سلامٌ من الله عليكم أيها الأحبة ورحمة منه وبركات
أهلاً بكم في لقاء اليوم من هذا البرنامج وسؤال آخر من الأسئلة المصيرية نسعى معاً للحصول على إجابته من مناري الهداية القرآن والعترة
- سؤال هذا اللقاء أعزاءنا هو: (ما هي علاقة التنعم بنعم الله الدنيوية وعبادته عزّ وجل)؟
وهل يمكن للتنعم بهذه النعم أن تكون عوناً على العبادة؟
لنرّما الذي تجيبنا به الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة.
لاحظوا أحباءنا جمال الإجابة القرآنية عن سؤالنا المتقدم في الخطاب التالي الذي يخاطب به الله عزّ وجل صفوته من خلقه أي رسله- عليهم السلام-.
قال عزّ من قائل في الآية الحادية والخمسين من سورة(المؤمنون):
"يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ".
وروي في تفسير مجمع البيان عن النبي الأكرم- صلى الله عليه وآله- ما فيه تصريحٌ بأن هذا الخطاب يشمل المؤمنين جميعاً.
قال- صلى الله عليه وآله-: "إن الله طيبٌ لايقبل إلا طيباً، وإنه تعالى أمر المؤمنين بما أمر به المرسلين" فقال:
"يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ"، وقال: "يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ".
وفي الآية الأولى ربط لطيف بين التنعم بالطيبات والعمل الصالح.
وفي الآية الثانية بين التنعم بالطيبات وبين شكرها والعبادة فالآية كاملة هي:
"يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُلُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُواْ لِلّهِ إِن كُنتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ".
وعليه يتضح أن التنعم بالنعم إذا إقترن بشكر الله عليها صار عبادة ومعلوم أن الشكر العملي هو بإستخدام النعم للإستقراء على العمل الصالح وهو العبادة بمعناها الشامل.
وقال تبارك وتعالى في الآية الحادية والثلاثين من سورة آل عمران:
"يَا بَنِي آدَمَ خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ".
ونلمح أحباءنا في هذه الآية أيضاً الربط بين التنعم بالزينة والأكل والشرب دون إسراف وبين أحد رموز العبادة وهو المسجد.
وفي إشارة الى الإستقواء للعبادة بالأكل والشرب دون إسرافٍ بين يؤدي الى الغفلة عن العبادة.
قال إمامنا الكاظم- عليه السلام- "إجعلوا لانفسكم حظاً من الدنيا بإعطائها ما تشتهي من الحلال وما لايثلم المرؤة وما لا سرف فيه، وإستعينوا بذلك على أمور الدين".
وروى العياشي في تفسيره بأسناده أن مولانا السبط الأكبر الحسن المجتبى- عليه السلام- أنه كان إذا قام الى الصلاة لبس أجود ثيابه، فقيل له يابن رسول الله لم تلبس أجود ثيابك.
فقال- عليه السلام-: "إن الله جميلٌ يحب الجمال فأتجمل لربي وهو تعالى يقول "خُذُواْ زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ"، فأحب أن ألبس أجمل ثيابي".
وفي كتاب الخصال عن مولانا أمير المؤمنين- عليه السلام- قال:
"إن الله جميل يحب الجمال ويحب أن يرى أثر نعمته على عبده".
مستمعينا الأفاضل، نلمح في حديثي الإمام علي ونجله المجتبى- عليهما السلام- بعداً عبادياً آخر في التنعم بالطيبات الإلهية وهو القيام بعملٍ يحبه الله عزّ وجل وهو ظهور أثر نعمته على عباده.
روي في الكافي أن المرائي عباد بن كثير البصري وكان من علماء الطاغوت لقي الإمام الصادق- عليه السلام- وعليه ثيابٌ حسان فلامه على ذلك.
فأجابه- عليه السلام- قائلاً: "ويلك يا عبّاد من حرم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق؟ إن الله عزّ وجل إذا أنعم على عبدٍ أحب أن يراها عليه ليس بها بأس، ويلك يا عباد إنما أنا بضعةٌ من رسول الله- صلى الله عليه وآله – فلاتؤذني".
وثمة بعد عبادي آخر في التنعم بالنعم الإلهية، تشير إليه الأحاديث الشريفة وهو الإستجابة لأمر الله عزّ وجل بالتنعم بالطيبات- أي ما يحل للإنسان من النعم.
وهذه الإستجابة طاعة يصدق عليها عنوان العبادة بمفهومها الشامل.
وقد لاحظتم أيها الأحبة في بداية قول رسول الله- صلى الله عليه وآله- "إن الله طيبٌ لايقبل إلا طيباً".
يشير بذلك – صلى الله عليه وآله – الى أمر الله عزّ وجل للمرسلين والمؤمنين بأن يكون أكلهم من الطيبات.
وروي في كتاب الأصول الستة عشر عن مولانا الإمام الباقر- عليه السلام-
قال: "من أراد أن يطيب الله جسده فلايأكل إلا طيباً فإن الله يقول في كتابه "يَا أَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ"".
وأخيراً نقرأ في كتاب تحف العقول وصية إمامنا الكاظم حيث قال:
"إجتهدوا في أن يكون زمانكم أربع ساعات: ساعة لمناجاة الله، وساعة لأمر المعاش، وساعة لمعاشرة الأخوان والثقاة الذين يعرفونكم عيوبكم ويخلصون لكم في الباطن، وساعة تخلون فيها للذاتكم في غير محرم وبهذه الساعة تقدرون على الثلاث ساعات".
إنتهى أحباءنا لقائنا بكم اليوم ضمن برنامجكم (أسئلتنا وأجوبة الثقلين)
قدمناه لكم من إذاعة طهران صوت الجمهورية الاسلامية في ايران
تقبل الله منكم حسن الإصغاء. ودمتم في رعايته سالمين.