نواصل حديثنا عن الادعية المباركة ومنها دعاء "يستشير" وهو دعاء علمه النبي(ص) الامام علياً(ع) واوصاه بقراءته طيلة العمر، وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونحدثك عن مقطع جديد وهو المقطع القائل (انت الله لا رافع لما وضعت ولا واضع لما رفعت) الى ان يقول (ولا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت) ان هذه العبارة الاخيرة ونعني بها، (لا مانع لما اعطيت ولا معطي لما منعت) ، هي ما نحدثك عنها الان لننتقل منها الى مقطع آخر ان شاء الله تعالى والسؤال هو ماذا نستلهم من العبارة المذكورة؟
طبيعياً العبارة من حيث دلالتها واضحة ولكن من حيث استلهام نكاتها المختلفة تحتاج الى تفصيل في ذلك، ان النص يقول ان الله تعالى اذا اعطى عبده شيئاً فلا يستطيع احد منع ذلك والعكس هو الصحيح أي اذا اراد الله تعالى ان يمنع عبده من شيء فلا يستطيع احد اعطاءه والسؤال هو كيف ذلك وما حدوده؟ لنضرب مثلاً على الرزق ان الله تعالى هو الرازق لعباده وهذا من المبادئ التي لا يجهلها احد بمعنى ان الله تعالى وليس العبد بجهده هو المحقق لرزقه طبيعياً ثمة حقيقة هي ان كل شيء هو بفاعلية الله تعالى حيث لا يمكن تصور حركة في الكون الا وان الله تعالى هو المفعل لها او لنقل ان الكون باكمله هو من خلق الله تعالى بحيث اذا اراد ان يوقف حركة الكون لفعل ذلك والعكس هو الصحيح كل ما في الامر ان الله تعالى يفعل ذلك مباشرة حيناً ويسمح لعبده فعل ذلك حيناً آخر كيف ذلك؟
ان الله تعالى هو الخالق لعقولنا المفكرة ولكنه تعالى هو الذي يسمح لنا بان نستخدمها وفق ما تمليه علينا تجاربنا في الحياة، وفي سياق آخر ان السلوك الصادر منا هو من حيث القوة من عند الله تعالى ولكن من حيث الفعل هو باختيارنا لكن لندع هذا الان ونتجه الى مفردة (الرزق المادي) لنحدثك عنه بصفته واحداً من الابعاد الاقتصادية التي نخبرها بوضوح ايضاً نتساءل قائلين كيف ذلك؟ ثمة توصية تقول بما مؤداه ان الله تعالى وسع في رزق الحمقى حتى يفهم الخلق بان الرزق ليس بسبب مهارة الانسان بل بسبب ما يقدره الله تعالى لهذا العبد او ذاك من رزق يتلاءم ومصلحة العبد ولذلك نجد مثلاً ان بعض الحمقى ممن لا خبرة له في الحياة التجارية يدر الله تعالى الرزق عليه والعكس هو الصحيح أي كم من تاجر يمتلك وعياً وخبرة تجارية الا ان رزقه يظل محدوداً وترى ما الذي ينبغي ان نستخلصه من الحقيقة المذكورة؟
العظة او العبرة التي ينبغي ان نستخلصها هي ان الله تعالى اذا اراد لعبده ان يوسع عليه رزقه لوسعه فعلاً ولن يستطيع أي شخص او قوة ايقاف الرزق المشار اليه لذلك وردت التوصية القائلة بان نطلب الرزق والا نحرص عليه بمعنى ان وظيفتنا هي ان نسعى باستحضار ما يتطلبه السياق التجاري وان نترك حصول الرزق ومداه الى الله تعالى لا ان نعتقد بان مهارتنا تتدخل في ذلك، من هنا وردت التوصية ايضاً بما مؤداه اذا بسطت بساطك فقد قضيت ما عليك أي اذا فتحت محلك التجاري مثلاً فقد مارست ما يجب عليك فعله اما ان تتخيل بان الحرص مثلاً على ممارسة الاعلان التجاري لتوسعة رزقك كفيل بتوسيع الرزق في كل الاحوال فهذا من الخطأ بمكان حيث ان استخدامك للاعلان التجاري مثلاً ليس امراً حتمياً في حصول رزقك بل بما قدره تعالى لك سواء استخدمت الاعلان او لم تستخدم.
نخلص مما تقدم الى حقيقة لها معطاها العبادي والنفسي وهي ان نقتنع تماماً بان الله تعالى اذا اراد ان يعطينا من عطاءاته المتنوعة فان القوى الخارجية لا مجال لها في منع ذلك، والعكس هو الصحيح ولذلك فان الموقف يفرض علينا ان نسعى بمقدار ما يجسد مقدمة لهذا الفعل او ذاك، ندع تحقيقه ومداه او عدمهما الى الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة وفق مارسمه لنا وان نتصاعد بها الى النحو المطلوب.
*******