لا نزال نحدثك عن زيارة الجامعة، ونعني بها الزيارة التي يطلق عليها مصطلح (الجامعة الكبيرة) تمييزاً لها عن الزيارات الاخرى ... وقد حدثناك عن جملة مقاطع منها، ووصل بنا المطاف الى مقطع خاص يرسم لنا فيه جملة سمات متتابعة للائمة المعصومين (عليهم السلام)، على النحو الآتي: (اشهد انكم الائمة الراشدون، المهديون، المعصومون، المكرمون، المقربون، المتقون، الصادقون، المصطفون، المطيعون ...).
هذه السمات حدثناك عن ثلاث منها وهي: (الراشد، المهدي، المعصوم)، ونحدثك عن سائرها، ومنها السمة الرابعة (المكرمون) ... فماذا تعني؟
قبل ان نحدثك عن هذه السمة نعتزم لفت نظرك الى ان امثلة هذه المصطلحات قد ينصرف فيها الذهن حيناً الى ما ورد حيالها من التوضيح بواسطة المعصومين (عليهم السلام)، وقد ينصرف فيها الذهن الى ما يستخلص العارفون السالكون، وقد ينصرف فيها الذهن الى ما يرتأيه المعنيون بشؤون النص الاخلاقي ...الخ، ولكننا نعمد دواماً الى ما ينطق به النص في ظهوره اللفظي الا اذا ورد عن المعصوم(ع) ما يحدد الدلالة الخاصة دون سواها ... والا فان النص الشرعي غالباً يتميز بكونه نصاً مفتوحاً يستطيع كل واحد ان يستخلص منه ما يتوافق وخبرته الثقافية والتذوقية، وفي ضوء هذه الحقائق نتقدم الى سمة "المكرم" فماذا نستخلص منها؟
التكريم هو اعطاء الشخصية حقها من التقدير والاحترام والمكافأة ...الخ، وهذا المعنى حينما نتأمله بالنسبة الى الائمة المعصومين (عليهم السلام) سرعان ما يتبادر بذهننا ان التقدير والاحترام ونحو ذلك انما هو من الله تعالى للائمة (عليهم السلام).
ومن البين ان تكريم الله تعالى للانسان يختلف عن تكريم الانسان لسواه، حيث لا مقايسة بين التكريمين وبما ان الله تعالى هو العالم ببواطن الشخصية وظواهرها، حينئذ فان التكريم او التقدير او الاحترام يظل واقعياً لا زيادة فيه على حجم الشخصية ولا نقصان من ذلك...
يضاف الى ما تقدم "وهذا هو الأهم" ان التقدير الذي تحظى به الشخصية من الله تعالى يظل هو المعيار المتسم بالاهمية، حتى انه يمكن القول بانه لو اجمعت البشرية على تقدير شخصية فلا قيمة لهذا الاجماع مقابل التقدير الذي يخلعه تعالى عليها، حيث يتحسس الشخص الذي يكرمه تعالى بالثراء العظيم الذي يتلاشى خلاله كل التقدير والاحترام الصادر من البشر، والعكس هو الصحيح وهذا المفهوم طالما اشارت النصوص الشرعية اليه عندما ذهبت الى ان لا رافع لمن خفضه الله تعالى ولا خافض لمن رفعه الله تعالى مما يعني ان تكريم الله تعالى للشخصية هو الذي يضفي المشروعية على ذلك.
من جديد في ضوء الحقائق المتقدمة، نتجه الى السمة المشار اليها وهي ان الله هو الذي كرم الائمة (عليهم السلام) وهم عنده المكرمون، وهي سمة تكفينا في التدليل على خطورة شخصيات الائمة (عليهم السلام) ما دام الله تعالى هو الذي خلع عليهم هذه السمة المتصلة بتقديره تعالى، على ملاحظة ان الله تعالى حينما يكرم الشخصية فان المخلوقات الطيعة لله تعالى تتجه بدورها الى تكريم ذلك، ومن ثم فان الله تعالى وملائكته ورسله وانبياءه و....الخ. سوف يكرمون الشخصية المشار اليها بدورهم فتكسب بذلك خصوصية لا يضارعها احد، وهو ما ينسحب على شخصيات الأئمة (عليهم السلام) بالنحو الذي اوضحناه، وهذا ما يتضح اكثر من خلال حوارنا الهاتفي مع ضيف البرنامج سماحة الشيخ حسان سويدان نستمع معاً:
*******
المحاور: سماحة الشيخ الله تبارك وتعالى كرم الانسان عموماً وكرم بعض عباده بالخصوص لامور خاصة ولمقامات بلغوها والسادات المكرمين هم والانبياء صلوات الله عليهم اجمعين، لكن لنا سؤال فيما يرتبط بتوقيرهم وامرنا بتوقير الرسول صلى الله عليه وآله قرآنياً والائمة وارثون لمقاماته ما خلا النبوة وما اختص به سؤالنا عن آثار هذا التكريم والتوقير من قبل المؤمن وليس من قبل الله تبارك وتعالى وعلى المؤمن نفسه؟ تفضلوا.
الشيخ حسان سويدان: بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله الطيبين الطاهرين، تكريم الشعائر وما له عظمة عند الانسان هي سنة عقلائية اعتادها العقلاء منذ ان تعودوا ان يعيشوا الحياة الاجتماعية وقد جرى الاسلام العزيز على اساس هذه السنة بل اكدها الا انه طلب من البشرية ان لا تعظم من تكون عظمته عظمة وهمية وغير صحيحة، غير حقيقة، نستطيع ان نقول ان الاسلام دعا الى هذه السنة الا انه حدد المصاديق التي تستحق هذا التعظيم والتكريم هنا بلحاظ ما سألتم عنه وهو تكريم اهل البيت (عليهم السلام) تطالعني بشكل بارز الآية الكريمة قوله عزوجل «قل لا اسألكم عليه اجراً الا المودة في القربى» اولاً وقبل كل شيء الامر من الله سبحانه وتعالى يأمر نبيه بأن لا يسأل اجراً على الرسالة، لاشك وريب انه امر من الله للرسول الاعظم وهو القائل في آية اخرى وما اسألكم عليه اجراً، هذا وفي الحقيقة الرسول لا يريد اجراً للرسالة اجره من الله ولا يمكن لا حد ان يعطيه اجراً على تبليغ الرسالة، الله يأمره ان يطلب اجراً يعود نفعه على الامة، يعود نفعه على الدافعين لهذه الاجرة، الاجرة هي ان يودوه في قرباه، من هم قرباه؟ في الروايات الشريفة عندنا روايات مستفيضة ان لم اقل متواتية، المراد من القربى بالمعنى الاول وبالدرجة الاولى هم المعصومون من القربة يعني ائمة اهل البيت مع السيدة الزهراء صلوات الله عليهم.
المحاور: الاستفاضة اذن سماحة الشيخ عن طريق الفريقين؟
الشيخ حسان سويدان: نعم نعم موجودة من طرق السنة ومن طرق الشيعة الروايات من طرق اهل السنة والشيعة كثيرة فيما يرتبط بهذا المجال وان لم يكن الا ما جمعه الحافظ القندوزي في ينابيع المودة لكفى وقد جمع من مصادر كثيرة، على كل حال ونحن امام هذا الطلب الالهي الملفت للنظر والذي جعل اجراً لرسالة الرسول ويقول وما سألتكم عليه اجراً والذي هو قال بأن الاجر يعود عليكم والقرآن الكريم نصف كل هذه المشاهد فنعرف في الحقيقة ان هذا الاجر وهو مودة القربى له ارتباط بهذه الشريعة الذي يستحق ان يكون اجراً لهذه الشريعة ولا يبقى في ذهننا الا ان هؤلاء الاطهار سلام الله عليهم هم المتممون للدور التشريعي الذي جاء به الرسول الاعظم صلى الله عليه وآله وسلم فتعظيمهم تعظيم للدين وللشريعة، اداء للاجر الواجب لرسول الله على تبليغه للشريعة وعلى هذا الاسلام فلاشك ولاريب في ان التعظيم هنا يخرج من حيز الادبيات ويدخل في حيز التكاليف، التكاليف المهمة ومن الدرجة الاولى.
المحاور: يعني يكون وسيلة للقرب من الله تبارك وتعالى؟
الشيخ حسان سويدان: لا شك ولاريب في ان الانسان لا يمكن ان يتقرب الى الله سبحانه وتعالى الا من هذا الطريق فالقضية تحتاج الى كثير من البحث والتدقيق وللاسف لا يسمح لنا المجال.
المحاور: ولكن في قضية التقرب الى الله سبحانه وتعالى بأهل البيت سلام الله عليهم سيكون محور سؤالنا ان شاء الله في الحلقة المقبلة.
*******
في الختام: نسأله تعالى بان يجعلنا من الموالين لائمتنا (عليهم السلام)، وان نحظى ببركة ما (كرم الله تعالى به الائمة (عليهم السلام)) انه ولي التوفيق.
*******