البث المباشر

السيد عبد العظيم الحسني ونهجه في مواجهة الانحرافات الفكرية

الإثنين 14 إبريل 2025 - 16:25 بتوقيت طهران
السيد عبد العظيم الحسني ونهجه في مواجهة الانحرافات الفكرية

عبد العظيم بن عبد الله بن علي بن حسن بن زيد بن الحسن بن علي بن أبي طالب، من علماء السادة الحسنيين، ينتهي نسبه إلى الإمام الحسن المجتبى (ع) بأربع وسائط. و يعد من كبار المحدثين، وقد عاصر أربعة من أئمة الشيعة (ع) في القرنين الثاني والثالث الهجري. مدفنه في مدينة الري في إيران.

أصبح السيد عبد العظيم الحسني شخصية فريدة في تاريخ الشيعة، معتمداً على ولاية أهل بيت الوحي (ع) ونشاطاته العلمية والثقافية في عصر الاضطرابات الطائفية وقمع العباسيين. وتعد مكانته بين الأئمة المعصومين (ع) والشيعة، مثال خالد للعالم المخلص والمجاهد.

ولد السيد عبد العظيم الحسني في الرابع من ربيع الثاني سنة 173 هـ في المدينة المنورة. وينتهي نسبه إلى الإمام الحسن المجتبى (ع) بأربع وسائط. وكان من عائلة مناضلة وورعة وقفت دائماً ضد ظلم العباسيين. كان أبوه عبد الله وأمه فاطمة من بني هاشم، ونشأ وترعرع في أحضان أهل بيت النبي (ص).

لقد أدرك عبد العظيم فترة الأئمة المعصومين الأربع (ع) الكاظم، والرضا، والجواد والهادي، وروى روايات كثيرة عن الأئمة الثلاثة الأخيرين. وكان من أبرز علماء مدرسة أهل البيت (ع)، بارعاً في علوم الحديث، الفقه والكلام. وبسبب ضغوط الحكومة العباسية، وخاصة في عهد المتوكل، فهاجر السيد عبد العظيم الحسني إلى مدينة الري بأمر الإمام الهادي (ع). وكان يختبئ في بيت أحد الشيعة، ويبدأ في نشر تعاليم أهل البيت (ع) سراً. وكانت الري أحد المراكز الشيعية المهمة في ذلك الوقت، وكان وجوده ساهم بشكل كبير في تقوية هذه الحركة الشيعية.

وبسبب هذه الصلة الوثيقة بأهل البيت (ع) كان السيد عبد العظيم الحسني من كبار رواة الحديث، وروى عن الأئمة أكثر من 1250 حديثاً. ومن بين مؤلفاته التي تتناول الواجبات الدينية والأخلاقية للمسلمين يمكن الإشارة إلى "يوم وليلة". وكان الإمام الهادي (ع) ينصح الشيعة بالرجوع إليه في الأمور الدينية، مما يدل على ثقة الأئمة المعصومين (ع) به دون شك، لأن السيد عبد العظيم الحسني كان يعمل ممثلاً للإمام الهادي (عليه السلام) في الري، وكان مسؤولاً عن حل القضايا الدينية للشيعة.

وقد أدى هذا الدور إلى ترسيخ مكانة هذا العالم الكبير المحدث باعتباره مرجعاً دينياً موثوقاً به. حتى أن الإمام الهادي (ع) قال في رواية: «يَا أَبَا الْقَاسِمِ أَنْتَ وَلِيُّنَا حَقّاً، دينُك دينُ اللهِ الّذِي ارْتَضاه لِعبادِه! فاثْبُتْ‏ عليه ثَبَّتكَ‏ اللهُ بِالقول الثّابتِ في الحيَاةِ الدّنيا وفي الآخرة».

وفي رواية أخرى قال الإمام الهادي (ع): «من زار قبر عبدالعظيم الحسني بِرِي، كمن زار الحسين بكربلاء». وهذا الحديث يدل على مكانته العالية عند أهل البيت (ع).

 

تحييد الطوائف المنحرفة

كانت في ذلك الوقت فرق مثل الزيدية، الغلاة، المشبهة والمجسمة (إعطاء الله شكلاً جسدياً) تهدد المجتمع الشيعي بمعتقداتها المنحرفة. ومن خلال روايته للأحاديث الصحيحة وشرح تعاليم أهل البيت الطاهرة، واجه السيد عبد العظيم الحسني هذه الانحرافات، واستطاع أن يحظى بمكانة خاصة بين الشيعة.

على سبيل المثال، كانت بعض الفرق، مثل "المجسمة"، كانت تؤمن بجسدية الله. وفي لقاء مع الإمام الهادي (عليه السلام) عبّر السيد عبد العظيم الحسني عن عقيدته التوحيدية، وأكد أن الله "خارج عن حدود إبطال والتشبيه". فهو ليس جسماً ولا صورة، بل هو خالق الأجساد والأشكال. وقد أكد الإمام الهادي (عليه السلام) هذه المعتقدات فقال: "هذا دين الله الذي ارتضاه لعباده، فاثبت عليه، بَّتكَ‏ اللهُ بِالقول الثّابتِ في الحيَاةِ الدّنيا وفي الآخرة".

كما أن فرقاً كالزيدية اعتقدت أن الإمامة في كل من قام من نسل الإمامين الحسن والحسين عليهما السلام.ولكن لقد رفض السيد عبد العظيم الحسني هذا الاعتقاد بمتابعته الكاملة للأئمة المعصومين (عليهم السلام) وخاصة الإمام الهادي (عليه السلام)، وأكد على الإمامة المنصوصة والإلهية. وقد ذكر في عقيدته سلسلة الإمامة من الإمام علي إلى الإمام الهادي، ثم الإمام الحسن العسكري، ثم الإمام المهدي (عج). ​

وفيما يخص موضوع إمامة الإمام المهدي (عج) فقد روى السيد عبد العظيم الحسني أيضاً روايات عن الأئمة عليهم السلام. وفي لقاء مع الإمام الجواد عليه السلام سأله عن قائم آل محمد عليه السلام. فقال الإمام (ع): "قائمنا هو المهدي الذي يجب انتظاره في غيبته وطاعته في ظهوره".

وكانت لهذا التأكيد أهمية على الفهم الصحيح لإمام العصر والزمان (عج) وانتظار الفرج في مواجهة الفرق التي ادعت المهدوية كذباً. ​

توفي السيد عبد العظيم الحسني (ع) في الخامس عشر من شوال سنة 252هـ بالري، ودفن في مكانه الحالي. ومن الطريف أنه قبل وفاته رأى رؤيا تنبأ فيها النبي صلى الله عليه وآله وسلم عن مكان دفنه. واليوم يعد ضريحه في مدينة الري من أهم المزارات الشيعية في العالم. (بحار الأنوار ج 99، ص 269).

أصبحت مدرسة الري في الحديث التي أسسها السيد عبد العظيم الحسني من المراكز العلمية الشيعية المهمة، ولعبت دوراً أساسياً في حفظ ونقل أحاديث أهل البيت عليهم السلام. وقد تتلمذ على يديه عدد كبير من علماء الحديث الكبار.

ورغم الظلم الشديد الذي تعرض له من قبل العباسيين، إلا أن السيد عبد العظيم الحسني استطاع ليس فقط أن يثبت مكانته بالاعتماد على العلم والتقوى والارتباط القوي بالأئمة (عليهم السلام)، بل أصبح أيضاً حلقة الوصل بين الشيعة والإمامة. وهو اليوم رمز للمقاومة ضد الظلم ونشر التعاليم الإسلامية الأصيلة.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة