شكلت هذه المسألة قضية فكرية عويصة لم يتمكن عقلي ولا قدراتي المعرفية من حلها آنئذ فلماذا يكون السمع والطاعة لمسؤول الجماعة محدود العلم واجبا دينيا وقطعا لم أتلق إجابة شافية على هذا السؤال.
بعد أن غادرت الجماعة فتحت أمامي أبواب المعرفة على مصراعيها كما البحث في مجالات كانت محظورة على من أسلم رأسه وعقله لقائد الجماعة الذي يفتقد للمقومات الثقافية والفكرية التي تؤهله لهذه المكانة.
في المرحلة التي تلت اعتمادي منهج أهل البيت عليهم السلام فتحت لي أبواب واسعة في قراءة التاريخ والفكر السياسي والأخلاقي للإسلام مع ملاجظة أن الانتماء لجماعة الإخوان كان محاولة للحصول على إجابات لنفس التساؤلات وإن كان ذلك من مدخل خاطئ تماما مفاده أن كل شيء في تاريخنا كان على ما يرام حتى قرن خلا من الزمان حتى حدث كذا وكذا دونما تحديد أو تعيين لهذا الكذا والكذا أو حتى متى!!.
في عالم التشيع اكتشفت أن غاية المراد لدى كثيرين هي الوصول إلى نقطة (ثم اهتديت)!! ثم لا شيء!!.
طبعا نحن لا نتحدث عن مكان أو أشخاص بأعينهم بل عن مناخ عام.
لا أقصد التقليل من شأن أحد، وكل ما هنالك أنني أريد التنبيه لأن الرحلة ما تزال متواصلة ولأن الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله وسلم في آخر لحظات عمره استدعى عليا عليه السلام وأخذ يساره ويناجيه ولما سؤل الإمام عن فحوى هذه المناجاة قال (أخبرني بألف باب من العلم كل باب يفتح ألف باب).
(ثم اهتديت) باب يمكن أن يفتح ألف باب لمن يريد مواصلة رحلة الفهم وما هو مطلوب منا هو طرق الأبواب علنا نفتح بعضها وما أحوجنا لهذا.
سنة 2001 التقيت بسماحة العلامة السيد/ محمد باقر الحكيم -الشهيد بعد ذلك- ووجهت له سؤالا: أين كان الشيعة من الصراع السياسي والفكري الدائر في الساحة العراقية وكيف وجدوا أنفسهم تحت قبضة البعث الهمجي التي لا ترحم؟!.
لم يعطني السيد الحكيم رحمة الله عليه جوابا شافيا وأعتقد أن علينا نحن تقديم الإجابة ليس لأن سماحته لا يعرف ولكن لأنه لم يكن يملك المساحة الكافية لتقديم الجواب وهو ما يتناقض مع وضعه آنئذ كقائد سياسي وميداني.
الإجابة في رأيي أن الشيعة عامة وشيعة العراق خاصة لم يمنحوا أنفسهم المساحة الكافية للعمل الفكري والسياسي والحزبي وبقي اعتمادهم على (الفتوى) كسلاح رغم ما يشكله استخدام هذا السلاح من مخاطر.
تُركت ساحة الفكر والسياسة خالية للشيوعي والقومي يرتع ويلعب ويعبث ويكفي أن يكون أغلبية مؤسسي حزب البعث من الشيعة لندرك حجم المأساة وكيف أن هذه الأمة خدعت فانخدعت فكانت كما وصفها الإمام علي بن أبي طالب عليه السلام (أيها الامة التي خدعت فانخدعت وعرفت خديعة من خدعها فأصرت على ما عرفت واتبعت أهواءها وضربت في عشواء غوايتها وقد استبان لها الحق فصدت عنه والطريق الواضح فتنكبته).
يبقى أن (ثم اهتديت) هي بداية المشوار وليس نهاية المطاف.
دكتور أحمد راسم النفيس