بسم الله وله الحمد حمد الشاكرين على نعمائه سيما نعمة الهداية والإيمان، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. حضرات المستمعين الأفاضل سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. تحية لكم أينما كنتم وأنتم برفقتنا وهذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" حيث سنكمل فيها بإذن الله تفسير ما تبقى من سورة الجمعة المباركة بعد الإستماع الى الآيتين السادسة و السابعة منها فتابعونا مشكورين..
قُلْ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ هَادُوا إِن زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِيَاء لِلَّهِ مِن دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ{6} وَلَا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ{7}
هاتان الآيتان، أيها الأكارم، في معرض مباهلة اليهود إذ تقول لهم: إن كنتم صادقين بادعائكم أنكم أولياء الله فتمنوا الموت، فأنتم حسب ادعائكم أهل الجنة الوحيدون، حسب قوله تعالى عن لسانهم (لن يدخل الجنة إلا من كان هوداً أو نصارى) إذاً لِمَ لا تتمنون الموت؟
ومما نستقيه من هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: يعلم الله تعالى النبي والأمة طريقة البحث والإستدلال مع الأديان الأخرى وكيفية الإحتجاج مع المخالفين.
ثانياً: يجب مواجهة الإدعاءات والتخيلات الخاطئة.
ثالثاً: يجب أن يكون إستدلالكم بصورة لا يبقى معها للعدو ما يرد عليه.
ورابعاً: كثير من الناس يدعون أنهم أولياء الله؛ ولكن الله خبير بباطنهم الخبيث.
أما الآن، أيها الإخوة والأخوات، ننصت وإياكم خاشعين الى تلاوة الآيتين الثامنة والتاسعة من سورة الجمعة المباركة..
قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلَاقِيكُمْ ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلَى عَالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ فَيُنَبِّئُكُم بِمَا كُنتُمْ تَعْمَلُونَ{8} يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِي لِلصَّلَاةِ مِن يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ذَلِكُمْ خَيْرٌ لَّكُمْ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ{9}
أيها الكرام، ليوم الجمعة في الإسلام مكانة خاصة بين الأيام وتوجد العديد من الروايات في هذا المجال منها جاء في وسائل الشيعة عن الرسول الأكرم (ص): "الجمعة سيد الأيام، وأعظمها عند الله عزوجل وهو أعظم عند الله من يوم الفطر ويوم الأضحى.."
ومن تعاليم هاتين الآيتين الكريمتين أولاً: علم الله شامل للحاضر والغائب والظاهر والباطن بالمستوى نفسه.
ثانياً: يجب أن يُنبّأ المجرم بجرمه أولاً، ثم ينزل به العقاب.
ثالثاً: ينبغي تهيئة الأرضية المناسبة لدعوة الناس إلى العبادة.
رابعاً: يجب علينا أن ننادي الناس باحترام وبألفاظ محببة ندعوهم إلى العبادة.
وخامساً: أمر الله تعالى بترك التجارة، وأعطى وعداً حقاً بالتعويض.
والآن، أيها الإخوة والأخوات، ندعوكم للإستماع الى تلاوة مرتلة من الآيتين العاشرة والحادية عشرة من سورة الجمعة المباركة..
فَإِذَا قُضِيَتِ الصَّلَاةُ فَانتَشِرُوا فِي الْأَرْضِ وَابْتَغُوا مِن فَضْلِ اللَّهِ وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَّعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ{10} وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِندَ اللَّهِ خَيْرٌ مِّنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللَّهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ{11}
روي عن الرسول الأعظم (ص) قوله :"من ذكر الله في السوق مخلصاً عند غفلة الناس وشغلهم بما فيه، كتب له ألف حسنة، ويغفر الله له يوم القيامة مغفرة لم تخطر على قلب بشر".
كما تشير الآية العاشرة، عزيزي المستمع، إلى وجوب نشاط الإنسان في حال العبادة أكثر من نشاطه في كسب معاشه.
وبالنسبة للآية الحادية عشرة نقرأ في التفاسير أن نبي الإسلام (ص) كان مشغولاً بقراءة خطبة صلاة الجمعة حين دخلت قافلة تجارية إلى المدينة وكان يخرج منها أصوات الطبل والدف والضوضاء، فسارع أكثر المصلين إلى القافلة وتركوا النبي الأكرم (ص) يقرأ الخطبة وحيداً؛ فنزلت هذه الآية توبخهم. لكن لم تنتقد الآية ترك الناس الصلاة والخطبة، وإنما انتقدت تركهم النبي (ص) وحيداً، لأن التعدي على حرمة المبعوث السماوي أشد من ترك الصلاة والخطبة.
ومما تعلمه إيانا هاتان الآيتان أولاً: يتحقق الفلاح في ظل إطاعة الأوامر الإلهية.
ثانياً: في الأماكن التي تكون الأرضية فيها مهيأة أكثر للزلل والغفلة عن ذكر الله كالأسواق، يكون لذكر الله أهمية أكبر.
ثالثاً: يستطيع الإنسان أن يهيئ لنفسه أسباب الفلاح بعمله وحسن اختياره.
رابعاً: ينتقد القرآن الكريم الحرص وعدم التقوى في الكسب والتجارة.
خامساً: الخطبتان هما جزء من صلاة الجمعة والإستماع إليهما واجب.
وسادساً: لقد ضمن الله لمقيمي صلاة الجمعة رزقهم.
مع ختام تفسير سورة الجمعة المباركة، إخوتنا الأفاضل، وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير سورة أخرى من القرآن الكريم دمتم بخير وفي أمان الله.