البث المباشر

الرئيس الإيراني الجديد.. أية تحديات تنتظره داخليا وخارجيا؟

الثلاثاء 11 يونيو 2024 - 20:03 بتوقيت طهران
الرئيس الإيراني الجديد.. أية تحديات تنتظره داخليا وخارجيا؟

مع إجازة مجلس صيانة الدستور لست شخصيات مرشحة للانتخابات الرئاسية، حق خوض الانتخابات المقررة في 28 حزيران/يونيو المقبل لانتخاب خلف للرئيس الراحل إبراهيم رئيسي الذي توفي في حادث تحطم مروحية، في ظروف مناخية قاسية، يبدأ العد العكسي للانتخابات التي تكتسب في هذه الدورة طابعاً استثنائياً.

تتخذ الانتخابات طابعها الاستثنائي استناداً إلى مجموعة عوامل داخلية وخارجية، أبرزها إفساح المجال أمام مرشح إصلاحي وحيد مقابل خمسة مرشحين من المحسوبين على المعسكر المحافظ بأطيافه كافة.

والمرشحون الستة هم: محمد باقر قاليباف، سعيد جليلي، علي رضا زاكاني، مصطفى بور محمدي، وأمير حسين قاضي زاده هاشمي (ينتمون للفريق المحافظ)، فضلاً عن مرشح إصلاحي وحيد هو طبيب القلب مسعود بزشكيان الذي كان نائباً عن مدينة تبريز ووزيراً سابقاً للصحة.

وستكون هناك عودة لهذه الترشيحات وأبعادها ومآلاتها في مقالة ثانية، لكن هذه المقالة تُركز على سؤال البرامج التي سيطرحها المرشحون الستة إن لجهة معالجة مشاكل إيران الداخلية ولا سيما الاقتصادية أو لجهة مقاربة الاستحقاقات الإقليمية بعدما أضحت إيران أحد أبرز اللاعبين المهمين في المنطقة، سواء اتفقنا مع سياستها أم لا.

وعلي جدول أعمال الرئيس الإيراني الجديد، أياً كان اسمه إو اتجاهه السياسي، أربعة تحديات استراتيجية مترابطة لا بدّ من معالجتها، أحدها يتعلق بالوضع الداخلي والبقية ترتبط بأطراف وعناصر خارجية.

 

التحدي الأول؛ الملف الداخلي وهو معقد وشائك وينسحب علي مجالات سياسية واقتصادية وأمنية واجتماعية مختلفة؛ خصوصاً أن الخطة العشرينية 2025 شهدت تلكؤاً في تطبيقها لأسباب تتعلق بالمقاطعة؛ سوء الإدارة؛ سريان مواقف متشددة تتعارض مع الواقعية السياسية لتنفيذ السياسات الواجب اتباعها للوصول إلى أهداف الخطة العشرينية 2025، ومنها النمو الاقتصادي الذي حدّدته الخطة بنسبة 8 بالمئة.

وفي الوقت الذي يحتاج الشارع الإيراني إلي مساحة أوسع من الحريات الاجتماعية لتقليل حدة التوتر الاجتماعي؛ وفي الوقت نفسه، حاجة الوضع السياسي الداخلي إلى حالة من الوفاق السياسي وصولاً إلى تعميم مناخ من الأمل لدى شريحة وازنة من الشباب وطبقة المتعلمين وخريجي الجامعات والمعاهد وإيجاد الأرضية اللازمة للاستثمارات للمساهمة في زيادة الانتاج؛ خفض نسبة التضخم؛ خفض نسبة البطالة؛ إزالة القلق عند شريحة واسعة من الطبقة الوسطي جرّاء المتغيرات المستقبلية المحتملة؛ القضاء علي الفساد المالي وكل محاولة لاستغلال المال العام لمصالح شخصية أو فئوية.

 

التحدي الثاني؛ هو الملف الإقليمي الذي يشهد تغيرات جيوسياسية واسعة ومهمة تنعكس بشكل مباشر علي علاقات إيران بدول المنطقة. وتقع في أولوية هذه المتغيرات عملية التطبيع التي تدفع بها الولايات المتحدة بين عدد من الدول العربية والكيان الإسرائيلي. ولن ينفصل هذا التحدي عن لحظة 7 تشرين الأول/أكتوبر 2023، أي لحظة “طوفان الأقصى” التي أنتجت عوامل جيوسياسية تاريخية جديدة في المنطقة، ما بعدها لن يكون كما قبلها.

واستناداً إلي ذلك؛ فان إيران المنخرطة بشكل عقائدي قيمي استراتيجي في القضية الفلسطينية ستواجه تحديات جديدة ناهيك عن انعكاسات هذه التحديات علي علاقة إيران بالدول العربية وتحديداً الخليجية منها.

لذا، إيران مدعوة لمواجهة تحدي وجود الكيان الإسرائيلي في إطار القيادة المركزية الأمريكية الخامسة، وهذا يعني أن هذا الكيان أصبح عضوياً جزءاً لا يتجزأ من القيادة المتمركزة في البحرين، علي بعد كيلومترات قليلة من الحدود الدولية مع إيران.

ويندرج تثبيت المصالحة السعودية الإيرانية في خانة التحديات الإقليمية، لا سيما في ضوء سعي الرياض إلى عقد معاهدة أمنية مع الولايات المتحدة يُصادق عليها الكونغرس الأمريكي.. هكذا معاهدة سيكون لها تداعياتها الأمنية والجيوسياسية علي كل المنطقة ومنها العلاقة السعودية – الإيرانية.

كما تقع على إيران مسؤولية إدارة “محور المقاومة” في مواجهة إسرائيل، خصوصاً أن هذا المحور الذي بات يملك حق النقض (الفيتو) في عدد من عواصم المنطقة، له ما له وعليه ما عليه، من إشكاليات ستوضع على طاولة أي رئيس منتخب فكيف إذا كان رئيساً يؤمن بالواقعية السياسية علي طريقته الخاصة ولديه تصورات معينة بشأن مستوي علاقة طهران بهذا “المحور”؟ وكما من الغرب، ثمة تحديات إلى الشرق من إيران.

هناك متغيرات جيوسياسية متعددة بعد حرب أوكرانيا وتداعيات الحرب الأذربيجانية الأرمينية، وهي بمجملها تطرح إشكاليات سياسية ـ أمنية لا يمكن المرور عليها مرور الكرام، خصوصاً مع زيادة التغلغل الإسرائيلي في مناطق تقع في صلب معادلة الأمن القومي الإيراني.
 

التحدي الثالث؛ هو الملف النووي المتعثر منذ انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي في العام 2018. وهذا الملف يستمر بالتعثر منذ ست سنوات بسبب تدخل الدول الغربية ووقوفها بوجه أي حل يضمن التعاون الثنائي المستدام بين الوكالة الدولية للطاقة الذرية وإيران بما يضمن حقوق الأخيرة وواجباتها.

واستناداً للقرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن الدولي في 2015، فإنه قد حدّد 7 أكتوبر/تشرين الأول 2025 تاريخا لانهاء العمل بهذا القرار. فاذا لم يتم التوصل مع الولايات المتحدة إلى اتفاق بشأن القضايا العالقة، من المحتمل جداً أن تطلب واشنطن قبل السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2025 من الدول الأوروبية الثلاث الموقعة علي الاتفاق النووي استخدام “الآلية القانونية الأوتوماتيكية” الواردة في القرار 2231 لعودة العقوبات المفروضة علي إيران؛ وهو ما يُشكّل تحدياً جديداً لإيران يضعها مرة أخري في دائرة العقوبات التي يفرضها مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك تحت الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة.

وبرغم أن هكذا خيار يتعارض مع الاتفاق النووي؛ إلّا أنه يُشكّل تحدياً جديداً علي الحكومة الإيرانية المقبلة أن تتصدى له بطريقة تحول دون أن تُعطى عناصر قوة جديدة للمفاوض الغربي علي حساب الموقف الإيراني؛ ناهيك أنه سيُقلّص دور إيران الاقتصادي في منظمة شنغهاي وفي مجموعة “البريكس” ويحرمها بشكل أو بآخر من علاقات اقتصادية مع جيرانها لا بل مع طيف كبير من الدول.
 

التحدي الرابع؛ هو الملف الأمريكي. فالرئيس الإيراني الجديد سيجد نفسه بعد شهور قليلة وجهاً لوجه أمام رئيس أمريكي جديد تفرزه الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني/نوفمبر 2024.

وعلي الرئيس الإيراني المنتخب أن يختار آلية التعامل المناسبة مع الرئيس الذي سيدخل البيت الأبيض مطلع العام 2025. فهل سيختار طريق المساومة؟ المواجهة؟ أم المفاوضات التي لم تأتِ بأي نتيجة حتى الآن؟ان واشنطن 2025 ربما لن تكون كما هي عليه الآن، خصوصاً إذا قرّر الرئيس الأمريكي الجديد التصعيد مع الصين وجعل طهران ورقة مساومة بين واشنطن وبكين.

إن هذه التحديات مطروحة بقوة علي طاولة الرئيس الإيراني العتيد وهي ليست بسيطة. كما أن معالجتها تحتاج إلي واقعية سياسية وإلي دعم شعبي وإلي رؤية وتصور واضحين تمهيداً لوضع برنامج عمل جاد يؤدي إلى تجاوز هذه التحديات.. بنجاح.
 

محمد صالح صدقيان

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة