بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله بما هو أهله، وبما يليق بعزّ جلاله، وأفضل الصلاة وأزكاها على المصطفى وآله. ايها الإخوة الأعزة الافاضل... السلام عليكم ورحمة الله وبركاته موضوعٌ قرآني يستأثر بأهتمام جميع المفسرين والمحدّثين، الموافقين والمخالفين فيثمر عن سلسلة من المؤلّفات تحت موضوع او عنوان: ما نزل من القرآن في علي (عليه السلام)، لابدّ أن له عمقاً في العقيدة الاسلامية، وشأناً كبيراً في حياة الأمة، فالإمام عليٌ (عليه السلام)... كوصيّ لرسول الله (صلى الله عليه وآله)، أو خليفة له، أو كصحابي متمّيز صبّت عليه العناية الربانية مواهبها حتى أقرّ التاريخ أنه بعد النبي (صلى الله عليه وآله) هو الأعلم والأعبد، وهو الأتقى والأقضى والأشجع والأصدق... وكان له في كتاب الله العزيز مواقع عديدة، كلّها ثناءٌ وذكرٌ حسنٌ جميل، وتجليلٌ لفضائله ومناقبه ومفاخره ومآثره، ذكر بعضها: الحافظ ابو نعيم الاصفهاني في كتابه (النور المشتعل)، والحبريّ في تفسيره، والخوارزمي الحنفي في المناقب، وابن رويس عيدروس الشقّاف في (شواهد التنزيل)، وكذا الحسكاني في (شواهد التنزيل)، والشيخ سليمان القندوزيّ الحنفيّ في (ينابيع المودّة)، والسيد هاشمّ البحراني في (تفسير البرهان) وفي اللوامع النورانية، كذلك العياشي والقمي وفراتٌ الكوفي، والفيض الكاشانيّ في تفاسيرهم، بل وجميع من كتب في التفسير والرواية، لم يستطيعوا إلاّ الوقوف عند الخطاب الإلهيّ في القرآن الكريم وهو يذكر مناقب أميرالمؤمنين علي وفضائله، بل وأفضليته على جميع الأصحاب... وتلك حقيقة نتبينها بوضوح من خلال مرورنا على ما ذكر من بيانات، وروايات... في ظلّ الآيات.
*******
والآن – ايها الإخوة الاكارم- مع آية اخرى، وقد استنطقت فيها أقلام المفسرين، فجاءت بياناتها واضحة ناطقة... نقرأ في سورة البقرة قوله تبارك وتعالى: "وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ وَآتُواْ الزَّكَاةَ وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ" (سورة الأحزاب الآية الثالثة والاربعون). فنجد الشيخ الطبرسيّ في تفسيره (مجمع البيان) يكتب هذه العبارات ليستحصل شيئاً من معانيها الشريفة، حيث يقول: "وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ" أي أدّوها بأركانها وحدودها وشرائطها كما بيّنها النبيّ (صلى الله عليه وآله)... الى أن يقول في ظلّ قوله عزوجل " وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ " إنّما خصّ الرّكوع بالذكر، وهو من أفعال الصلاة بعد قوله: "وَأَقِيمُواْ الصَّلاَةَ" لأحد وجوه: أحدها أنّ الخطاب لليهود، ولم يكن في صلاتهم ركوعٌ، وكان الأحسن ذكر المختصّ دون المشترك لأنه أبعد من الّلبس. وثانيها- أنه عبّر بالركوع عن الصلاة، لأنه أول ما يشاهد من الافعال التي يستدلّ بها على أنّ الانسان يصلّي... وثالثها- أنه حثّ على صلاة الجماعة. وهنا يحسن بنا –ايها الإخوة الاحبة- أن نتساءل ونجيب: من كان قد أدّى أول صلاة جماعة في الاسلام؟ ومن هم الذين كانوا قد ركعوا أوّل مرة لله تعالى في الراكعين؟ لنستمع الى جواب ذلك بعد هذه الوقفة القصيرة.
*******
في كتابه القيم (خصائص أميرالمؤمنين عليه السلام) كتب الشريف الرضي (رضوان الله عليه): عن أبي يحيى بن عفيف، عن ابيه عن جدّه عفيف، قال: جئت في الجاهلية الى مكة وأنا أريد أن أبتاع لأهلي (أي أشتري) من ثيابها وعطرها، فأتيت العباس بن عبد المطلب (عمّ النبي)، وكان رجلاً تاجراً، فأنا عنده جالسٌ حيث أنظر الى الكعبة وقد حلّقت الشمس في السماء فارتفعت وذهبت... إذ جاء شابّ فرمى ببصره الى السماء، ثم قام فاستقبل القبلة، ثم لم ألبث إلاّ يسيراً حتى جاء غلامٌ فقام عن يمينه، ثم لم ألبث إلا يسيراً حتى جاءت امراة فقامت خلفهما، فركع الشابّ... فركع الغلام والمرأة، فسجد الشابّ... فسجد الغلام والمراة. فقلت: يا عباس، أمرٌ عظيمٌ! فقال العباس: أمرٌ عظيمٌ –أتدري من هذا الشابّ؟ قلت: لا . قال: هذا محمد بن عبدالله ابن اخي، أتدري من هذا الغلام؟ هذا عليّ ابن أخي، أتدري من هذه المرأة؟ هذه خديجة بنت خويلد زوجته. ثم قال العباس بن عبد المطلب – وكأنه يبدي إعجابه ويكتم إيمانه- إن ابن أخي هذا أخبرني أنّ ربّه ربّ السماء والارض أمره بهذا الدين الذي هو عليه، ولا –والله- ما على الأرض كلّها أحدٌ على هذا الدين غير هؤلاء الثلاثة. أجل- ايها الإخوة الأفاضل- هؤلاء الثلاثة كانوا اول الراكعين، بل لم يكن أحدٌ غيرهم من الراكعين: هم النبي... وهو المرسل الصادق، وعليٌ ... وهو أول مصدّق، وقد التحقت خديجة بهما أول عهد الاسلام فكانت أحد الراكعين، إذ لم يكن غيرهم أحدٌ على هذا الدين الحنيف، لذا قال اميرالمؤمنين (عليه السلام) في خطبته القاصعة: ((ولم يجمع بيتٌ واحدٌ يومئذ في الاسلام غير رسول الله (صلى الله عليه وآله) وخديجة وأنا ثالثهما)). أمّا الحبريّ فقد كتب في تفسيره، في ظلّ قوله جلّ وعلا: "وَارْكَعُواْ مَعَ الرَّاكِعِينَ": عن ابن عباس، أنها نزلت في رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي بن ابي طالب (عليه السلام)، وهما أول من صلّى وركع.