بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله كما هو أهله، وأسمى صلواته على حبيبه المصطفى محمّد المختار، وعلى آله الهداة الأبرار. أيّها الإخوة الأعزة الأفاضل، السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، جمّة هي الآيات التي نزلت في الإمام عليّ عليه السلام، حتى لقد أفرد لها المفسّرون فصولاً وكتباً مستقلّة تحت عنوان: ما نزل من القرآن في عليّ، أو: ما نزل في عليّ من كتاب الله. ولضيق المقام ومحدوديّة الوقت، سنمرّ على الآيات المباركة لا نقف عندها إلاّ وقفة العاجل، لندرك أكثر ما يمكننا إدراكه، وعذرنا في ذلك: ما لا يدرك كلّه، لا يترك كلّه، أو: لا يسقط الميسور بالمعسور. وفي هذا اللقاء أيّها الإخوة الأحبّة، تستوقفنا آية في سورة الأعراف نصّها قوله تعالى: "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِن بَنِي آدَمَ مِن ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُواْ بَلَى شَهِدْنَا أَن تَقُولُواْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ"(الأعراف۱۷۲)، روى في ظلّ الآية عددٌ من المفسرين أنّ رسول الله صلى الله عليه وآله قال: (لو يعلم الناس متى سمّي عليّ أمير المؤمنين ما أنكروا فضله، سمّي أمير المؤمنين وآدم بين الروح والجسد). ثمّ قرأ صلى الله عليه وآله الآية الشريفة: "وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ ؟!" فقال: قالت الملائكة: بلى، فقال الله تعالى: أنا ربّكم، ومحمّد نبيكم، وعليّ أميركم. وفي رواية أخرى: قالت الأرواح: بلى، فقال الله: أنا ربّكم، ومحمد نبيكم، وعليّ أميركم.
روى ذلك شيرويه بن شهردار الديلميّ من علماء السنة في (فردوس الأخبار) والكشفيّ الحنفيّ في (المناقب المرتضويّة)، والهمدانيّ في (مودّة القربى)، والقندوزيّ الحنفيّ في (ينابيع المودّة) وغيرهم. ومن علماء الشيعة: الكليني في (الكافي)، وابن طاووس في (اليقين)، والعلامة الحلّيّ في (منهاج الكرامة في دلائل الإمامة)، والصفار القمّي في (بصائر الدرجات)، فضلاً عن جملة من المفسّرين والمحدّثين.
وفي سورة الأنفال الشريفة، نقرأ في الآيتين ٦۲، ٦٤ هذين النصّين الشريفين، قوله تعالى: "وَإِن يُرِيدُواْ أَن يَخْدَعُوكَ فَإِنَّ حَسْبَكَ اللّهُ هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ" ، وقوله جلّ وعلا: "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ". فنجد أبا نعيم الأصفهانيّ يروي عن أبي هريرة قوله أو روايته بهذا النصّ في كتابه (النور المشتعل): مكتوبٌ على العرش: لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له، محمّدٌ عبدي ورسولي، أيّدته بعليّ بن أبي طالب، وذلك قوله تعالى في كتابه: "هُوَ الَّذِيَ أَيَّدَكَ بِنَصْرِهِ وَبِالْمُؤْمِنِينَ" يعني عليّ بن أبي طالب. رواه أيضاً الحافظ ابن عساكر الدمشقيّ الشافعيّ في (تاريخ مدينة دمشق)، والكنجيّ الشافعيّ في (كفاية الطالب)، والمحبّ الطبريّ في (الرياض النضرة)، والسيوطيّ الشافعيّ في (الدرّ المنثور)، والمتقي الهنديّ في (كنزل العمّال) وغيرهم. ونعود إلى الحافظ أبي نعيم فنقرأ في كتابه (ما نزل من القرآن في عليّ) راوياً عن جعفر بن محمّد الصادق في قوله تعالى: : "يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ حَسْبُكَ اللّهُ وَمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ" أنه قال: نزلت في عليّ بن أبي طالب عليه السلام. ومثله روى الحسكانيّ الحنفيّ في كتابه (شواهد التنزيل لقواعد التفضيل)، هذا فيما روى السيّد هاشم البحرانيّ في تفسيره (البرهان) بإسناده عن أبي هريرة أنه قال: نزلت هذه الآية في عليّ بن أبي طالب، وهو المعنيّ بقوله تعالى (المؤمنين). أمّا العلامة الحليّ فكانت له تعليقة في (منهاج الكرامة) نصّها قوله: وهذه فضيلة لم تحصل لأحد من الصحابة غير عليّ عليه السلام، فيكون هو الإمام.
وهنا يحسن التنبيه إلى أنّ الله تعالى بيّن بصريح العبارة أنه أيد نبيّه صلى الله عليه وآله بأمرين: بنصره، وبالمؤمنين، وكلاهما له جلّ وعلا، كذلك خاطب نبيّه صلّى الله عليه وآله بأن له حسبين: الله، ومن اتبعه من المؤمنين، وكلاهما له تبارك وتعالى. فأين العقول التي تتهم الشيعة بالشرك إذا كان لهم توسّلٌ بالأولياء واستشفاعٌ بالأئمة والأنبياء؟ وقد قال تعالى في رسوله الأكرم صلى الله عليه وآله وسلّم: "وإن تظاهرا عليه فإن الله هو مولاه وجبريل وصالح المؤمنين والملائكة بعد ذلك ظهير" التحريم: ٤؟! وإلا فليتهم أصحاب التهم كتاب الله بالشرك إذ جعل للرسول تأييداً غير نصر الله، وحسباً غير الله، ومولىً غير الله!
أمّا إذا بلغنا إلى سورة التوبة، أو سورة براءة ،كما تسمى لمستهلّها بقوله تعالى: "بَرَاءةٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى الَّذِينَ عَاهَدتُّم مِّنَ الْمُشْرِكِينَ"(التوبة:۱)، وجدنا أيّها الإخوة الأكارم، أن الحافظ أبا نعيم يروي في (النور المشتعل) عن الزهريّ أنّ انس بن مالك قال: أرسل رسول الله أبا بكر بسورة براءة يقرأها على أهل مكّة، فنزل جبرئيل على محمّد صلى الله عليه وآله فقال: يا محمّد، لا يبلّغ عن الله إلا أنت أو رجلٌ منك. فلحقه عليّ فأخذها منه. رواه النسائيّ في (خصائص أمير المؤمنين)، والحسكانيّ في (شواهد التنزيل)، وابن عساكر في (تاريخ دمشق)، وأحمد بن حنبل في (مسنده) وغيرهم. أمّا في ظل الآية الثالثة من السورة، وهي قوله تعالى: " وَأَذَانٌ مِّنَ اللّهِ وَرَسُولِهِ إِلَى النَّاسِ يَوْمَ الْحَجِّ الأَكْبَرِ أَنَّ اللّهَ بَرِيءٌ مِّنَ الْمُشْرِكِينَ وَرَسُولُهُ"، كتب الحبريّ في تفسيره: المؤذّن يومئذ، عن الله ورسوله: عليّ بن أبي طالب، أذن بأربع: لا يدخل الجنة إلا مؤمن، ولا يطوفنّ بالبيت عريان، ومن كان بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وآله أجلٌ فأجله إلى مدّته، ولكم أن تسيحوا في الأرض أربعة أشهر. فيما روى السيوطيّ في (الدّر المنثور) عن عليّ بن الحسين عليه السلام قوله: ان لعليّ عليه السلام في كتاب الله اسماً ولكن لا تعرفونه. سأله حكيم بن حميد: ما هو؟ فأجابه عليه اللام: ألم تسمع قول الله: (وأذانٌ من الله ورسوله إلى الناس يوم الحجّ الأكبر)؟! هو والله الأذان. هذا فيما روى الشيخ الطوسيّ في أماليه، بإسناده عن عبدالرحمان بن أبي ليلى أنّ النبيّ صلى الله عليه وآله قال لعليّ عليه السلام: أنت الذي أنزل الله فيه: (وأذانٌ من الله ورسوله الى الناس يوم الحجّ الأكبر).