"لم تؤدِّ العملية في غزّة إلى كسر أي معادلة أو تغيير أي شيء أساسي وننصح بقول ذلك لسكّان غلاف غزّة"، حقيقة تعترف بها وسائل الإعلام الإسرائيلية، في ما أحبطت عملية "ثأر الأحرار" الممهورة بتوقيع غرفة العمليات المشتركة هذه المحاولة للاحتلال، بإحداث شرخ بين الفصائل، وبدّدت أوهامه حول تغيير قواعد الاشتباك ومعادلات الردع.
الرهان الإسرائيلي أمس واليوم هو على بثّ الخلاف بين فصائل المقاومة، واتّباع سياسة الاستفراد من خلال الادّعاء بأن حماس لم تشارك في الردّ، وهذا ما نفته الحركة بالتشديد على أنّ المقاومة تدافع عن شعبها على نحوٍ موحّد، والتشديد على أنّ الأداء المنسّق عبر غرفة العمليات يزيد من قوّة الإنجاز على مختلف الصعد.
تعليقاً على ذلك، قال محلل الميادين للشؤون الفلسطينية والإقليمية، ناصر اللحام، إنّ تراكم التجارب وخصوصاً التكتيكات الجديدة والرغبة في القتال دائماً موجودة، لكن طريقة الأداء فيها نمط جديد، عملية الانتظار 34 ساعة جعلت "إسرائيل" تشعر أنّها خسرت المعركة قبل أن تبدأ، وجعلت المقاومة تشعر أنّها انتصرت لدماء الشهداء قبل أن يطلقوا أي صاروخ.
وأضاف اللحام أنّ "متحدثّين باسم الاحتلال يخرجون ويسألون أين حماس، ولماذا لا تشارك؟ وهذا جزء من البروباغندا، جزء من سيكولوجيا العسكر عند الاحتلال، لكن في النهاية الصمت أفضل من الانجرار إلى الردود عليهم. كيف بدأت؟ بخسارة، كيف سارت؟ بخسارة".
ما الذي أدخلته عملية "ثأر الأحرار" إلى المعادلة؟
من جهته، قال محلل الميادين للشؤون الأمنية والعسكري، شارل أبي نادر، إنّ الجميع تكلم عن نجاح الصواريخ في تجاوز منظومة الدفاع الجوي، هذا الموضوع ليس فقط عنوان أو تفصيل، هذا الموضوع هو لب أو نواة المعركة والمواجهة بين العدو وبين المقاومة.
وأضاف أنّ كل أطراف محور المقاومة لبّ الاشتباك مع العدو يقوم على هذه النقطة، مشيراً إلى أنّ "عندما تستطيع أن تفرض صواريخ وقدرات تتجاوز ولو بنسبة معقولة منظومة الدفاع الجوي والقبة الحديدية تكون قد كسبت المعركة على الأقلّ في مستوى مرتفع من الردع".
أما البعد الآخر، فأوضح شارل أبي نادر أنّ النقطة المهمة اليوم والتي فرضتها المقاومة في "ثأر الأحرار" هي المساهمة المشتركة وغرفة عمليات مشتركة.
كما أكّد أنّ "كل فصيل من فصائل المقاومة الفلسطينية لديه الإمكانية لكي يشترك في هذه الغرفة، وليقدّم خبراته وتجاربه بمواجهة العدو، وأيضاً ليدير ويقدّم إدارة ومتابعة وسير عمليات كل فصيل لفصيله، من دون أن يكون هناك تعلّق بالفصيل الآخر، وهذا هو البُعد الحساس الذي لم تستطع إسرائيل أن تكتشفه أو أن تواجهه".
ما الذي أفشلته "ثأر الأحرار" كمناورة للكيان؟
كم أوضح أبي نادر أنّ "ثأر الأحرار هي عملية ردة فعل على الاغتيال الإجرامي في قتل القادة الشهداء، لأن الهدف ليس فقط قتل واستهداف الشهداء، بل الهدف الأساسي الأبعد للعدو الإسرائيلي هو تكبيل المقاومة. وبرهنت عملية ثأر الأحرار مباشرة للعدو أنّه فشل في تحقيق هذا الهدف"، وفق أبي نادر.
أما عن طبيعة العملية، قال أبي نادر إنّ "العدد الكبير من الصواريخ، والتي توزّعت قواعد إطلاقها على كل غزة، يدلّ على أنّ هناك كوادر موزّعة"، مشدداً على أنّ "عملية ثأر الأحرار هي عملية كاملة، وصاعقة، ومدروسة برغم كل الصعوبات الشعبية والسياسية والعسكرية".
