البث المباشر

العمر نعمة إلهية كبرى

الأربعاء 6 ديسمبر 2023 - 17:13 بتوقيت طهران
العمر نعمة إلهية كبرى

إن العُمر نِعمة كُبرى من نِعَم الله على الإنسان، وتتعاظم هذه النِّعمة كلما طال العُمر، ويعظم الحساب عليه بقَدْر طوله وفيما أنفقه صاحبه، وكلا النِّعمتين الشباب والعمر في تناقص مستمر، وما ينقص منهما لا يمكن تعويضه بحال من الأحوال.

ورُوِيَ عن الإمام علِيَّ (ع) أنه قال: “سابِقُوا الْأَجَلَ وَأَحْسِنُوا الْعَمَلَ تَسْعَدُوا بِالْمَهَلِ”.

جميعنا نسابق آجالنا، ويجب أن نسابقها، هي تقترب ونحن نقترب منها، فما نحن قارئي الكريم إلا عدد ساعات، كلما انقضت ساعة نقص من أعمارنا بقدرها، وهكذا ساعة بعد ساعةً، ويوماً بعد يوم، وشهراً بعد شهر، وسنةً بعد سنةً نجد أنفسنا وقد نودِيَ فينا بالرحيل، فإن شئنا أن نستأخِر ساعة بل نصف ساعة بل دقيقة فلن نجد إلى ذلك سبيلاً.

وأعمارنا تنقضي بسرعة مُذهِلة، وآجالنا تسرع إلينا، كلما تقدم بنا العمر توهَّمنا أننا كبرنا، لكن أعمارنا تصغر وتقِلّ حتى لا يتبقى منها شيء فننتقل على غفلة منا إلى عالم آخر قد خُلقنا للبقاء فيه والخُلود.

والعمر الذي قُدِّرَ لنا في الدنيا هو في الحقيقة فرصة ومِنحَة من الله لنا كي نعمل ونَعْمُرَ الدنيا التي أمر الله بعمارتها، والآخرة التي أمر الله ببنائها في الدنيا، ولذلك يسألنا الله عمّا وهَبَنا ومَنَحَنا، وله ذلك، فهو الواهب، وللواهب أن يحدِّد فيما تنفق هبته، وقد وهبنا أعمارنا لنصرفها فيما يرجع إلينا بخير الدنيا وخير الآخرة.

وهذا ما نلحظه في الحديث النبوي الشريف الذي جاء فيه:

لا تَزولُ قَدَمُ عَبدٍ يَومَ القِيامَةِ حَتّى يُسأَلَ عَن أربَعَةِ أشياءَ: عَن شَبابِهِ فيما أبلاهُ، وعَن عُمُرِهِ فيما أفناهُ، وعَن مالِهِ مِن أينَ اكتَسَبَهُ وفيما أنفَقَهُ، وعَن حُبِّنا أهلَ البَيتِ”.

فهذه مواهب أربعة عظيمة، ونِعَمٌ ربّانية جليلة عليها مدار حياة الإنسان، وبها يحقق أهدافة السامية، وبها يبلغ غاياته الشريفة، الشباب، والعمر، والمال، والولاية لأولياء الله الذين افترض الله ولايتهم ومودتهم، ومما لا شك فيه أن التولي لأولياء الله وهم رسول الله (ص) والأئمة الأطهار من أهل بيته (ع) ومودتهم هو العنصر الأهم لاستقامة الفرد في حياته وسلامة منهجه واستوائه على صراط الله تعالى.

 

مرحلة الشباب من أهم مراحل حياة الإنسان

وعلى كُلٍ فالمَرءُ مسؤول عن شبابه فيما أبلاه، ومرحلة الشباب من أهم مراحل حياة الإنسان وهي مرحلة تمتدُّ من حين بلوغ الإنسان إلى أن يبلغ مرحلة الرُّشد والأشُدِّ، وتكون زاخرة بالهمة العالية والأهداف الطموحة، ومشحونة بالنشاط والحيوية والقدرة، وفيها يطلب الإنسان العلم والمعرفة، وفيها تتفتح استعداداته وقابلياته وتتكامل قواه العقلية والمعرفية.

وفيها يقدر أن يُنجِزَ ما يطمح إلى إنجازه، فهي إذا من أهم مراحل حياته وعليه أن يُحسِنَ استغلالها والإفادة منها، فما يَقْدِرُ على إنجازه فيها لا يقدر على إنجازه فيما يسبقها وفيما يعقبها من مراحل.

وأهم ما يجب أن يستغلها فيه أن يُركِّز جهده على ما ينفعه في دنياه وفي آخرته، وأن يزرع فيها الخير والعمل الصالح ليحصد ثماره في الآخرة حيث الخلود والبقاء.

كذلك العُمر نِعمة كُبرى من نِعَم الله على الإنسان، وتتعاظم هذه النِّعمة كلما طال العُمر، ويعظم الحساب عليه بقَدْر طوله وفيما أنفقه صاحبه، وكلا النِّعمتين الشباب والعمر في تناقص مستمر، وما ينقص منهما لا يمكن تعويضه بحال من الأحوال، فلا يبقى أمام النَّبيه الذكي إلا خيار واحد وهو أن يُبلي شبابه ويفني عمره فيما خلقه الله لأجله، وفيما يرجع عليه بالخير والراحة والسعادة في الآخرة.

 

المرء لا يدري متى ينتهي عمره ويأتيه أجله

ولما كان المرء لا يدري متى يصاب في شبابه، ومتى ينتهي عمره ويأتيه أجله فإن ذلك يُلزمه بالأمور التالية:

أولاً:

أن يبقى على حذر دائم من حلول الأجل لأنه لا يدري متى يعاجله الموت، ومعه لا يجوز أن يغفل عن هذه الحقيقة الكبرى التي لا ينكرها واحد من البشر، وأن يبقى في حالة استعداد لاستقبال الموت وما بعده.

 

ثانياً:

أن يتزوَّدَ من عمره وشبابه فإن سفره الأخروي طويل وهو أحوَج ما يكون إلى الزاد هناك. وأفضل ما يتزود به العمل الصالح، وزراعة الباقيات الصالحات التي يحصد ثمارها يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ.

 

ثالثاً:

أن يُسابق أجلَه، فالأجل يُسرع إليه، وعليه أن يُسرع إلى العمل، وإنجاز ما يروم إنجازه قبل أن يأتيه.

 

رابعاً:

أن يُسارع إلى التوبة، والتوبة تعني عدم العود إلى ما كان منه من أخطاء ومعاصٍ وذنوب، ولا تكتمل إلا بإصلاح ما كان أفسده.

 

خامساً:

أن يتدارك ما أضاعَه وفوَّته من أعمال واجبة عليه، وهنا يأتي ما يعرف في الفقه بوجوب قضاء ما فاته من عبادات.

 

سادساً:

أن يتمم كل أعماله وواجباته وأن يكون مستعدا للقاء ربه على الحالة التي يرضاها الله تعالى.

 

 الكاتب والباحث اللبناني في الدراسات القرآنية

السيد بلال وهبي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة