لا نزال مع الزيارة الجامعة الكبيرة أي الزيارة الجامعة في رصدها لفضائل الائمة عليهم السلام حيث تجمعها في نص تكفل الامام علي الهادي(ع) بانشائه بالاضافة الى كونه أي نص الزيارة مرسوماً ببلاغته الفائقة حيث طلب احد اصحاب الامام(ع) بان ينشئ كلاماً بليغاً في حق الائمة عليهم السلام وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة من الزيارة وانتهينا من ذلك الى مقطع طويل يعرض الامام(ع) فيه عشرات السمات المرتبطة بمواقعهم(ع) عند الله تعالى واضطلاعهم بتبليغ مبادئه تعالى مثل قوله تعالى في حقهم:(جاهدتم في الله حق جهاده) الى ان يقول: (وصدقتم من رسله من مضى فالراغب عنكم مارق واللازم لكم لاحق والمقصر في حقكم زاهق).
ان هذه الفقرات التي نعتزم الحديث عنها تشكل اولاها احد مبادئ الرسالة وما بقى من الفقرة يتحدث عن موقعهم الرسالي وما يترتب على الايمان به من قبل الاخرين من مصائر ايجابية والعكس كذلك، وهو امر نبدأ بالقاء الانارة عليه ...
الفقرة تقول: (وصدقتم من رسله من مضى) هذه العبارة تحتاج الى مزيد من التوضيح ولعل قارئ الزيارة يتساءل عن السبب الكامن وراء النصوص الشرعية المشيرة الى ان الايمان برسالة الاسلام تقترن بالايمان بالرسالات السابقة فما هو سبب ذلك؟
قبل الاجابة عن السؤال لا مناص من التذكير بهذه الحقيقة من خلال الاستشهاد بنصوص قرآنية كريمة مثل قوله تعالى في صفة المتقين «والذين يؤمنون بما انزل اليك وما انزل من قبلك» ومثل «والمؤمنون كل آمن بالله وملائكته وكتبه ورسله، لا نفرق بين احد من رسل»، ان هذين النصين ورد اولهما في اول سورة البقرة وورد الاخر منهما في آخر سورة البقرة، ويعنينا من ذلك ان نجيب على تساؤل قارئ الزيارة حيال السر الكامن وراء التأكيد المذكور على الرسالات السابقة مع ان الاسلام هو خاتمة الرسالات، والناسخ لما قبله، اذن نتساءل من جديد ما هي الاسرار وراء ذلك؟ في تصورنا ان المسألة هي ان الله تعالى عندما قرر بان يكون له خليفة في الارض انما انتخب ذلك لسبب هو قائله تعالى وتعني به عبادة الله تعالى او العبودية لله تعالى تبعاً لقوله «وما خلقت الجن والانس الا ليعبدون» ... وحينئذ لا فرق بين هذا الجيل او ذاك من الزمن في قيامه بوظيفته العبادية او الخلافية كل ما في الامر ان لكل جيل مناخه الخاص أي ثقافته التي تتناسب مع طبيعة المبادئ التي رسمها تعالى فجيل آدم(ع) مثلاً يختلف عن جيل نوح(ع) وهما يختلفان عن جيل ابراهيم(ع) وهم جميعاً يختلفون عن جيل موسى(ع) وهكذا.
وبما ان الاسلام هو خاتمة الاجيال حيث تتناسب مبادؤه تعالى مع الطبيعة الثقافية لخاتمة الاجيال حينئذ فان الضرورة الزمنية تقتضي ان تنسح شريعة الاسلام شرائع الرسالات السابقة ولكن مع الايمان بمشروعية الرسالات السابقة لمن عاصرها وليس لمن عاصر الجيل الاسلامي، وهذه نقطة في غاية الاهمية، لذلك فان الاشارة الى ان الاسلاميين يقرون بمشروعية الرسالات السابقة دون الالتزام بها في جيل الاسلام انما تعني وحدة الرسالات السماوية من جانب وضرورة الالتزام بالاسلام دون غيره من جانب آخر ولنا اعزاءنا تتمة لهذه الفكرة من خلال الحوار التالي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ باقر الصادقي وهو يبين وراثة الائمة عليهم السلام للأنبياء عليهم السلام جميعاً.
المحاور: السلام على ضيفنا سماحة الشيخ باقر الصادقي ورحمة الله وبركاته؟
الشيخ باقر الصادقي: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ من الاوصاف التي تكررت في زيارات اهل البيت عليهم السلام ومنها الزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة ووصفها بانهم ورثة الانبياء ما هو معنى هذه الوراثة؟
الشيخ باقر الصادقي: بسم الله الرحمن الرحيم، الواقع ان هذه الوراثة يمكن ان تشمل مجموعة امور ولعلنا نشير الى بعض هذه الامور ورثوا ما ثبت للانبياء من وجوب الطاعة والاعذار والانذار كما دلت على ذلك احاديث كثيرة في هذا المجال كذلك ممكن ان نفهم من ذلك انهم ورثوا صفات الكمالية التي تميزوا بها الانبياء والله عز وجل مع ذلك زاده يعني ما فرقه في الانبياء من لدن آدم جمعه فيهم وهذا المعنى فيه رواية عن الامام الرضا عليه السلام تقول الرواية ان الله عز وجل جمع لنبينا محمد(ص) جميع ما اعطى الانبياء من لدن آدم الى عيسى بن مريم ثم زاده عليهم وما كان عند رسول الله ورثه امير المؤمنين وورثناه في هذا المعنى، بالنسبة الى الكمالات وبالنسبة الى مجموعة ما امتاز به الانبياء هذا معنى والمعنى الاخر كما تدل عليه هذه الرواية عن ابن ابي نجران قال كتبت الى ابي الحسن الرضا رسالة واقرأنيها قال، قال علي بن الحسين ان محمد(ص) كان امين الله في ارضه فلما قبض محمد كنا اهل البيت وورثته فنحن امناء الله في ارضه، فهم ورثة الانبياء وهم ورثة اولو العزم كما وردت في روايات كثيرة.
المحاور: سماحة الشيخ ما تفضلتم به من انهم جمعوا ما لدى الانبياء جميعاً سلام الله عليهم باعتبارهم اوصياء خاتم الانبياء وسيد الانبياء؟
الشيخ باقر الصادقي: بلا شك نعم فهم ما كان عند النبي(ص) وصل اليهم باعتبار هم الاوصياء للنبي(ص) والامتداد الطبيعي لرسول الله(ص).
المحاور: هل ان هذه الوراثة تشتمل ايضاً على وراثة ما قام به الانبياء يعني غير الصفات الروحية والمعنوية وغير العلوم ادوار الانبياء مع اقوامهم؟
الشيخ باقر الصادقي: بلا شك انهم قاموا بهذه المسؤوليات وهذا الدور الذي قام به الانبياء بالنسبة لاممهم هم كذلك قاموا بهذا الدور من دون شك ومن دون نقص ومن دون اي شيء وكذلك ورثوا وجوب الطاعة كما انه على الامم ان تطيع الانبياء كذلك على الامة ان تطيع اهل البيت عليهم السلام.
المحاور: هل ان هذا المعنى ايضاً يفهم من وصف دولة اهل البيت التي تقام على يدي خاتم الاوصياء(عج) هل انها تحقق اهداف جميع الانبياء؟
الشيخ باقر الصادقي: بلا شك هذا المصداق البارز والواضح لهذا المعنى.
*******
والان بعد ان تبين لنا ان الايمان بالرسالات السابقة يعني مشروعيتها في حينه نتجه الى الفقرات الاخرى من مقطع الزيارة وهي القائلة عن الائمة عليهم السلام بصفتهم اوصياء النبي(ص) في تبليغ رسالته وتوصيلها الى الاخرين هذه الفقرات تقول عن الائمة عليهم السلام (فالراغب عنكم مارق، واللازم لكم لاحق، والمقصر في حقكم زاهق) والسؤال المهم هو ماذا تعني هذه العبارات حيث قسمت الناس الى ثلاثة اقسام الراغب عن الائمة عليهم السلام واللازم لهم، والمقصر في حقهم، انها عبارات تقرر مصائر الناس بل مصائر الاسلاميين الذين يحددون علاقاتهم بالائمة عليهم السلام ايجاباً او سلباً وانعكاسات ذلك على مصائرهم الآخروية.
واذا كان الامر يتصل بمصائر الاسلاميين من حيث صلتهم بالائمة عليهم السلام حينئذ اليس من المهم جداً ان يفهم الاسلاميون وظائفهم حيال الموضوع المتقدم؟
هذا ما نحدثك به في لقاء لاحق ان شاء الله تعالى ومن الله تعالى نستمد التوفيق انه ولي التوفيق.
*******