ما الذي تريده إدارة بايدن من هذه العملية؟
وبشأن هدف إدارة بايدن من هذه العملية، قال محلل الميادين للشؤون الدولية والاستراتيجية منذر سليمان، إنّ هناك طرح من قبل حكومة نتنياهو بأنّها بصدد عملية أمنية ستُفيد كل المعسكر الأمريكي الإسرائيلي خاصة في ظلّ مناخ إقليمي يُشير إلى تصاعد ونمو موقف معسكر المقاومة ومؤيّديه.
وأوضح سليمان أنّ "إنقاذ حكومة نتنياهو من الانفراط الداخلي وإبعاد الانقسامات الداخلية وإشغال الإسرائيليين بأمنهم وحتى الخلافات في الداخل، هذه النقطة كانت ولا تزال نقطة التقاء تغطيها الولايات المتّحدة في المحافل الدولية وتقدّم المعونات العسكرية الضرورية للقيام بهذه العملية.
وأشار إلى أنّ "الافتراق يبدأ عندما تطول هذه المسألة، عندما يكون هناك صمود وبطولة في المواجهة تجعل الأمر معقّداً وتجعل الولايات المتّحدة لا تستطيع دعم حرب طويلة في المنطقة".
وأوضح سليمان أنّ العلاقة المعقدّة وغير السوية بين إدارة بايدن وإدارة نتنياهو أيضاً، تجعل الولايات المتّحدة إلى حدٍّ ما ترغب في توريط نتنياهو لكي يلجأ إليها حتى تجد مخرجاً له"، لكن في الوقت نفسه تُدرك أنّه تاريخياً تلجأ أيضاً الحكومات الاسرائيلية للولايات المتّحدة لإيجاد مخارج.
الإعلام الأميركي والتأييد لـ"إسرائيل"
وأضاف سليمان أن بايدن يوازن بين ألّا يجعل موضوع التأييد لـ"إسرائيل" مسألة في الصراع الداخلي الأمريكي، ولكن في الوقت نفسه، هناك تململ داخل الحزب الديمقراطي، إذ إن هناك حوالى 11% إلى 12% من داخل الحزب بدؤوا يتحولون في مواقفهم، وخاصة لدى العناصر الشابة.
كما أوضح أنّ الوضع الأمريكي، برغم أنّ الرواية الصهيونية هي المسيطرة في الإعلام، إلّا أنّ هناك تعاطف شعبي ينمو في الداخل الأمريكي لم يترجم حتى الآن، ولكن الأصوات المؤيّدة للفلسطينيين بدأت تعلو أكثر.
كذلك، قال سليمان إنّه "من المحتمل أن يعود هناك نشاط على مستوى الأمم المتّحدة لتأكيد بيان بوقف إطلاق النار، والدعوة إلى حماية المدنيين ومحاولة تشجيع الدور المصري ليكون دور فعّال أكثر مع بعض الضمانات بإيجاد هدنة".
هذا وقال شارل أبي نادر إنّ "إسرائيل ربما تلجأ اليوم إلى المهادنة لكي تخفي ما حصل لها من هذه الصفعة في عملية ثأر الأحرار بعد عملية الاغتيال التي كانت ردّة فعل المقاومة صاعقة عليها".
لعلّ من المفارقات في هذه الساعات الأخيرة الماضية أنّه في ما كانت "إسرائيل" تغرق بصليات صواريخ غزة من كافّة فصائل المقاومة، كانت هناك عمليات مقاومة أيضاً مستمرة في الضفة الغربية.
وفي هذا السياق، أشار اللحام إلى أنّ الضفة الغربية منذ سنة ونصف هي الجبهة الأهمّ عند الاحتلال، فهي التي تستطيع أن تغيّر حكومات في إطار صمود مخيّم جنين أولاً، ثمّ عرين الأسود، ثمّ كتائب المدن، وصولاً إلى كتيبة طول كرم الرد السريع.
ورأى اللحام أنّ هذا "أكبر فشل عسكري في تاريخ إسرائيل وأكبر فشل سياسي، فالمراهنة على أنّ الجبهات الأخرى تغيّر سلّم الأولويات عند الشعب الفلسطيني لا أعتقد أنّها تنج".
وأضاف أنّ تسخين الساحات ومحاولة نتنياهو قصف سوريا أو تهديد إيران أو غيرها لم يؤدِّ الى أي نتيجة.
وشدد اللحام على أنّ "في الضفة الغربية لا يوجد حل سياسي، يوجد مستوطنون، يريدون أخذ منازل مواطنين والسكن فيها ومصادرتها وبالتالي فإنّ الصراع حتمي".
ووفق اللحام فإنّه "لا يمكن لأي مهدّئات أن تجعل هذا الصراع مؤجَّل، وإسرائيل إذ دفعت بنحو 60% من الجيش وقواتها إلى الضفة الغربية لا تزال عاجزة عن السيطرة على أصغر مخيّم أو أصغر بلدة في الضفة، وصولاً إلى الربط مع معركة غزة".
المصدر: الميادين نت