطلبه البلاغ او التبليغ من اساليب وانماط تفصح عن العلاقة بينهم وبين الله تعالى وبين الاخرين وهذا ما نسعى لبيانه من خلال نماذج عملية ولكن بعد الاستماع الى حوار زميلنا مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي عن مراتب الدعوة الى الله في حياتهم عليهم السلام.
المحاور: سؤالنا في هذه الحلقة ان مراتب واساليب الدعوة الى الله تبارك وتعالى في سيرة اهل البيت عليهم السلام؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، اهل البيت سلام الله عليهم هم الدعاة الى الله الى الله تدعو وعليه تدلون بلا شك ولا ريب هم همهم الوحيد ربط الناس بالله تبارك وتعالى وافنوا ارادتهم في ارادة المولى ومن خلال سيرتهم نستوحي هذا الدرس بشكل واضح وجلي لعل هذا الشاهد من حياة الامام الهادي وهو صاحب الزيارة الجامعة الكبيرة يقول احد اصحابه وفدتوا عليه ذات يوم وقلت له سيدي ان الخليفة قطع عطائي ليس ذلك الا لعلمه بملازمتي اياك فلو ذهبت اليه سألته ان يرد علية عطائي هذا الرجل افتهم الامام قال له افعل ان شاء الله هذا تصور ان الامام فعلاً الى الخليفة بينما الامام كان يقصد انه يستخدم الجانب الغيبي والدعاء والارتباط بالله تبارك وتعالى هو فهم انه يكلم الطاغية، يقول ما صار اليل واذا برسل المتوكل تترى عليَّ رسول بعد رسول اجد المتوكل فذهبت اليه ورحب بي وقال كم عطاء لم تستلمه فقلت له العطاء الفلاني والعطاء الفلاني يقول اخذ يغدق عليَّ بالعطاء فلما خرجت منه نظرت الى الفتح بن خاقان وكان احد وزراءه او رئيس الوزراء عنده فقلت له سيدي ومولاي علي بن محمد وافا هنا فقال لي لا لم اشاهده فذهبت الى داري وبعد يومين ثلاث التقيت بالامام ابستم الامام واستفسر عن حالي فقلت له سيدي الحمد لله الله وسع عليَّ وهذا كله ببركتك لكن سيدي انا سألت عنك فقيل لي لم يأتي علي بن محمد على هنا، فهنا هذا الدرس هذه الدعوة الى الله ربط الله بالله سبحانه وتعالى فقال له الامام: ان الله علم منا الا نلجأ في المهمات الا اليه، ولا نتوكل في الملمات الا عليه، وعودنا ان اذا سألناه الاجابة فنخاف ان نعدل فيعدل بنا يعني يقول لهذا الرجل نحن لا نذهب الى المخلوق ونسأل لانه المخلوق هو محتاج الى الله عز وجل فنحن نلجأ في المهمات الى الله عز وجل في الحقيقة هذه دعوة الى الله عز وجل توحيد صادق ربط الناس بالله تبارك وتعالى هذا شاهد.
المحاور: شاهد جميل باعتباره يشتمل على الدعوة القولية والدعوة العملية يعني بعمله سلامه الله عليه وبالتوضيح الذي اعطاه لهذا الرجل بعد ذلك؟
الشيخ باقر الصادقي: وهناك في سيرة اهل البيت سلام الله عليهم من خلال ارتباطهم بالله انقطاعهم الى الله عبادتهم يعني مثلاً هذا الشاهد يقول احد اصحاب الامام الصادق عليه السلام كنت معه لما اقبل ليعقد الاحرام للحج في مسجد الشجرة يقول نظرت الى الامام كلما هم للتلبية انقطع الصوت في حلقه فقلت له بعد فترة الناس سيدي تأتي تلبي وتنصرف هلا لبيت يقول واذا بالامام يقول لي يا فلان ويحك اني اخشى ان اقول لبيك اللهم لبيك ويأتيني النداء لا لبيك ولا سعديك، هذا الحضور الالهي هذا التصور هذه الخشية من الله التصور لعظمة الله عز وجل في سلوك اهل البيت واضح الامام الباقر افلح المولى يقول: نظرت اليه لما اقبل الى الكعبة مجرد ما وقع بصره على الكعبة رفع صوته بالبكاء فقلت سيدي خفف صوتك ما هذا البكاء العالي فقال: ويحك يا افلح انما ارفع صوتي بالبكاء الى الله لعل الله ينظر الي برحمة فيرحمني.
المحاور: بلا شك نظراتهم سلام الله عليهم لا انقطاع لها لعل هذا من اساليبهم سلام الله عليهم من باب اياك اعني واسمع يا جاره، من تربية الاخرين ودعوتهم الى الارتباط والعلاقة الصحيحة بالله تبارك وتعالى؟
الشيخ باقر الصادقي: نعم هذا هو الصحيح.
*******
نتابع احباءنا تقديم هذه الحلقة من برنامج امناء الرحمان بذكر بعض النماذج التي وعدناكم بها فالعبارة الاولى من المقطع تقول بان الائمة عليهم السلام الى الله يدعون، ومن الواضح ان هذه العبارة تتسم بكونها مطلقة وعامة ومجملة في الدلالة المتصلة بمفهوم التبليغ او الدعوة الى الله تعالى انها تقرر بانهم عليهم السلام يمارسون نشاطاً هو الدعوة الى الله تعالى.
ولكن السؤال هو ما هي الكيفية والنمطية والعلاقة الرابطة بينهم وبين الله تعالى وبين الاخرين؟ الاجابة الاولى هي انهم الى الله تعالى يدلون!! أي ما هي النكتة الكامنة وراء ذلك؟ واضح ان الدعوة الى ا لله تعالى تحتاج اولاً الى دليل يصل بالآخر الى الجهة المقصودة وهذا ما اشارت الزيارة اليه عندما قالت وعليه تدلون بصفة ان الدعوة اليه تعالى تتطلب كما قلنا دليلاً اليه موصلاً، ثم ماذا؟
بعد ان يدل الائمة عليهم السلام الاخرين الى الله تعالى حينئذ فان الدليل او الدال عليه لابد وان يكون على احاطة وخبرة ويقين بمن يدلون عليه وهو الله تعالى ولذلك جاءت العبارة الثالثة تقول وبه تؤمنون حيث ان الايمان به تعالى هو المسوغ لان يدلوا الاخرين عليه، ثم ماذا بعد؟
لابد بعد الايمان بالله تعالى ان يتم التسليم له في كل ما يصدر عنه تعالى من الاوامر او النواهي وها من الوضوح بمكان كبير لان التسليم له تعبير عن الايمان به كما قلنا ولذلك جاءت العبارة الرابعة تقول وله تسلمون، هنا بعد هذه المراحل الاربع الدعوة الى الله تعالى، الدلالة او التدليل عليه، الايمان به، التسليم له نقول بعد هذه المراحل تواجهنا مراحل ثلاث تترتب نتائجها على ما تقدم وهو ما نحدثك عنه في لقاء لاحق، ان شاء الله تعالى.
اما الان فحسبنا ان نستثمر هذه العبارات من حيث الافادة منها في اداء وظيفتنا التبليغية الى الله تعالى ونتجه اليه تعالى في انجاز هذه المهمة انه ولي التوفيق.
*******