السلام عليكم مستمعينا الأحبة ورحمة الله وبركاته..
طبتم وطابت أوقاتكم بكل خير وبركة وأهلاً بكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج العقائدي.
أيها الإخوة والأخوات، لماذا حصر النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – طريق النجاة من الضلالة بكافة مراتبها بالتمسك ليس بالقرآن الكريم وحده بل بالقرآن والعترة المحمدية معاً؟ فقال في حديث الثقلين: (ما إن تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي أبدا).
هذا السؤال عرضناه قبل عدة حلقات من هذا البرنامج وبحثنا عن إجابته في القرآن الكريم نفسه فوجدنا أن حديث الثقلين وما ورد فيه من حصر النجاة بالتمسك بالكتاب العزيز والعترة الطاهرة معاً إنما هو ترجمان وبيان نبوي لعدة من الآيات الكريمة.
منها الآيتان الثالثة والرابعة بعد الأربعين من سورة النحل، ومنها الآية السابعة من سورة آل عمران، ومنها الآيات ۷٥ إلى ۸۰ من سورة الواقعة، ومنها الآية التاسعة والأربعين من سورة العنكبوت، وهذه هي التي نستنير بنورها في هذا اللقاء فتابعونا على بركة الله.
مستمعينا الأفاضل، في الآية التاسعة والأربعين من سورة العنكبوت وصف الله تبارك وتعالى كتابه المجيد بوصف خاص مثير للإنتباه فقال فيها وقبل ذلك في الآيتين اللتين قبلها:
"وَكَذَلِكَ أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ فَالَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يُؤْمِنُونَ بِهِ وَمِنْ هَؤُلَاء مَن يُؤْمِنُ بِهِ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الْكَافِرُونَ{٤۷} وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ{٤۸} بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَمَا يَجْحَدُ بِآيَاتِنَا إِلَّا الظَّالِمُونَ{٤۹}"
أعزاءنا، نتدبر معاً في الآيات الكريمة فنجدها تصرح بعدة حقائق أولها التأكيد على أن القرآن من الله عزوجل أنزله على النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله – والذي لم يكن يتلو كتاباً من قبله ولا يخطه بيمينه، أي لم يؤلفه ولم يكتبه بنفسه من كتاب سابق كما زعم المشركون أن القرآن من أساطير الأولين.
والحقيقة الثانية التي نستفيدها من هذا النص القرآني أن ثمة طائفة من الناس أوتوا العلم فجعل الله القرآن آيات بينات في صدورهم، ومن الناس من يؤمن به تبعاً للذين أوتوا العلم والكتاب، ومن الناس من يجحد به وهؤلاء هم الكافرون والظالمون.
فما هم الذين أوتوا العلم فجعل الله القرآن آيات بينات في صدورهم؟ للإجابة نرجع إلى القرآن الكريم نفسه فنجده يصرح بجعل القرآن آيات بينات في صدور هذه الطائفة ويصرح من جهة ثانية بأن القرآن أنزل على قلب النبي الأكرم – صلى الله عليه وآله -.
قال أصدق القائلين في الآية ۹۷ من سورة البقرة:
"قُلْ مَن كَانَ عَدُوّاً لِّجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللّهِ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ".
وقال عز من قائل في الآيات ۱۹۲ إلى ۱۹٥ من سورة الشعراء:
"وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ{۱۹۲} نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ{۱۹۳} عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ{۱۹٤} بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ{۱۹٥}".
من هنا نفهم أن هذه الطائفة من الناس هم من مرتبة عالية من الطهارة بحيث تكون قلوبهم أوعية للآيات القرآنية مثلما كان قلب الحبيب المصطفى – صلى الله عليه وآله – أهلاً لأن ينزل الروح الأمين بالقرآن عليه.
إذن فهؤلاء هم صفوة من الناس إصطفاهم الله فجعل قلوبهم أوعية ترث كتابه العزيز من قلب حبيبه المصطفى – صلى الله عليه وآله – وهذا ما تصرح به الآية ۳۲ من سورة فاطر كما سنرى فابقوا معنا.
قال الله تبارك وتعالى في الآيتين ۳۱و۳۲ من سورة فاطر:
"وَالَّذِي أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ مِنَ الْكِتَابِ هُوَ الْحَقُّ مُصَدِّقاً لِّمَا بَيْنَ يَدَيْهِ إِنَّ اللَّهَ بِعِبَادِهِ لَخَبِيرٌ بَصِيرٌ{۳۱} ثُمَّ أَوْرَثْنَا الْكِتَابَ الَّذِينَ اصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُم مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِالْخَيْرَاتِ بِإِذْنِ اللَّهِ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ{۳۲}"
وواضح من هذا النص القرآني أن الله اصطفى من عباده طائفة أورثه القرآن الذي أوحاه إلى حبيبه المصطفى – صلى الله عليه وآله – وبالطبع لا يمكن أن يكون من هذه الصفوة الظالم ولا المقتصد الذي تهمه نفسه ولا يهتم لشؤون عباد الله فهذه الصفوة هم من يصدق عليهم وصف السبق للخيرات وبإذن الله أي بإلهامه وهذه من صفات الذين اختارهم الله للإمامة كما تصرح بذلك الآية ۷۳ من سورة الأنبياء حيث يقول تبارك وتعالى: وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ "بِأَمْرِنَا وَأَوْحَيْنَا إِلَيْهِمْ فِعْلَ الْخَيْرَاتِ وَإِقَامَ الصَّلَاةِ وَإِيتَاء الزَّكَاةِ وَكَانُوا لَنَا عَابِدِينَ".
وليس في الأمة المحمدية من نص القرآن على طهارته وشهد الله بذلك سوى أهل بيت النبوة المحمدية كما في آية التطهير، وليس في هذه الأمة من نص الصادق الأمين – صلى الله عليه وآله – على علمهم الكامل بالقرآن سوى أهل بيته وأئمة عترته الطاهرين كما صرح بذلك حديث الثقلين وغيره كثير من صحاح الأحاديث النبوية.
من هنا يتضح أن هذه الآيات تصرح بأن الله أورث هؤلاء الأئمة – عليهم السلام – كتابه وجعله آيات بينات في صدورهم يختصون بذلك عن غيرهم.
فلابد إذن من الرجوع إليهم لمعرفة الحقائق القرآنية بينة واضحة لأن آيات القرآن بينات في صدورهم ببركة أن الله آتاهم العلم وأورثهم كتابه واصطفاهم لذلك، لكي يكونوا مرجعاً معصوماً في فهم كتابه العزيز.
وهم – عليهم السلام – سابقون للخيرات فلا يمكن أن يبخلوا بإعطاء الطالب ما يطلبه من معارف القرآن المكنونة، ويدفعون عنه فتنة محرفي القرآن ممن يبتغون تأويله وهم ليسوا له بأهل؛ أعاذنا الله وإياكم من فتنتهم ببركة التمسك بثقلي هدايته للعالمين.
مستمعينا الأفاضل، والحقائق المتقدمة التي توصلنا إليها من التدبر في الآيات الكريمة المتقدمة صرحت بها عدة من الأحاديث الشريفة ننقل لكم تبركاً واستقصاءً في طلب العلم القرآني نماذج منها في الحلقة المقبلة بإذن الله من برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين) ولكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في ايران جزيل الشكر على كرم المتابعة ودمتم بكل خير.