البث المباشر

تفسير موجز للآيات 25 الى 29 من سورة الحديد

السبت 24 أغسطس 2024 - 11:48 بتوقيت طهران

إذاعة طهران- نهج الحياة: الحلقة 1001

 

بسم الله الرحمن الرحيم وبه تبارك وتعالى نستعين وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين.. أحبتنا المستمعين الأفاضل في كل مكان سلام من الله عليكم ورحمة من لدنه تعالى وبركات.. أهلاً ومرحباً بكم وأنتم تستمعون الى حلقة أخرى من برنامجكم القرآني "نهج الحياة" حيث سنقدم لكم تفسير ما تبقى من آيات سورة الحديد المباركة إبتداءً من الآيتين الخامسة والعشرين والسادسة والعشرين بعد الإستماع إلى تلاوة مرتلة من هاتين الآيتين الكريمتين فابقوا معنا على بركة الله..

لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ وَأَنزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَلِيَعْلَمَ اللَّهُ مَن يَنصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ{25} وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا نُوحاً وَإِبْرَاهِيمَ وَجَعَلْنَا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتَابَ فَمِنْهُم مُّهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ{26}

أيها الأفاضل، المراد من "البينات" في الآية الخامسة والعشرين هو المعجزة الواضحة التي تقطع عذر المتعذرين وتتم الحجة عليهم. و"الكتاب" هو الوحي المساوي الذي لابد من أن يكتب ليحفظ.

وإنزال الحديد في قوله تعالى "وأنزلنا الحديد" شبيه بإنزال الأنعام في قوله عز من قائل في الآية السادسة من سورة الزمر (وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواج) وذلك لأنه بناء على قوله تعالى في الآية الحادية والعشرين من سورة الحجر (وإن من شيء إلا عندنا خزائنه وما ننزله إلا بقدر معلوم) يكون الله مصدر كل خير وبركة، وهو الذي يعيّن حدود الموجودات ويخلقها بعد ذلك، وهذا نوع من النزول.

كما يحدثنا الله سبحانه في الآية السادسة والعشرين عن جعل النبوة في ذرية بعض الأنبياء، كما جعل الإمامة في ذرية النبي (ص)، وهذا لا يدل أبداً على أن النبوة والإمامة وراثية، بل معناه أن مهمة النبوة تحتاج إلى مواصفات تنتقل بالتربية والوراثة وتزيد من احتمال الطهارة واللياقة في من ينتسب إلى الطاهرين واللائقين؛ ولا تعني بالضرورة أن كل من انتسب إليهم يكون صالحاً حتماً.

ومما نتعلمه من هاتين الآيتين المباركتين أولاً: العدالة الحقيقية لا تتحقق إلا في ظل شريعة الله وبرعاية القائد الإلهي.

ثانياً: بعد إتمام الله الحجة، على الناس أن ينهضوا للتنفيذ وتطبيق شريعة الله عزوجل.

ثالثاً: لا ينال مقام النبوة بالإنتخاب والتأييد من قبل الناس، بل هو خاضع لإرادة الله وحسن اختياره.

ورابعاً: في مجال العقائد والأخلاق وغيرها من المجالات المشابهة، الكثرة والقلة ليستا معياراً لتمييز الخطأ من الصواب، والحسن من القبيح.

أما الآن، إخوتنا الأكارم، ندعوكم للإسمتاع الى تلاوة الآية السابعة والعشرين من سورة الحديد المباركة..

ثُمَّ قَفَّيْنَا عَلَى آثَارِهِم بِرُسُلِنَا وَقَفَّيْنَا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْنَاهُ الْإِنجِيلَ وَجَعَلْنَا فِي قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ رَأْفَةً وَرَحْمَةً وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاء رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِّنْهُمْ فَاسِقُونَ{27}

"الرهبانية"، أيها الكرام، مشتقة من الرهبة، وهي الخوف والخشية؛ وتطلق في الإصطلاح الديني على اتّباع نمطٍ خاص من العيش خوفاً من الله تعالى؛ والشخص المتصف بهذه الصفة يسمى راهباً والجمع "رهبان".

وربما يكون المراد من الآية إعلان الله سبحانه رضاه عن هؤلاء الذين التزموا بحياة الرهبان، لو أنهم راعوا شروطها وحدودها، كما في حالة أصحاب الكهف الذين اعتزلوا الناس وآووا الى الكهف من دون أن يكون ذلك واجباً عليهم، إلا أن الله رضي منهم ذلك.

و"البدعة" عزيزي المتسمع، من الإبداع أي اختراع الجديد، وهو في الأمور العلمية والصناعة وما شابه ذلك، أمر مقبول ومستحسن، وأما في الأمور الدينية فإنه غير مقبول، لأن التشريع حق إلهي، لا يسمح للإنسان أن يبتدع في الدين ما ليس منه.

ومما تعلمه إيانا هذه الآية المباركة أولاً: ينبغي ذكر الصفات الحسنة التي تتوفر في أتباع الأديان الأخرى.

ثانياً: اتّباع الأنبياء وطاعتهم، من العوامل المساعدة على صفاء القلب وتحوله إلى منبع للرأفة والرحمة.

ثالثاً: لا يقبل الله أن يدخل في دينه ما ليس منه، لأسباب شخصية وذوقية.

ورابعاً: لا تؤثر النوايا الحسنة في تجويز البدعة، فرب بدعة تكون بدوافع طيبة، ولكنها تنتهي إلى الخرافات ولزوم ما لا يلزم بل ما يضر ويخرّب.

إخوة الإيمان، في هذه اللحظات نشنف مسامعنا بتلاوة الآيتين الثامنة والعشرين والتاسعة والعشرين من سورة الحديد المباركة..

يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَآمِنُوا بِرَسُولِهِ يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِن رَّحْمَتِهِ وَيَجْعَل لَّكُمْ نُوراً تَمْشُونَ بِهِ وَيَغْفِرْ لَكُمْ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ{28} لِئَلَّا يَعْلَمَ أَهْلُ الْكِتَابِ أَلَّا يَقْدِرُونَ عَلَى شَيْءٍ مِّن فَضْلِ اللَّهِ وَأَنَّ الْفَضْلَ بِيَدِ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاءُ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ{29}

أيها الأفاضل، مما يمكن أن نتعلمه من هاتين الآيتين المباركتين أولاً: على المؤمن أن يسعى دائماً في سبيل تعميق إيمانه وتقويته.

ثانياً: المؤمن ليس معصوماً بالضرورة من الخطايا، ولكنه يدخل ميدان الحياة متسلحاً بالتقوى، ومن هنا فإن الله يغفر له ما يصدر منه من هفوات ومعاصي.

ثالثاً: على المؤمن أن يقف في مواجهة الأوهام والتوقعات والإنحرافات بصراحة ووضوح، ليحول دون وقوعها.

رابعاً: الفضل الإلهي مرتبط ومتوقف على الحكمة الإلهية، وليس تابعاً لأوهام الناس كائناً من كانوا.

وخامساً: يختار الله سبحانه على ضوء حكمته التي لا غاية لها، بعض الأشخاص الذين يراهم صالحين لتلقي فضله وألطافه.

إخوتنا المستمعين، مع ختام تفسير آخر آيات سورة الحديد المباركة وصلنا الى نهاية هذه الحلقة من برنامج "نهج الحياة" فحتى لقاء آخر وتفسير ميسر آخر من آيات الذكر المبين دمتم بخير وفي أمان الله.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة