نتابع حديثنا عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ"يستشير" وهو الدعاء الذي علمه النبي(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته طيلة الحياة، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونواصل حديثنا عن احد مقاطعه البادئ بقوله(ص) (انت يا رب موضع كل شكوى) الى ان يقول: (امان كل خائف، حرز الضعفاء كنز الفقراء)، ونقف الان عند العبارة الاولى وهي امان كل خائف، لنتحدث عنها.
يجدر بنا ان نذكرك قبل ان نحدثك عن عبارة "امان كل خائف" ونذكرك بعبارة سبقتها حدثناك عنها في لقاء سابق وهي حصن كل هارب، فهنا نحسبك ستتساءل قائلاً: ما هو الفارق بين قوله(ص) بان الله تعالى هو "حصن كل هارب"، وبين قوله(ص) بان الله تعالى هو امان كل خائف؟ ونجيبك قائلين صحيح يمكن القول بان العبارة القائلة بان الله تعالى هو حصن كل هارب يمكن ان تنطبق ايضاً على عبارة ان الله تعالى هو امان كل خائف حيث ان الخائف قد يكون هارباً من الشدة التي يعاني منها بيد ان الفارق بينهما من جانب آخر يفرض ضرورة كما سنبين الان حيث ينبغي تذكيرك بان النصوص الشرعية تتسم ببلاغتها الفائقة ولذلك فلا يصوغ النبي(ص) كلاماً بمعنى واحد مع كلام آخر بنفس الدلالة، وهذا ما يدفعنا الى ملاحظة الفارق بين ذهابنا الى ان الله تعالى هو حصن الهارب وبين ذهابنا الى ان الله تعالى هو امان الخائف، فما هو الفارق اذن بينهما؟ ان الحصن كما ذكرنا لك في لقائنا السابق هو المكان الذي يمنع من وصول الضرر اليه كما لو سور المكان بحائط لا يمكن مثلاً ان يخترق ولذلك تجانس هذا المعنى مع شخصية الهارب لان الهارب من القتل مثلاً عندما يدخل الحصن او المكان الحصين حينئذ لا يصل اليه ضرر واما الخائف فله شدته التي تختلف عن الهارب، فالخائف مثلاً من القتل ايضاً ينتابه نمط آخر من الشدة الا وهي الشدة النفسية ولذلك يحتاج الى الامن من الخوف المذكور من هنا تكون عبارة ان الله تعالى حصن كل هارب تتمثل في الخلاص من الشدة المادية بينما عبارة ان الله تعالى امان كل خائف تتمثل في الشدة النفسية.
ونتجه الى العبارة الاخرى الواردة في المقطع وهي ان الله تعالى هو حرز الضعفاء فماذا نستلهم منها؟ هنا يتعين علينا ان نفهم معنى الحرز اولاً وهو بدوره يتجانس مع ما سبقه من الاصطلاح المرتبط بما هو ملاذ من الشدة فالحصن مكان للهارب والامان طمأنينة للخائف او الحرز هو المكان الذي يحفظ فيه الشيء وهذا يعني انه ايضاً الجهة التي يتخلص في اللجوء اليها من الشدة ولكن السؤال هنا هو اية شدة تقصدها هذه العبارة حرز الضعفاء؟ الشدة هنا هي الصعف البشري سواءاً كان ضعفاً بدنياً او ضعفاً نفسياً او غيرهما لذلك نتساءل ماذا نستلهم من الدلالات من عبارة ان الله تعالى هو حرز الضعفاء؟ لا نتأمل طويلاً حتى ندرك تماماً ان الضعف اياً كان نمطه المادي او المعنوي يحتاج الى القوة ليقابل بها الضعف او ليطرد بها الضعف وهي قدرته تعالى، حيث ان الضعيف في نطاق التجربة البشرية يخشى من القوي بطبيعة الحال، ولا يأمن اذاه بعكس الله تعالى حيث انه ينتصر بقوته للضعيف وبذلك يصبح له حرزاً أي قوة يحفظ بها الضعيف بشرياً أي ما يمنع بواسطته من الضياع او الهلاك حيث ان الحرز لغوياً بالاضافة الى ما قلنا من الحفظ للشيء هو ما يمنع من الضياع او التلف وبذلك يكون الله تعالى للضعفاء حرزاً يحتمون به من هلاك الاقوياء بشرياً او مطلق الهلاك دنيوياً واخروياً.
اذن امكننا ان نلقي اضاءات على ما تقدم من فقرات الدعاء سائلين الله تعالى ان يكون لنا حرزاً وحصناً واماناً من الشدائد دنيوياً واخروياً وان يوفقنا لممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******