وله الحمد الغفور الشكور الكريم والصلاة والسلام على اعلام صراطه المستقيم محمد وآله الطاهرين.
السلام عليكم أحباءنا ورحمة الله، تحية مباركة طيبة نستهل بها لقاء آخر يسرنا ان يجمعنا بكم في رحاب عوالم الحياة ومنازلها نلتقيكم في هذا اللقاء وفقرات هي:
- عقائدية عن خصائص النار الاخروية وأحوال اهلها طبق ما جاء في الاحاديث الشريفة عنوانها: الاستعاذة بالله من الحاطمة
- واجابة لخبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند عن سؤال بشأن آثار الاعمال في الآخرة
- وحكايتان قصيرتان فيهما عظتان بالغتان عنوان فقرتهما: وعثرت الام على ابنها
- وفقرة شعرية عنوانها: أشرق الغنى والزينة
*******
نبدأ أحباءنا جولتنا بالفقرة العقائدية التالية وعنوانها هو:
الاستعاذة بالله من الحاطمة
ننقل لكم في هذه الحلقة بعض ما أخبرنا به اهل بيت النبوة (عليهم السلام) عن اوصاف النار وأحوال اهلها لكي نحذر من أعمال اهلها ونتورع عنها ونبدأ بهذه الرواية المؤثرة والمرققة للقلوب التي رواها الثقة الجليل علي بن ابراهيم بسند صحيح عن ابي بصير أنه دخل ذات يوم على مولانا الامام الصادق (عليه السلام) فقال له: يا بن رسول الله صلى الله عليه وآله خوفني فإن قلبي قد قسا.
فأجابه مولانا الصادق قائلاً: يا ابا محمد، استعد للحياة الطويلة فان جبرئيل جاء الى النبي (صلى الله عليه وآله) وهو قاطب وقد كان قبل ذلك وهو مبتسم، فقال رسول الله صلى الله عليه وآله: يا جبرئيل جئتني اليوم قاطباً؟!
ثم ينقل مولانا الصادق جواب جبرئيل (عليه السلام) إذ قال لرسول الله (صلى الله عليه وآله): يا محمد قد وُضعت منافخ النار.
وهنا سأله رسول الله (صلى الله عليه وآله): وما هي منافخ النار يا جبرئيل؟
فقال: يا محمد، ان الله عزوجل امر بالنار فنفخ عليها الف عام حتى ابيضت، ثم نفخ عليها الف عام حتى احمرت، ثم نفخ عليها الف عام حتى اسودت، فهي سوداء مظلمة وبعد ان بين جبرئيل الامين شدة نار الجحيم أخبر عن بعض مظاهر آثار محتوياتها فقال طبقاً ما نقله امامنا الصادق (عليه السلام) في تتمة حديثه: لو ان قطرة من الضريع قطرت في شراب اهل الدنيا لمات اهلها من نتنها، ولو ان حلقة واحدة من السلسلة التي طولها سبعون ذراعاً وضعت على الدنيا لذابت الدنيا من حرها، ولو ان سربالاً من سرابيل اهل النار عُلق بين السماء والارض لمات اهل الدنيا من ريحه.
فبكى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وبكى جبرئيل فبعث الله اليهما ملكاً فقال لهما: إن ربكما يقرؤكما السلام ويقول: قد امنتكما أن تذنبا ذنباً أعذبكما عليه.
قال الصادق (عليه السلام): فما رأى رسول الله (صلى الله عليه وآله) جبرئيل مبتسماً بعد ذلك!
ثم قال: ان اهل النار يعظمون النار وان اهل الجنة يعظمون الجنة والنعيم.
ثم وصف حال اهل النار فقال: ان جهنم اذا دخلوها هوا فيها مسيرة سبعين عاماً، فاذا بلغوا اعلاها قمعوا بمقامع من حديد وأعيدوا فهذه حالهم وهو قول الله عزوجل: «كُلَّمَا أَرَادُوا أَن يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ»، ثم تبدل جلودهم غير الجلود التي كانت عليهم.
وهنا سأل الامام الصادق أبا بصير عما كان يكفيه هذا الوصف لجهنم في ترقيق قلبه وحث على المزيد من الاقبال على الطاعات، فأجاب ابو بصير: حسبي، حسبي.
ومن الاحاديث المؤثرة في وصف جهنم أجارنا الله واياكم أعزاءنا منها ومن معاشرة اهلها، ما رواه الشيخ الصدوق في أماليه عن مولانا الباقر (عليه السلام) أنه قال لعمرو بن ثابت: ان اهل النار يتعاوون فيها كما يتعاوى الكلاب والذئاب مما يقولون من اليم العذاب، فما ظنك يا عمرو بقوم لا يُقظى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها
ثم يصف عليه السلام سائر احوال اهل النار قائلاً: عطاش فيها جياع، كليلة ابصارهم، مسودة وجوههم، خاسئين فيها نادمين، مغضوب عليهم وفي النار يسجرون ومن الحميم يشربون ومن الزقوم يأكلون وبكلاليب النار يُحطمون وبالمقامع يُضربون، مع الشياطين يقرنون، إن دعوا لم يستجب لهم وأن سألوا حاجة لم تقض لهم، هذه حال من دخل النار.
نختم هذه الفقرة بمقطع من ادعية الصحيفة السجادية وذلك من دعائه (عليه السلام) بعد نافلة الليل حيث يقول: اللهم اني اعوذ بك من نار تغلظت بها على من عصاك، وتوعدت بها من صدف عن رضاك.
واعوذ بك من نار نورها ظلمة وهينها أليم وبعيدها قريب ومن نار يأكل بعضها بعضاً ويصول بعضها على بعض.
وأعوذ بك من نار تذر العظام رميماً وتسقس اهلها حميما، ومن نار لا تبقي على من تضرع اليها ولا ترحم من استعطفها ولا تقدر على التخفيف عمن خشع لها واستسلم اليها، تلقى سكانها بأحر ما لديها من اليم النكال وشديد الوبال.
واعوذ بك اللهم من عقاربها الفاغرة أفواهها وحيّاتها الصالقة بأنيابها وشرابها الذي يقطع أمعاء وأفئدة سكانها وينزع قلوبهم واستهديك لما باعد عنها وأخر عنها.
اللهم صل على محمد وآله وأجرني منها بفضل رحمتك وأقلني عثراتك بحسن اقالتك ولا تخذلني يا خير المجيرين.
فان مولانا السجاد (عليه السلام) يدعونا في هذه العبارات الدعائية النورانية الى الاستعاذة بالله من عذاب النار.
وذلك بان تكون هذه الاستعاذة قلبية بصدق الالتجاء الى الله وهو ارحم الراحمين، وعملية اجتناب معاصيه وابتغاء مراضيه جل جلاله.
*******
أما الآن نتابع تقديم برنامج عوالم ومنازل بهذا الاتصال الهاتفي مع سماحة الشيخ محمد السند اهلاً ومرحباً بكم:
آثار الاعمال في الآخرة
المحاور: السلام عليكم احبائنا اذاعة طهران نحييكم ونحيي خبير البرنامج سماحة الشيخ محمد السند الذي يتفضل مشكوراً بالاجابة عن اسئلتكم التي تصل للبرنامج، سماحة الشيخ للاخ قيس الاحمد فيما يرتبط باكل اموال اليتاما وما ورد في القرآن الكريم من وصفها بان الذين يأكلونها إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا، يقول هل ان هذا يكون في الدنيا ام ضمن عذابهم في الآخرة، وهل يختص الامر على حالة النار التي في الاحشاء او في البطون بأكل اموال اليتاما ظلماً او التجاوز على حقوق الاخرين عموماً؟
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم، وصلى على محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، هناك روايات تشير الى ان المراد من اليتاما ليس خصوص اليتيم الذي فقد ابوه، بل مطلق من فقد وليه، حيث ان جماعة المؤمنين فقدوا امامهم، أو الذرية الطاهرة والطيبة من نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله) حيث فقدوا راعيهم وهو الامام المعصوم في ظرف الغيبة، فالآكل للخمس وبالتالي المرتكب لاكله بدون وجه شرعي يعد من آكل مال اليتيم، باعتبار ان هذا المال هو في الحقيقة له مصارف وولي هذا الخمس الان غائب، فالآكل له مثل الآكل لمال اليتيم، فاليتم هنا المراد به على أية حال كما ورد ان شيعة اهل البيت والمؤمنين مع فقدانهم الظاهر لامامهم المعصوم هم يتاما آل محمد صلوات الله عليه وآله، وان العلماء في الحقيقة يبرون في هؤلاء اليتاما، فالمقصود من اليتيم يطلق على من فقد وليه او ناصره او معينه، فاذا تعدى الانسان على امواله نعم يكون من اكل مال اليتيم، داخل في نفس الموضوع وفي نفس العنوان، ولا يختص بالخصوص من فقد ابوه، وليس من البعيد الاستفادة من الآية مطلق المتعدي على حقوق الاخرين، ولذلك ورد في الحديث "اياك وظلماً ليس له ناصر غير الله"، فان حوبة ذلك الظلم اشد حوباً من بقية الظلامات، فهذا مثال بارز لمن ليس له نصير وليس له ولي يحامي عنه ويدافع عنه.
