البث المباشر

ما الذي دفع "فيفا" لابتكار جائزة سلام لترامب؟

الأحد 7 ديسمبر 2025 - 18:40 بتوقيت طهران
ما الذي دفع "فيفا" لابتكار جائزة سلام لترامب؟

كانت جائزة سلام "فيفا" مفترضًا أن تكون رمزًا لـ«تعزيز الوحدة في كرة القدم»، لكنها تحولت عمليًا إلى عرض سياسي داخل "فيفا" ومحاولة لتبييض صورة رئيسٍ مرتبط اسمه بالتهديد أكثر من السلام.

بعد فشل الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب في الحصول على جائزة نوبل للسلام، وفي إحدى أكثر لحظات تاريخ كرة القدم عجبًا وجدلًا، منحت الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) في مراسم سحب قرعة كأس العالم 2026 في مركز كينيدي بواشنطن، أول «جائزة سلام لـ "فيفا"» لدونالد ترامب، رئيس الولايات المتحدة؛ حدث أثار موجة من السخرية والغضب والدهشة في أنحاء العالم خلال ساعاتٍ قليلة.

هذه الجائزة التي لم يسبق أن ذُكرت من قبل ولم يكن لها تاريخ، قُدمت للمرة الأولى في تلك المراسم، ولم تكن لها معايير واضحة، ولا مسار انتخابي أو تحكيمي، وحتى وفقًا لبعض كبار مسؤولي الفيفا، لم تُنشأ أو تُقرّ من قبل مجلس "فيفا".

لذلك اعتبرها كثيرون ليس تكريمًا رياضيًا بل رمزًا لتحول "فيفا" إلى أداة سياسية لخدمة البيت الأبيض.

 

خلق جائزة مجهولة بشكل مفاجئ

في بداية الحفل عُرض فيديو بلهجة مبالغ فيها أعلن أن «جائزة سلام "فيفا"» ستُمنح سنويًا لشخص حقق إنجازًا «استثنائيًا» في مجال السلام. وبعد لحظات استدعى جياني إنفانتينو، رئيس "فيفا"، ترامب وقدم له بحماس ميدالية قال إنها «يمكنه وضعها أينما أراد».

عرّف إنفانتينو ترامب على أنه ممثل «خمسة مليارات مشجع لكرة القدم» وأعلن أن رئيس الولايات المتحدة «مستحق تمامًا» لهذا التكريم.

وردّ ترامب بابتسامة وعلّق الميدالية على عنقه مُعيدًا ادعاءاته القديمة حول وضع حدّ «لثماني حروب» و«إنقاذ ملايين الأرواح».

لكن ما أثار دهشة كثيرين لم يقتصر على كلام ترامب فحسب؛ بل كان حقيقة ابتكار جائزة بلا آلية ولا معيار ولا شفافية إدارية ثم منحها فجأة لرئيسٍ له سُمعةٌ في الشؤون العسكرية والتوترات الدولية لا في جهود السلام.

 

غضب عالمي: من السخرية إلى الدهشة

كان التفاعل الدولي تقريبًا فوريًا، حادًا وواسع النطاق. امتلأت الشبكات الاجتماعية بموجة من الانتقادات، ووصف المستخدمون هذا الفعل بأنه «كوميديا سياسية» و«إهانة لمفهوم السلام» و«ابتزاز سياسي».

كتب كثيرون أن "فيفا" «اخترعت جائزة» لإرضاء ترامب، ووصف البعض الحدث بسخرية بأنه «هدية حلوى لطفل».

حتى شخصيات إعلامية معروفة ونشطاء دوليون اعتبروا أن هذه الجائزة وسيلة لتطهير وجه ترامب، وعرّفوها مثالًا آخر على تسييس "فيفا" بالكامل.

كان النقد شديدًا إلى حد أن اسم الجائزة صار خلال ساعات موضوعًا مترددًا بشكل واسع عالميًا، واعتبرها كثيرون مثالًا على الرياء في منظمة طالما ادعت حيادها عن السياسة.

 

تناقض صارخ مع قوانين الحياد السياسي لـ "فيفا"

على مدى سنوات، عاقبت "فيفا" لاعبين لمجرد كتابة جملة عن حرب غزة أو إبداء تعاطف مع ضحايا الحروب؛ ومع ذلك، ها هي نفس المؤسسة في ذروة التوتر الانتخابي الأمريكي تبتكر جائزة بعنوان «السلام» وتمنحها لرئيسٍ أمر بشن هجمات بحرية وهدد عسكريًا إيران، ووقف بلا شروط إلى جانب إسرائيل في حرب غزة، وترجع سياساته بشأن الهجرة إلى ممارسات قاسية انتقدتها منظمات حقوقية مرارًا.

يرى كثير من المحللين أن هذا السلوك يعكس معاييرٍ مزدوجة:

"من جهة يُمنع اللاعبون عن أقل إشارة سياسية، ومن جهة أخرى يتورط كبار مسؤولي "فيفا" في السياسة على أعلى المستويات".

 

روابط سياسية بين ترامب وإنفانتينو

علاقة إنفانتينو الوثيقة بترامب كانت موضوع نقاش إعلامي لسنوات. ظهوره المتكرر في مناسبات سياسية أمريكية، واجتماعاته المتعددة مع ترامب في البيت الأبيض، ودعمه العلني لفكرة منح «نوبل السلام» لترامب، كل ذلك رسم صورة لعلاقة سياسية بينهما تُبرزها الآن منح هذه الجائزة.

يقول بعض المطلعين داخل "فيفا" إنه منذ إحباط طموح ترامب لنوبل، كانت هناك ضغوط لإيجاد جائزة بديلة، وإن إنفانتينو سعى إلى وسيلة لـ«تعويض» هذا الإخفاق.

تجلى هذا الارتباط أكثر في الأشهر الأخيرة حين وقف ترامب في نهائي كأس العالم للأندية وسط احتفال التتويج دون دور رسمي في الحفل، وأعطاه إنفانتينو ميدالية إضافية كـ «تذكار».

 

انتقادات حقوقية وتبعات دولية

لم تقتصر الردود على وسائل التواصل؛ فقد وصف ناشطو حقوق الإنسان وباحثون وهيئات دولية منح هذه الجائزة بأنها «تبييض سياسي» و«استغلال لمفهوم السلام».

وصف مسؤول سابق في الأمم المتحدة هذه المبادرة بأنها «انحطاط مطلق»، وقال إن "فيفا" بعد صمتها أمام جرائم إسرائيل، تحاول الآن عبر خلق جائزة وهمية تبرئة ترامب.

وأكد الكثيرون أن سياسات ترامب من هجمات بحرية في الكاريبي إلى أوامره العسكرية تجاه إيران وسياساته المعادية للهجرة لا تمتّ لمفهوم السلام بصلة، وأن اختيارَه يحمل رسالة واضحة:

"فيفا" على استعداد للتخلي عن مبادئها المزعومة للحفاظ على علاقاتها السياسية مع واشنطن، لأن استضافة كأس العالم 2026 وجزءًا كبيرًا من مشاريع "فيفا" المالية مرتبطة مباشرة أو غير مباشرة بتعاون الحكومة الأمريكية.

 

انهيار آخر لبقايا حيادية "فيفا"

"فيفا" منذ سنوات محاطة بملفات فساد ورشا وعلاقات نفوذ حكومية، والإجراء الأخير من إنفانتينو شكل ضربة جديدة لمشروعية هذه المؤسسة.

يرى المحللون أن "فيفاط ابتعدت عن المبادئ التي تأسست عليها، وأن منح هذه الجائزة يبيّن أن شعار «كرة قدم بلا سياسة» بات شعارًا فارغًا ودعائيًا.

يرى بعضهم أن جائزة السلام لم تكن وسيلة تقدير بل محاولة لترسيخ علاقات سياسية وكسب رضا واشنطن؛ إذ أكثر ما تهتم به "فيفا" الآن هو الحفاظ على مصالحها المالية والسياسية المرتبطة بالقوى الكبرى.

 

الخلاصة

كانت جائزة سلام "فيفا" مُفترضًا أن تكون رمزًا لـ«تعزيز الوحدة في كرة القدم»، لكنها عمليًا تحولت إلى عرضٍ صارخ لتسييس الفيفا ومحاولة لتطهير صورة رئيسٍ يُعرف أكثر بالتهديدات العسكرية والأزمات الدولية منه بالسلام.

لم تُضف هذه الجائزة مصداقية لترامب، بل وضعت "فيفا" نفسها في قلب فضيحة جديدة — فضيحة تذكر مرة أخرى كيف أن منظمة تجرم لاعبين لمجرد شعور إنساني بسيطة قادرة أن تستخدم رياضتها كأداة سياسية لخدمة الأقوياء.

في النهاية، بدلًا من أن تكون رمزًا للسلام، صارت هذه الجائزة رمزًا لاستغلال الرياضة سياسياً وتدنيس مفهوم السلام في عالمٍ مسيّس اليوم.

 

وكالة مهر

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة