الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، وبتوفيقه تسلك طرق المنجيات. والصلاة والسلام على السادة الهداة الى كل خير سفن النجاة محمد المصطفى وآله الابرار. السلام عليكم اعزاءنا المستمعين ورحمة الله وبركاته. ونعرفكم في مطلعها بعناوين فقراتها:
رفاق السوء في المحشر
آخرة الجاهلين محمداً وآله
حكاية الهارب الى البئر
اليقظة مفتاح كل خير
طيب اعزاءنا، لنبدأ تقديم الفقرة الأولى من البرنامج، ونتعرف فيها على المهلكات في الدنيا، والموجدات لعذاب الآخرة وفي اول الحشر.
*******
عنوان الفقرة هو:
رفاق السوء في المحشر
أيها الأخوة والأخوات، عرفنا في الحلقات السابقة أن من اصعب الساعات التي تمر على الانسان هي ساعة الحشر والخروج من قبره البرزخي.
وعرفنا ان ما ينجي الانسان من صعوبة هذه الساعة عدة امور هدتنا اليها الاحاديث الشريفة عمادها سلامة الايمان وحسن العمل.
وفي المقابل حذرتنا احاديث اهل بيت الرحمة من عدة امور تزيد من صعوبة اول الحشر، بعضها عقائدية، وبعضها اخلاقية، وثالثة سلوكية، ننقل لكم اهمها بعد قليل:
روى ثقة الاسلام الكليني في كتاب الكافي مسنداً عن الامام الباقر (عليه السلام) حديثاً يبين ان منع حق الله في الأموال من الأسباب المهمة لتشديد صعوبة ساعة خروج الانسان من قبره، والمقصود من منع حق الله عدم اعطاء الزكاة والخمس والحقوق الشرعية وكلها تعود فوائدها لعموم المجتمع.
قال (عليه السلام): ان الله تبارك وتعالى يبعث يوم القيامة ناساً من قبورهم مشدودةً ايديهم الى اعناقهم لا يستطيعون ان يتناولوا قيد انملة، معهم ملائكة يعيرونهم تعييراً شديداً، يقولون: هؤلاء الذين منعوا خيراً قليلاً من خير كثير، هؤلاء الذين اعطاهم الله فمنعوا حق الله في اموالهم. (كافي ۱٤۲:۳)
ونجد (مستمعينا الأفاضل) في احاديث سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله) تحذيرات من عدة من المعاصي الأخلاقية لها تأثيرات خطيرة في تشديد صعوبة الخروج من القبر وموقف الحشر.
وهي المعاصي التي تؤدي الى تخريب العلاقات الاجتماعية والاخلاق العامة، كالنميمة والنفاق والفحشاء وشرب الخمر، ففي حديث الشيخ الصدوق المروي في كتابه ثواب الاعمال مسنداً عن نبي الرحمة (صلى الله عليه وآله) قال ضمن حديث طويل: «من مشى في نميمة بين اثنين سلط الله عليه في قبره ناراً تحرقه الى يوم القيامة، واذا خرج من قبره سلط الله عليه تنيناً اسود ينهش لحمه حتى يدخل النار...».
وفي الكتاب نفسه عنه (صلى الله عليه وآله) قال: «يجيء يوم القيامة ذو الوجهين دالعاً لسانه في قفاه، وآخر [اي لساناً آخر] من قدامه يلتهبان ناراً حتى يلهبا جسده..».
كما روي عنه (صلوات الله عليه وآله) انه قال في وصف حشر شارب الخمر: «ان شارب الخمر يجيء يوم القيامة مسوداً وجهه، مزرقة عيناه، سائلاً لعابه، دالعاً لسانه من قفاه».
وقال الفيض الكاشاني في كتابه (علم اليقين): «روي في الصحيح أن شارب الخمر يحشر والكوز معلق في عنقه والقدح بيده وهو أنتن من كل جيفة... يلعنه كل من يمر به من الخلائق...».
كما روي بشأن المعاصي المنافية للعفة قوله (صلى الله عليه وآله): «من ملأ عينيه من امرأة حراماً حشاهما الله عزوجل يوم القيامة بمسامير من نار، وحشاهما ناراً حتى يقضي بين الناس، ثم يؤمر به الى النار».
بيد ان المستفاد من الأحاديث الشريفة - اعزاءنا المستمعين- أن الانحراف العقائدي ومشاقة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) بجحود ولاية وصيه المرتضى (عليه السلام) تمثل اهم الأمور التي تؤدي الى صعوبة ساعة البعث والخروج على الانسان.
أجل لاحظوا اعزاءنا الحديث النبوي التالي المروي من طرق الفريقين فقد روي في كتاب الفردوس وكذلك في أمالي الشيخ المفيد مسنداً عن ابن عباس عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه قال:
الشاك في فضل علي بن ابي طالب يحشر يوم القيامة من قبره وفي عنقه طوق من نار فيه ثلاثمائة شعبة على كل شعبة منها شيطان يكلح في وجهه ويتفل فيه.
صدق رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقد عرفنا اعزاءنا ان الصور الاخروية هي مظهر لحقيقة شؤون الانسان وحالته في عالم الدنيا.
وعلى ضوء هذه الحقيقة يتضح أن جحود فضل امير المؤمنين (عليه السلام) في هذه الدنيا هو نتيجة لوساوس الشياطين بمختلف انواعها.
والمراد هنا هو الشك بعد ما عرفه الشاك مما نص عليه القرآن الكريم وصحاح السنة النبوية، ولذلك فإن هذا الشك وليد الامراض والوساوس الشيطانية التي اسقطت ابليس من قبل مثل التكبر والحسد وحب الدنيا والرئاسة ونظائرها اعاذنا الله واياكم منها جميعاً.
*******
نتابع احباءنا تقديم الحلقة السابعة والستين من برنامج عوالم ومنازل، باستضافة سماحة الشيخ محمد السند لكي يجيب عن بعض اسئلتكم للبرنامج عبر الاتصال الهاتفي التالي الذي اجراه معه زميلنا.
المحاور: سماحة الشيخ من الاسئلة التي وردتنا من العراق من الاخ محمد يقول، عدة اسألة منها سؤال يقول ما حكم الذين يموتون ولم يعرفوا اهل البيت (عليهم السلام) لعجزهم وعيشهم في مناطق نائية عن المناطق الاسلامية سواء كان في التاريخ المعاصر او في القرون السابقة، ولماذا يحرمون من المراتب العالية التي تثمرها معرفة محمد وآل محمد (عليه وعليهم السلام)؟ تفضلوا سماحة الشيخ:
الشيخ محمد السند: بسم الله الرحمن الرحيم والصلاة والسلام على افضل الانبياء والمرسلين محمد وآل بيته الطيبين الطاهرين، في الحقيقة ان الحساب والنتائج لا تحسم بمجرد ما يستغرقه الانسان في عمره في هذه الدنيا بل هناك البرزخ لا سيما بالنسبة الى المستضعفين الذين استضغفوا فكرياً عن مصادر المعرفة وماشابه ذلك، هناك ستفتح لهم سبل وفرص للمعرفة والامتحانات، جملة منهم ربما يرجع في الرجعة وهي مرحلة اخرى وشوط اخر من الحياة الدنيا وبالتالي هناك شوط اخير ومرحلة اخرى حتى في يوم القيامة للذين لم تصل اليهم حتى تلك الفرص للاطلاع على تلك المعارف وتلك المصادر، هناك يقام لهم مجال وفرصة اخرى لدينا موجودة في الروايات بالنسبة الى مثل اطفال الملل الاخرى التي لم تتعرف على الاسلام ونبي الاسلام واهل بيته او ماشابه ذلك ممن هم في درجة متدينة من الاطلاع والمعرفة، نعم يبصرون وتفتح لهم جملة من ابواب المعرفة ويمتحنون من خلال ذلك.