المحاور: سماحة الشيخ الشطر الثاني من سؤال الاخ يقول هل هذا يعني ان حالة النار في الاحشاء لها صورة ملكوتية في الدنيا ام ان الامر يختص بيوم القيامة وفي العذاب الاخروي؟
الشيخ محمد السند: في الحقيقة النشأة الاخروية موجودة الان، ولكن انكشافها للانسان يكون يوم القيامة، والا عندما يقول من اموال اليتاما في الحقيقة في الاحشاء الاخروية هي تشتعل نار ولكن لا يدركها ولا يتألم بها لانه لا يدركها ولم ينكشف له الغطاء، كشفنا عنك غطاءك وبصرك اليوم حديد عما كان سابقاً، ففي الحقيقة كينونة الامور الاخروية تقارن حدوث الامال، لكن نشأتها ليست دنيوية اخروية، والنشأة الاخروية الان موجودة، كما في آيات وروايات عديدة مثل تلك الرواية المعروفة ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يخطب ثم سمع في المسجد هدة افزعت من في المسجد فسألوا النبي (صلى الله عليه وآله) عن هذا الصوت قال انه منافق من المنافقين قد هلك عن عمر ثمانين عاماً، كان كالصخرة تسقط الى قاع جهنم الان وصلت الى قاع جهنم، فهذه الهدة والصوت من ذلك، يعني ببركات النبي (صلى الله عليه وآله) كشف عن اسماع من في المسجد يسمعون ذلك الحدث الاخروي النشأة الاخروية، فالاحداث في النشأة الاخروية، في الحقيقة الان يحدث لكن آن اخروي وليس دنيوي مقارن للعمل، ومن ثم وردت في الروايات ان من تصدق بصدقة او قال لا اله الا الله الان يزرع له في جنانه اشجار، واذا اتى لا سامح الله بالمعاصي يرسل عليها نار تحرقها الان، لما يسمى انشاء الاعمال مقارنة للاعمال ان حسن فحسن وان سيئة فسيئة مقارن، لكن هذا التقارن ليس تقارن زماني في دار الدنيا وانما تقارن وجودي عندما يأتي بالعمل في دار الدنيا يعني ينوجد ذلك الوجود في النشأة الاخروية او النشأة البرزخية، وورد في الروايات ان الانسان بصورته له تمثل في البرزخ وفي الآخرة، وبحسب ما يعمل تتمثل تلك المشاهد ويرونها الملائكة، واذا اتى باربعين كبيرة ترفع عنه الاستار فينفضح امام ملائكة الله وما شابه ذلك، ففي الحقيقة الان يقارنه يعني تقارن وجود اثار الاعمال ان حسن فحسن وان سيئة فسيئة، وهذا ما تشير له العديد من الآيات الاخرة «أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ»، وفي رواية ايضاً وردت ان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) كشف غطاء البصر عن امرأتين كانتا تغتابان فرأتا انهما تأكلان لحما فلفضتا من فمهما، فمن هذا القبيل على اية حال ربما يراه الانسان ان رأى التي يراها الانسان في يومه عبارة عن صحيفة اعماله اليومية، فاذا رأى تمثلات لحيوانات او اسباع وما شابه ذلك، تكون عبارة عن صحيفة يومية مرصودة لذلك.
المحاور: سماحة الشيخ محمد السند شكراً جزيلاً، وشكراً لاحبائنا وهم يتابعون مشكورين ما تبقى من هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل.
*******
اما الآن فالى الفقرة التالية من برنامج عوالم ومنازل عنوان هذه الفقرة هو:
وعثرت الام على ابنها
اخترنا لكم في هذا اللقاء حكايتين قصيرتين فيهما عبرتان جليلتان:
الاولى منقولة من كتاب تحفة الواعظين، وجاء فيها ان احد الحكماء طلب من ابنه ان يخبره في كل ليلة بما عمله وسمعه وتكلم به في يومه.
فوافق الابن مسروراً على هذا الاقتراح خاصة وأنه كان متفوقاً وموفقاً في اعماله.
وعمل الولد في الليلة الاولى بما طلب منه والده وأخبره بكل ما جرى في يومه، ولكن وجد صعوبة في الليلة الثانية خاصة وأنه لاحظ عدم رضا والده الحكيم ببعض ما فعله.
وكانت المشقة اشد في الليلة الثالثة، وفيها قال لوالده: أبتاه اني لك خادم ومطيع في كل ما تطلبه مني الا هذه المحاسبة الليلية فأعفني منها إذ لا طاقة بي عليها.
وهنا قال له والده الحكيم: انني لم أقصد محاسبتك كل ليلة، ولكني اردت ان ثمة موقف حساب عظيم ينتظرنا يوم القيامة لا تُقاس صعوبته هذه المحاسبة الليلية.
أما الحكاية الثانية: فيرجع تاريخها الى بعيد الحرب العالمية الثانية ونشرت خبرها صحيفة اطلاعات الايرانية في عددها الصادر بتاريخ ۲۲/ اذار/ سنة ۱۹٤٦.
وملخص الحكاية هو ان ضابطا انجليزيا اسمه ( تدي واطسون ) قتل في منطقة ( دون كرك) ولم يتمكن من معرفة جثته من بين جثث القتلى بسبب التشوهات.
فدفن مع مجموعة من القتلى مجهولي الهوية وكان عددهم في حدود المائة في مقبرة دون كرك قبل انتهاء الحرب وبعد انتهاء الحرب رأت امه في منامها ان ولدها قد رفع رأسه من قبر معين رات معالمه، وقال لها: انا هنا يا امي.
وفي اليوم التالي ذهبت الام واخبرت مسؤولي المقبرة بما رات فحفروا القبر الذي راته في منامها، فاذا بها تجد الى جانب الجسد اشياء تخص ولدها تعرفها، فتعرفت على جسده وقبره!
*******
ندعوكم الان اعزاءنا الى اجواء الشعر والحكمة في فقرة عنوانها هو:
اشرف الغنى والزينة
اخترنا لكم في هذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل من شعر الحكمة والموعظة ثلاث مقطوعات مؤثرة، الاولى لاديب الولاء وامام اللغة الخليل بن احمد الفراهيدي يقول فيها مذكراً بالاخرة:
عش ما بد لك، قصرك الموت
لامرحل عنه ولا فوت
بينا غنى بيت وبهجته
زال الغنى وتقوض البيت
يا ليت شعري ما يراد بنا
ولقلما تغنى اذا ليت
ويحذر الفراهيدي )رحمه الله) في مقطوعة اخرى من طول الامل وما يسببه للانسان من اغترار بالدنيا وغفلة عن الاخرة؛ فيقول:
يعيش المرء في امل
يردده الى الابد
يؤمل ما يؤمل من
صنوف المال والولد
ولايدري لعل الموت
يأتي دون بعد غد
فلا يبقى لوالده
ولا يبقى غلى ولد
وللاديب المبدع ابي الفتح البستي ابيات بليغة في الدعوة للتنافس في ادخار ما يبقى ويخلد لا ما يفني ويزول، قال (رحمه الله):
قالوا رضيت بدون حقك والغنى
يسمو بصاحبه الى العلياء
فاجبتهم والقول مني فيصل
يحكي غرار السيف وقت مضاء
حسبي التكثر بالفضائل انها
ذخري ليومي شدتي ورخائي
وغنائي عن دنياي اشرف زينة
من ان يكون بنيلها استغنائي
*******