البث المباشر

أطروحة القرآن الكريم بتحديد المسارات وضيق الخيارات

الأحد 12 نوفمبر 2023 - 13:24 بتوقيت طهران
أطروحة القرآن الكريم بتحديد المسارات وضيق الخيارات

إن القرآن الكريم يعرض نماذج كثيرة عن ضيق الخيارات وما كان يؤول إليه ذلك من نتائج وتحولات عظمى في حاضر البشر ومستقبلهم؛ فهو يعرض لنا نموذج غزوة بدر، وغزوة الأحزاب التي كفى الله المؤمنين فيها القتال، بعد أن بلغت القلوب الحناجر، وضاق على الناس المدخل والمخرج.

وقال الله تعالى في محكم كتابه : "إِذْ أَنْتُمْ بِالْعُدْوَةِ الدُّنْيَا وَهُمْ بِالْعُدْوَةِ الْقُصْوَى وَالرَّكْبُ أَسْفَلَ مِنْكُمْ وَلَوْ تَوَاعَدْتُمْ لَاخْتَلَفْتُمْ فِي الْمِيعَادِ وَلَكِنْ لِيَقْضِيَ اللَّهُ أَمْرًا كَانَ مَفْعُولًا…".فالآية المباركة نزلت يوم التقى الجمعان، جمع المؤمنين وجمع المشركين في غزوة بدر الكبرى.

هناك حيث شاء الله تعالى أن يجتمعوا ليحق الله الحق بكلماته ولو كره المشركون، ولو أنهم جهدوا ليكونوا على موعد لهذا اللقاء لاختلفوا، ولكنّ الله جمع القوم على غير ميعاد ليكونوا جميعاً أمام الحدث التاريخي الفاصل؛ فكان الفرقان الإلهي لرسوله محمد صلى الله عليه وآله.

وهكذا،كان فلم يختلف القوم، بل جاؤوا جميعاً إلى أمر قد قدر بعد أن توفرت له أسبابه، فانقلب القوم من غاية العير إلى النفير،صبراً وجهاداً وقتالاً في سبيل الله تعالى.

فالله غالب على أمره، والناس لهم أن يختاروا ما يشاءون في طريق الموت والحياة، وقد خيّر رسول الله أصحابه بعد أن تغيّرت وجهة المقصد لتكون سيفاً لا ذهباًومتاعاً دنيوياً، فاختار القوم الجهاد في سبيل الله وقالوا للرسول ـ صلى الله عليه وآله ـ لو خضت البحر لخضناه معك، فلا جبر ولا تفويض، بل أمر بين أمرين وما كان الإنسان ليهرب من قدره، إذ كل كبير وصغير مستطر، وهذا ما ينبغي التدبر فيه جيداً، بحيث يعلم الناس أن ما أصابهم ما كان ليخطئهم، وما أخطأهم ما كان ليصيبهم، فالأمر لله من قبل ومن بعد وإليه ترجع الأمور.

فالأقدار ليست مانعة من تحقق الأسباب، ولا من تخيّر أشكال الحياة في كيفية التحول في إرادة الأفعال واختيار أساليب التحقق في الوجود، حياةً وموتاً، فالكل بين غيب وشهادة، فينظر الله كيف يعمل الإنسان وفي النتيجة لا يكون إلا ما أراده الله تعالى.

ولا شك في أن أحداث عالمنا اليوم ليست بمنأى عن تحقق الأسباب، ولا عن إرادة الله في ما هو مراد، تكويناً وتشريعاً، سواء في عالم الملك أو في عالم الملكوت.

حدث فلسطين قد عاد ليكون مشهداً عالمياً

فإذا كان حدث فلسطين قد عاد ليكون مشهداً عالمياً، فذلك إنما كان بتقدير الله تعالى الذي يعلم المتقلب والمثوى. إنه حدث أعاد العالم كله إلى فلسطين وجعل الناس جميعاً أمام ضيق الخيارات، فإما أن تنتصر فلسطين، وإما أن ينتصر الأعداء وتبقى الحاكمية للسنن وفق إرادة الشعوب التي علمها القرآن أن جند السموات والأرض لا يتخلفون عن نصرة الحق وأهله فيما لو أخلصوا لله تعالى.

فالقرآن الكريم يعرض لنا نماذج كثيرة عن ضيق الخيارات وما كان يؤول إليه ذلك من نتائج وتحولات عظمى في حاضر البشر ومستقبلهم؛ فهو يعرض لنا نموذج غزوة بدر، وغزوة الأحزاب التي كفى الله المؤمنين فيها القتال، بعد أن بلغت القلوب الحناجر، وضاق على الناس المدخل والمخرج!

ويكفينا أن نعرض لنموذج النبي موسى ـ عليه السلام ـ حين لحق به فرعون وظن أصحابه أنهم مدركون، فقال سيدنا موسى عليه السلام : "كلا إن معيَ ربي سيهدين.."،وهناك أيضاً ما جرى للنبي يوسف ـ عليه السلام ـ مع إخوته حينما كادوا له؛ وكانت الأسباب الظاهرية كلها تعمل ضده وتنذر بهلاكه، ولكن الله تعالى في ما جرت عليه الأسباب الباطنة شاء أن تتحول الأمور ليكون النبي يوسف ـ عليه السلام ـ عزيزاً في مصر بخلاف ما كانت تظهر عليه الأمور في واقعها المحسوس، حيث قال تعالى ليوسف : "فلا تبتئس بما كانوا يعملون..".

"وأوحينا إليه لتنبئنهم بأمرهم هذا وهم لا يشعرون ". فهذه جملة من النماذج التي تؤكد لنا أن الله تعالى قد جعل لكل شيء قدراً، وأنه يحق الحق بكلماته، ظاهراً وباطناً، فكل شيء في هذا الوجود يلتقي على أمر قد قدر.

العالم اليوم إزاء حدث عالمي عنوانه فلسطين

فالعالم اليوم إزاء حدث عالمي عنوانه فلسطين، وقد عهدنا منظمات العالم البائس منذ عقود من الزمن ترى نفسها في فسحة من الوقت والعمل لإنصاف شعب فلسطين في حقه وأرضه، فجاء الحدث في طوفان الأقصى ليرسم خطًا جديدًا في أفق التحولات العالمية، وليضيّق من فسحة التكاذب العالمي.

وبحق نقول : إنه مهما حاول المنظرون لهذا الحدث، أو القائمون به، أن يتوقعوا له قبل حدوثه من نتائج وتداعيات؛ فلم يكن لهم أن يحيطوا به، وما كان بمقدورهم أن يتكهنوا له بغير ردات الفعل القاسية من العدو كما سبق له أن فعل في أحداث سابقة!؟ وهنا نسأل، هل كان متوقعاً حضور هذا الغرب المستعمر لنصرة هذا العدو بالشكل الذي جاء به وظهر عليه؟ وهل دار في خلد أحد أن يكون العالم على حافة الهاوية حرباً وقتلاً وإجرامًا وحشدًا للقتال!؟

نعم ،كانت هناك توقعات كثيرة إلا أنه لم يكن منها هذا الانكشاف العالمي في الجريمة والعدوان وضيق الخيارات أمام المستعمر الغربي، وكذلك الحال مع المقاومة وحلفائها، حيث نجد الجميع يقف أمام حدث طغى على كل أحداث العالم من أوكرانيا إلى تايوان! فالكل مأخوذ بهذا الحدث، بل وأكثر من ذلك نجد الكل يأخذ بتهدئة روع الكل خوفًا من تفاعلات هذا الحدث وتداعياته..!؟ لقد ضاقت الخيارات، وحددت المسارات وفق أسباب لم تكن معهودة على نحو ما ظهرت عليه، فإما أن تنتصر فلسطين ويهزم الغرب، وإما الحرب الشاملة بكل ما تعنيه من عالمية، وذلك لاستحالة أن ينتصر الغرب مجددًا ليكون العالم أمام نكبة جديدة بمجهودات عربية وجاهلية!؟.

وهنا يطرح السؤال الاستراتيجي، هل يقبل الغرب بنتائج الطوفان ولا يغامر بحرب جديدة ضد مصالحه؟ أم أنه مطمئن إلى قوته وجبروته فتأخذه العزة بالإثم ظناً منه أنه قادر على حسم الأمور وفق إرادته ورؤيته كما عهدناه في كثير من الحروب المجرمة!؟.

إنها أسئلة يمكن أن يجاب عليها من واقع الصبر والصمود لمن اختاروا الحرب في سبيل الله تعالى، فقاهرية الله تعالى أقوى من قاهرية الطواغيت، وقد قهروا في كل العالم، ولا بد أنهم مقهورون على أبواب فلسطين، لأن جند الله، كما بين القرآن الكريم، يستحضرون معهم كل الأسباب الباطنة والضامنة لانتصار الحق، فاصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون.. والسلام.
 

بقلم الباحث في الدراسات القرآنية / بلال وهبي

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة