نحن الان مع الزيارة المعروفة باسم الجامعة الكبيرة وهي الزيارة التي انشأها الامام علي الهادي(ع) لزيارة الائمة عليهم السلام في مشاهدهم. وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة من هذه الزيارة، ونواصل حديثنا عن الجديد منها، ومن ذلك مقطع يوضح لنا منزلة الائمة عليهم السلام عند الله تعالى وموقعهم الرسالي من حيث اضطلاعهم بما رسمه النبي(ص) من ممارسة الخلافة والامانة للمجتمع الاسلامي، حتى ظهور الامام المهدي(ع) حيث يختتم مهمة الامانة عبر وراثة الارض للاسلاميين.
لقد حدثناك عن جملة عبارات من الزيارة تحدد لنا علاقة الائمة عليهم السلام بالله تعالى من حيث الاضطلاع بوظيفتهم حيث جاء منها قوله(ع): (ودعوتم الى سبيله ـ أي الله ـ بالحكمة والموعظة الحسنة، وبذلتم انفسكم في مرضاته، وصبرتم على ما اصابكم...الخ).
هذه الفقرات من الزيارة مع وضوحها تحتاج الى القاء الاضاءة عليها لاستخلاص ما تتضمنه من النكات المتنوعة، وهذا ما نبدأ به الان ...
العبارة الاولى من الفقرات المذكورة هي: (دعوتم الى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة)، والسؤال هو: ما المقصود بالحكمة؟ وما المقصود من الموعظة؟ للاجابة عن السؤال المتقدم نتوقع من قارئ الزيارة ان يعترض على هذا السؤال من خلال ذهابه الى ان الحكمة والموعظة من النكات الواضحة المألوفة في اذهان الناس، فما هو المسوغ لاثارة السؤال عن ذلك؟
ونجيب: الحكمة مع انها واضحة ولكنها تنطوي ـ كما اشرنا ـ على جملة نكات وكذلك الموعظة الحسنة ...
ان الحكمة هي ان يتعامل الانسان مع الآخر من خلال النضج العقلي أي المعرفة السديدة للشيء مقابل المعرفة المرتجلة او الهشة حيث ان الارتجال والهشاشة في تعامل الانسان يفقدانه التأثير على الآخر فمثلاً عندما يسيء احد الاشخاص الى الامام زين العابدين(ع) يهرع البعض من اصحابه للانتقام منه، ولكن الامام(ع) يمنعهم من ذلك، ويتجه الى المسيء ويخاطبه بكلام يتوافق مع احاسيس هذا الشخص، كأن يعرض عليه المساعدة ونحو ذلك، وهذا مما يستاق ذلك الشخص الى ان يخجل ويقول: «الله اعلم حيث يجعل رسالته» ... وبهذا يكون الامام السجاد(ع) قد دعا الى الله تعالى بالحكمة.
واما الموعظة فتعني ان يقدم الشخصية الى الآخرين ما ينتفعون به أي ما يندرج ضمن مصالحهم وهم غافلون عن ذلك، مع ملاحظة ان تكون الموعظة مصحوبة بلسان لين، وليس بخشونة او بكلام سري بين الشخصية وبين الاخرين دون فضحهم امام الناس، فمثلاً: تؤكد التوصيات الاسلامية بان من نصح اخاه سراً فقد زانه ومن نصحه علانية فقد شانه ... ان الشخصية التي توجه الموعظة اليها تظل اذا كانت غير مالكة للوعي العبادي الحاد متشبثة بذاتها، عابدة لشهواتها راكبة للآثام، متمردة على ما يسيء الى ذاتها المريضة ... ولكن الموعظة ـ اذا كانت حسنة ـ فانها لقادرة على انقاذها من المرض النفسي الذي تعاني منه ... وحتى في الحالات شبه الاعتيادية، يمكنك مثلاً اذا لاحظت خطيباً قد صدر منه الخطأ او محاضراً او باحثاً او ...الخ، يمكنك ان تختلي به وتوضح له الخطأ دون ان يطلع احد على ذلك، وحينئذ سوف يشكرك على هذا الموقف ... ولكن لو قدر لك ان تفضحه امام الملأ حينئذ تكون قد اسهمت في تصعيد ازماته النفسية، بل ستتكون لديه عقد جديدة يتمحور من خلالها حول ذاته بنحو اشد وبذلك نخسر الشخصية المذكورة أي لا نوفق الى تعديل سلوكها، مع ان المطلوب منّا هو ان نؤثر على سلوكها وننقلها من الظلمات الى النور.
اذن من خلال الموعظة سراً وهذا هو احد مصاديق الموعظة الحسنة استطعنا ان نغير سلوك الشخصية من السلب الى الايجاب، من المرض الى السوية، من الانحراف الى الايمان وهكذا ... والعكس هو الصحيح أي اذا وعظناه علانية فسينسحب هذا الوعظ سلبياً على شخصيته.
ويمكننا ان نستشهد بنماذج كثيرة من الموعظة الحسنة، ومنها: ما اشرنا اليه وهو الكلمة الطيبة، وقد ورد في الحديث عن الائمة عليهم السلام ان الكلمة الطيبة صدقة، وهكذا بالنسبة الى انتخاب الاساليب الايجابية في التعامل مع الاخرين.
واذا نقلنا الحقائق المتقدمة الى ما نحن بصدده أي: الى ما ذكرته عبارة الزيارة من ان الائمة عليهم السلام دعوا الى سبيل الله تعالى بالحكمة والموعظة الحسنة نجد انهم قد مارسوا هذا النمط من الخطاب المتعامل مع الاخر لوجدنا انهم عليهم السلام قد حملوا حتى الاعداء على ان يثنوا عليهم من حيث المرونة واللين والمجاملة، ومن ثم ما ترتب على ذلك من هداية الكثيرين، ونقلهم من الانحراف الى ميدان السوية النفسية والعبادية وبخاصة العبادية المتمثلة في الالتزام بمبادئ الله تعالى وهذا المعنى يزداد وضوحاً عندما نلاحظ آثار مواعظ أهل البيت(ع) في الناس كما يحدثنا ضيف البرنامج في اللقاء الهاتفي التالي:
المحاور: السلام على ضيفنا الكريم سماحة الشيخ حسان سويدان ورحمة الله وبركاته؟
الشيخ حسان سويدان: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته.
المحاور: سماحة الشيخ هنالك كثير من الروايات تتحدث عن مواعظ ائمة اهل البيت سلام الله عليهم ومواعظم جدهم النبي الاعظم صلى الله عليه وآله من الملاحظات المشهودة في هذه الروايات شدت تأثير هذه المواعظ في الناس ما هو سر ذلك تفضل؟
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين وصلى الله وسلم سيد الخلق اجمعين سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين، هذا ما اشرتم اليه حقيقة بالغة جداً وجانب بارز ابرز ما يكون في شخصية النبي الاعظم(ص) وفي شخصيات اهل البيت عليهم السلام ثم الامثل فالامثل وهذه حقيقة واضحة بالتجربة اولاً واشارت اليها روايات عديدة ايضاً واشارت هذه الروايات من حسن الحظ الى القاعدة في هذا المجال اما على مستوى الروايات ولا استشهد هنا برواية خاصة عشرات الروايات اشارت الا ان الموعظة لا يكون لها تاثير حتى تخرج من القلب وكلما خرجت من القلب اكثر كلما كان تأثيرها اعظم روايات كثيرة مختلفة المضامين والتعابير تشير الى هذا المعنى اذا حتى تؤثر الموعظة لابد وان يكون الانسان متعض هو متعضاً بما يعض وبمختلف مواعظ الله سبحانه وتعالى من الطبيعي جداً ان خير من يتعض هو الذي يكون يعرف مواطن العبودية لله سبحانه وتعالى بشكل كامل ويطبق في مجال التطبيق والميدان العملي ايضاً بشكل كامل.
المحاور: عفواً سماحة الشيخ قبل ان تنتقل الى المصداق العملي فيما يرتبط بمعرفة الواعظ ايضاً بخصوصيات المعوظ او الذي يوجه له خطابه؟
الشيخ حسان سويدان: طبعاً هذا له تأثيره طبعاً انتم قلبتم الصفحة الى مجال آخر هذا لهو تأثير على مستوى مراعات مقتضى الحال فيمن نعضه هناك اناس ينفع معهم التشويق للجنة وهناك اناس لا ينفع معهم هذا الجانب ينفع معهم التخويف من النار طبعاً والله سبحانه وتعالى قبل ان نتحدث عن عبيده المكرمين الذين لا يصدقونه بالقول وهم بامره يعملون استعمل كلا الاسلوبين تجد في القرآن الكريم الآيات التشويقية ان صح التعبير المتعددة وما اعد الله سبحانه وتعالى للصالحين ونعيم الجنة ومفردات هذا النعيم وتحدث ايضاً عن مشاهد عظيمة ومغولة ايضاً للحساب والعقاب ويوم القيامة ودخول النار والى ما هنالك، عموماً لا شك ولا ريب ان الاساس الاول للتأثير هو تتميم المقتضي تميم المقتضي لا يكون الا بالعبودية التامة العبودية التامة لا تكون الا بالمعرفة التامة بمواطن العبودية وبالتطبيق التام ولا يوجد احد يستطيع ان يأتي بالصورة الكاملة الا المعصوم.
المحاور: عفواً للمقاطعة يعني يسيرون في طريق يهدون الناس في طريق هم قد ساروا فيه؟
الشيخ حسان سويدان: نعم بلا شك ولا ريب ومن هنا ورد في كثير من الروايات ان الموعظة ليست هذه التي نسميها في الاعراف نحن عندنا وهي لقلقة اللسان على المنابر مع احترامي طبعاً للوعاظ وللمؤمنين وللصالحين الذين يقومون بهذه الوظيفة التي هي وظيفة الانبياء اولاً الا ان الموعظة الحقيقية هي الاتعاظ الحقيقي من هنا يقول الامام السجاد عليه السلام وكأن هذا الحديث ايضاً ورد على اكثر من لسان من السِنَة الائمة عليهم السلام كما نقل الينا كونوا دعات لنا بغير السنتكم اشارة واضحة الا انه لابد للذي ينصب نفسه انه داعياً الى مذهب اهل البيت عليهم السلام والى اهل البيت والى الاسلام الحق واعظاً للناس لابد وان يكون هو اولاً قد اكمل هذه المواطن في سيرته العملية حتى يستطيع ان يكون كذلك ومن هنا الاحاديث الرواية عن كيفية تأثير اهل البيت وان موقف واحد من امام من ائمتنا يقلب الشخص رأساً على عقب، قضايا عن الامام الحسن عن الامام الكاظم بشكل حافي الامام الحسن مع الرجل الشامي كثيرة جداً هذه هذه القضايا وهي مشاهد رائعة ورائعة جداً من تأريخهم صلوات الله عليهم ومن سيرتهم.
*******
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ان نتعامل مع الآخرين بالحكمة والموعظة الحسنة، مفيدين ذلك من سلوك الائمة عليهم السلام وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة بعامة انه ولي التوفيق.
*******