وحدد رئيس المجلس نبيه بري الخميس المقبل موعدا لجلسة جديدة لانتخاب رئيس للجمهورية مُتخليا عن الدعوة الى الحوار التي كان يعتزم توجيهها الى رؤساء الكتل النيابية للبحث في الاستحقاق الرئاسي حصراً، وذلك بعدما لمسَ مُسبقاً عدم التجاوب معها من خلال إجماع غالبية الكتل التي شاركت او انسحبت من جلسة امس على دعوة مجلس النواب الى المواظبة على عقد جلسات متتالية الى حين انتخاب الرئيس العتيد.
وما حصل امس في جلسة مناقشة الرسالة الرابعة لعون في عهده، وبحسب مصدر حكومي، كان من باب الكيدية السياسية، لكن رئيس الحكومة نجيب ميقاتي استفاد منها وحسناً فعل رئيس مجلس النواب بإصراره على مناقشة الرسالة وعدم الانصياع الى الآراء التي حاولت ثَنيه مُطالبة بتحويل الجلسة الى جلسة انتخاب رئيس…
وقال المصدر لصحيفة الجمهورية اليوم الجمعة: ما حصل كان متوقعا في اطار النمط الدستوري الطبيعي والعلم الدستوري السليم، خارج الشعبويات التي حاولت اللعب على وتر الطائفية والعواطف المزيفة والانفعالات الشخصانية، اذ تبين أن موقف المجلس النيابي أتى ليؤكد المؤكد ويشدد على التعاون بين الحكومة وبينه وهذا سيكون عنوان المرحلة المقبلة، والذي عبّر عنه صراحة ميقاتي في كلمته.
واضاف المصدر: انقلب السحر على الساحر فبدل التشكيك بشرعية الحكومة وانتزاع التكليف من رئيسها جدّد مجلس النواب الثقة لها وعَوّم صلاحياتها المنوطة بها دستوريا، من دون لا زيادة ولا نقصان بإجماع معظم الكتل النيابية وان اختلفوا في المقاربات حول تحديد الصلاحيات وقراءة الدستور، والاهم ان ميقاتي الذي وقف امام النواب ليرد على الحملة التي شنّت عليه، علمَ انّ وجهه للنواب وفي ظهره قوة المجلس.
وعن جلسات مجلس الوزراء قال المصدر: هذا الامر غير مطروح حالياً وافتعال المشكلة حوله سابق لاوانه مع انه ليس ملغى من الحسبان في حال استجد اي طارئ… وتوقع المصدر ان يستمررئيس التيار الوطني الحر جبران باسيل في قصف جبهة الحكومة وعملها، لكنه اكد في المقابل ان ميقاتي متيقّظ لهذا الامر ولن يجعله يؤثر على مسار العمل الحكومي.
الى ذلك، لاحظت اوساط نيابية ان بري استطاع ضبط التوتر الذي ساد الجلسة النيابية امس ومنع تفاقمه الى اشتباك طائفي عنيف. ونقلت هذه الاوساط عنه استياءه من بعض الكلام المُسيء الذي صدر عن عدد من النواب. وتخوفت من الدخول في مرحلة من المراوحة المتمادية، بحيث تصبح جلسات الانتخاب الاسبوعية التي سيدعو اليها بري روتينية، معتبرة انّ انتخاب رئيس الجمهورية في ظل الانسداد الحالي يحتاج إلى معجزة.
وأملت الاوساط نفسها في ان لا تستمر المراوحة الى حين حلول استحقاق تعيين حاكم جديد لمصرف لبنان بديلاً من الحاكم رياض سلامة الذي تنتهي ولايته في تموز المقبل.
بدورها صحيفة البناءأشارت إلى أنّ مجلس النواب كان مسرح الحدث الأول، وفقاً لدعوة رئيس المجلس نبيه بري لجلسة تتلى فيها رسالة رئيس الجمهورية وتناقش من قبل النواب، لاتخاذ الموقف المناسب، وفي مناخ التجاذب الحاد حول الفراغ الرئاسي والفراغ الحكومي، تحوّل منبر المجلس النيابي داخل القاعة وخارجها الى منصة لإعلان المواقف السجالية، سواء الرافضة للجلسة بداعي أن الوقت هو لانتخاب رئيس فقط، كما فعل نواب التغيير والكتائب، أو للقول إن الجلسة كان يجب أن تنعقد قبل انتهاء ولاية رئيس الجمهورية لتدارك الفراغ الحكومي وفقدت نصف وظيفتها بتأجيل الانعقاد، كما قال نواب التيار الوطني الحر ورئيسه النائب جبران باسيل، أو للتأكيد على أن المطلوب من الحكومة تصريف الأعمال في نطاقها الضيق وفقاً لنصوص الدستور، كما خرجت التوصية النيابية بنهاية الجلسة.
بعدما أدلى رؤساء وممثلو الكتل النيابية بدلائهم من مطالعات دستورية وقانونية لم تخلُ من الرسائل السياسة المتبادلة خلال جلسة مجلس النواب المخصصة لمناقشة رسالة الرئيس ميشال عون، استقرت الآراء في آخر مطاف المناقشات على بيان تلاه رئيس مجلس النواب نبيه بري في نهاية الجلسة، شدّد خلاله المجلس على «ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للقيام بمهامه كحكومة تصريف أعمال»، على قاعدة «لا يفنى الديب ولا يفنى الغنم»، فمن جهة منح ثبت صلاحية الحكومة في ممارسة أعمالها بمرحلة الشغور الرئاسي كتصريف أعمال، حدّد المجلس حدود هذه الصلاحيات بأمرين: لا عقد جلسات للحكومة ولا قرارات إلا بالحالات الطارئة وتوافق مسبق.
وإذ أشارت مصادر نيابية الى أن المجلس النيابي لم يخرج بتوصية ولا قرار بل بموقف من رسالة عون، أكد المؤكد الذي ينص عليه الدستور من ممارسة الحكومة المستقيلة صلاحياتها المحددة بالدستور في النطاق الضيق لتصريف الأعمال، وبالتالي على الوزراء تصريف الأعمال على رأس وزاراتهم لتسيير المرافق العامة، إذا لا يمكن ترك البلاد في الفراغ الشامل ولا بدّ من سلطة تستمر بإدارة البلاد بحدود معينة لضرورات مصلحة الدولة والمواطنين. أما انعقاد الحكومة فيكون بالحالات الاستثنائية وبتوافق مسبق بين مكونات الحكومة.
ووصف مصدر نيابي آخر موقف المجلس بأنه كمن فسّر الماء بالماء، مشيراً الى أن مناقشة الرسالة لزوم ما لا يلزم طالما أن نهاية ولاية عون قد انتهت وسقط احتمال تأليف حكومة وسقط معها التكليف، وليست المرة الأولى التي تواجهنا حالة كهذه، وكل الحكومات السابقة صرفت الأعمال وفق ما ينص عليه الدستور ولم تحصل أي إشكالات دستورية أو سياسية. لكن هناك من أراد استغلال الجلسة لإثارة جدال دستوري عقيم لا جدوى منه سوى خلق أجواء احتقان طائفي لاستخدامه سلاحاً في معركة رئاسة الجمهورية.
وقد لوحظ استنفار عدد من النواب السنة خلال الجلسة من مختلف الانتماءات استعداداً للرد على أي هجوم على ميقاتي وموقع رئاسة الحكومة، وقد تدخل النائبان جهاد الصمد وأحمد الخير لمنع مقاطعة نواب التيار الوطني الحر لميقاتي مرات عدة.
في المقابل أبدت أوساط نيابية في التيار الوطني الحر خشيتها من استغلال رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي أي أحداث أمنية أو أي فوضى اقتصادية ومالية واجتماعية لدعوة الحكومة للانعقاد واتخاذ قرارات معينة، ما يشكل سابقة خطيرة بأن تقوم الحكومة المستقيلة مقام رئاسة الجمهورية وممارسة صلاحيات الرئيس في ظل الشغور الرئاسي الذي قد يطول. متهمة ميقاتي بأنه خطط للوصول الى هذا الوضع غير الصحي والذي سيؤسس الى إشكالات في المستقبل.
من جهتها كتبت صحيفة النهار: لولا البعد الدستوري المتصل بضرورة تثبيت المثبت من جانب مجلس النواب للواقع الدستوري لحكومة تصريف الاعمال، لما كان من حاجة مطلقا لجلسة يعقدها المجلس لتلاوة رسالة الرئيس السابق للجمهورية ميشال عون بعد ثلاثة أيام من خروجه من الحكم .
ذلك ان هذه الجلسة الاعتراضية التي املتها الأصول الشكلية لا اكثر، تحولت في بعض وقائعها في الداخل والخارج، الى اثبات إضافي بان ملء الفراغ الرئاسي يتمادى على نمط الجلسات المنبرية التي تحولت معها الجلسات الانتخابية، كما التشريعية، الى منابر تلفزيونية مفتوحة لاطلاق المواقف في كل الاتجاهات من دون أي معالم جدية لكسر معادلة التعطيل الضمني الذي يتمثل بكتل الورقة البيضاء والتي صار من الواضح ان الاستحقاق الرئاسي مشلول ومعطل بسبب العجز المستعصي لدى هذه الكتل الممانعة عن حسم امر ترشيح سليمان فرنجية او جبران باسيل في مواجهة مرشح او اكثر لقوى المعارضة.
وفي ظل دوامة الدوران في فراغ الجلسات الشكلية الانتخابية، رسم المشهد النيابي علامة قاتمة زائدة بعدما دخل لبنان قبل أيام حقبة الفراغ الرئاسي من دون أي معطيات مطمئنة الى قصر فترته فيما بدأت المواقف الدولية والغربية والعربية ترسم معالم الخشية من انزلاق إضافي خطير للبنان نحو متاهات الانهيار.
اما الجلسة النيابية البارحة فشكلت ما يعتبر درع تثبيت لشرعية استمرار حكومة تصريف الاعمال. وبدا واضحا ان ثمة تسليما واسعا بهذه الشرعية بما يحول دون اللعب على مسألة توظيف الفراغ الحكومي في واقع لا يحتمله لبنان.
وبعد مناقشة مجلس النواب رسالة عون اليه، أصدر توصية استندت الى النص الدستوري حول أصول تكليف رئيس لتشكيل الحكومة وطريقة التشكيل وفق المادة 53 من الدستور وردت على طلب عون نزع التكليف من ميقاتي “باعتبارها أن أي موقف يطاول هذا التكليف وحدوده يتطلب تعديلاً دستورياً ولسنا بصدده اليوم وفي الصفحة الرابعة من رسالة فخامته يشير الى ذلك وحتى لا تطغى سلطة على أخرى، ولحرص المجلس على عدم الدخول في أزمات ميثاقية ودستورية جديدة، وحرصاً على الاستقرار في مرحلة معقدة وخطيرة اقتصادياً ومالياً واجتماعياً تستوجب إعطاء الأولوية لعمل المؤسسات، يؤكد المجلس ضرورة المضي قدماً وفق الأصول الدستورية من قبل رئيس الحكومة المكلف للقيام به بمهامه كحكومة تصريف أعمال.