المحاور: سماحة الشيخ، الا يتعارض ما تفضلتم به مع كون الدنيا هي دار التكليف، يعني إذا مثلاً كيف يكون الامر إذا تعرض عليهم مثلاً معرفة وولاية محمد وآل محمد في عوالم ليست فيها تكليف يعني ليس فيها امكانية القبول او الرفض؟
الشيخ محمد السند: بالنسبة الى الرجعة هي من دار الدنيا وليست من البرزخ ولا من دار الاخرة، اما التكامل في البرزخ فالذي يظهر من الايات والروايات ان هنا عمل بلا حساب ولا حساب بلا عمل، ليس يعني ذلك ان هناك ليس هناك تكامل، بل الذي يظهر من الايات والروايات ان الذي قد حصل محصلة معينة من العمل والعلم يضاعف له عمله وعلمه ولعل هذه المضاعفة للعلم والعمل بالتكامل في البرزخ، لمن كانت لديه نوع من الحصيلة البسيطة الخيرة بكامل من افضال الله وانعامه هناك تفتق وتتكامل وبالتالي في البرزخ او في قبل الحسم النهائي يوم القيامة ولعل هذا يدخل في ما ذكر في الوعد الالهي من مضاعفة الحسنات ومضاعفة الاجزال لمن هو خيراً، اذن حينئذ التكامل البرزخي او التكامل في عرفات مراحل يوم القيامة غير منفي في الايات والروايات والذي هو منفي هو ان، كما يقال المعرفة هنا بدل المشاهدة هناك يعني البذور لابد ان تزرع وتحرث ها هنا ولكن سقيها وريعها وريها ليس من البعيد ان يستفاد من الايات والروايات في كثير من النصوص ان هناك نوع من التكامل لهذه البذور التي انشأت هنا تتحقق ثمة ها هناك.
المحاور: يعني سماحة الشيخ، يفهم من كلامكم انه لا حرمان لاحد من ثمار معرفة محمد وآل محمد وولايتهم (عليهم السلام)؟ يعني لا من الاولين ولا من الآخرين؟
الشيخ محمد السند: اما بالنسبة للاولين فها هو القرآن يفصح بأن الانبياء بعثوا بالبشارة بنبوة النبي واهل بيته في الامم السابقة كما في سورة آل عمران آية ۸۰ او غيرها من الايات، كلها دالة على آية حال على الامور الام الاصلية العقدية والاعتقادية التي تطرح في الامم السابقة، الانبياء بعد توحيد الله لم يكونوا يأصلوا نبوة انفسهم كأصل ثاني في عقائد تلك البعثات السابقة بل كان يأصلون نبوة سيد الانبياء وولاية اهل بيته ثم تأني بعد ذلك في الرتبة ذكر نبوتهم وهذا ما تفيده جملة من الايات والروايات يمكن الاستشهاد بها على ذلك، اذن ابلاغ بل كان على اية حال نهج وسنة الانبياء في الامم السابقة على تأصيل وترسيخ التوسل بالنبي وتعليم اسماء النبي واهل بيته، حتى ان يشير الى ان اليهود هاجروا من الشام ومن بلاد الرغد ومن العيش الرفيه الى جدب الحجاز ووعورة العيش، لانهم كانوا يستفتحون على الذين كفروا بمجيء النبي (صلى الله عليه وآله).
*******
ما تستمعون له من اذاعة طهران ايها الأخوة والاخوات هو برنامج عوالم ومنازل في حلقته السابعة والستين.
وبأمكانكم متابعة هذه الحلقة وسابقاتها على موقع الاذاعة في شبكه الإنترنت وعنوانه هو: www.Arabic-irib.ir.
ارفدونا - اعزاءنا- بأقتراحاتكم ومساهماتكم واسئلتكم بشأن موضوعات البرنامج على عناوين الاذاعة ومنها البريد الالكتروني وعنوانه: [email protected].
او البريد العادي وعنوانه: (الجمهورية الاسلامية في ايران طهران ص ب٦۷٦۷).
*******
ننتقل الآن الى الفقرة التالية مستمعينا الافاضل وعنوانها هو:
حكاية الهارب الى البئر
مستمعينا الأعزاء، من جميل الأمثال التربوية التي صيغت بصورة القصة لبيان حقيقة حياة الانسان في الدنيا ما نقله الشيخ الصدوق رحمه الله في كتاب (كمال الدين) عن كتاب الحكماء وجاء فيها:
ان رجلاً هجم عليه فيل هائج فأنطلق هارباً منه والفيل يطارده حتى ألجأه الى بئر، فتدلى الرجل فيها متعلقاً بغصنين كانا نابتين على شفير البئر.
نظر الرجل الى ما حوله، فرأى حيات قد وقعت قدماه على رؤوس اربع من الإفاعي، ونظر الى قاع البئر فاذا بتنين فاغر فاه نحوه يريد ان يلتقمه.
وعندما رفع نظره الى الغصنين اللذين تعلق بهما رأى في اصلهما جرذان يقرضان الغصنين احدهما ابيض والأخر اسود.
ثم نقل الرجل بصره الى اعلى الغصنين فرأى عليهما شيء من عسل النحل، فتناول شيئاً منه فألهاه ما ناله من لذته عن الفكر فيما حوله وما سيؤول اليه مصيره اذا قطع الجرذان الغصنين او إذا ما انهكته لسعات الافاعي الاربع واسقطته في فم التنين؟!
مستمعينا الاعزاء، اما ما قاله الحكماء الاقدمون في بيان رموز هذا المثل فهو ان البئر اشارة الى العالم السفلي اي عالم الدنيا وهو مملوء بالآفات ومحفوف بالأخطار.
واما الغصنان فعمر الانسان، واما الجرذان فهما اشارة الى الليل والنهار يسرعان في تقريب اجل الانسان وأوان رحيله الى الآخرة.
واما الأفاعي الاربع فهي اشارة الى ما يسميه الحكماء القدماء الأخلاط الاربعة التي تشكل السموم المهلكة للبدن والتي تسبب له الضعف، اي العوامل الؤدية للشيخوخة حسب تعبير علماء الطب الحديث.
واما التنين الفاغر فاه، فهو الموت الذي يترصد بالانسان، والعسل الذي اغتر به ذلك الرجل فهو اشارة الى ما يناله من ملذات الدنيا وشهواتها ونعيمها.
والعبرة الاساسية في هذا المثال هي أن من اشد مراتب الغفلة ان تلهي ملذات الدنيا وشهواتها الفانية الانسان عن التفكير في امر معاده وإعمار آخرته في دنياه.
ورحم الله الشيخ عباس القمي الذي علق على هذه الحكاية بعد ان نقلها في كتابه القيم (منازل الآخرة) بقوله: لم يذكر مثل احسن من هذا في انطباقه على حالة غفلة الانسان عن الموت والأهوال التي بعده واشتغاله بلذات الدنيا العاجلة، فليتأمل فيه جيداً فلعله يصير سبب التنبه من نومة الغفلة.
اعزاءنا المستمعين، العبرة التي تضمنها المثل المتقدم اشتملت عليها ابيات من بليغ الشعر حملت في المقابل بيان سبل النجاة من اهوال الأخرة.
كا اشتملت على دعوة كريمة للتأسي بأخلاق وسيرة احباء الله واصفيائه عزوجل.
فكونوا معنا - احباءنا- وهذه الأبيات في الفقرة الختامية لهذه الحلقة من برنامج عوالم ومنازل.
*******
اخترنا لها عنوان:
اليقظة مفتاح كل خير
رحم الله الشيخ حسن الدمستاني، فقد اجاد الموعظة في قصيدته اللامية في رثاء الحسين (عليه السلام) والتي افتتحها في بيان حقيقة الدنيا، قال (رحمه الله) في ابيات مختارة منها:
من يلهه الموديان المال والأمل
لم يدر ما المنجيان العلم والعمل
يا منفق العمر في عصيان خالقه
افق فأنك من خمر الهوى ثمل
انفاس نفسك اثمان الجنان فهل
تشري بها لهباً في الحشر يشتعل؟!
ثم قال (رضوان الله عليه) في ذم العصيان والغفلة والدعوة الى إستثمار العمر بالطاعة فالمتع الدنيوية زائلة، قال:
تشح بالمال حرصاً وهو منتقل
وانت عنه برغم منك منتقل
ما عذر من بلغ العشرين ان هجعت
عيناه او عاقه عن طاعة كسل
خذ رشد نفسك من مرآة عقلك لا
بالوهم من قبل ان يغتالك الأجل
ان كنت منتهجاً منهاج رب حجىً
فقم بجنح دجىً لله تنتفل
ألا ترى اولياء الله كيف قلت
طيب الكرى في الدياجي منهم المقل
يدعون ربهم في فك عنقهم
من رق ذنبهم والدمع ينهمل
ما استمعتم له اعزاءنا هو برنامج عوالم ومنازل في حلقته السابعة والستين. قدمناه لكم من اذاعة الجمهورية الاسلامية الايرانية الى لقاءنا المقبل نستودعكم الله والسلام عليكم.
*******