الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطيبين الطاهرين.
جاء في كتب المناقب ان اسحق الكندي كان فيلسوف العراق. في زمانه شرع في تأليف كتاب اسماه تناقض القرآن وشغل نفسه بذلك وتفرد به في منزله وقد دخل بعض تلامذته ذات يوم على الامام الحسن العسكري(ع)، الحادي وعشر من ائمة اهل البيت(ع). فقال له الامام الحسن: اما فيكم رجل رشيد يمنع استاذكم الكندي عن هذا العمل الذي اخذ فيه من تشاغله في القرآن وسعيه لتأليف كتاب في تناقض القرآن، فقال التلميذ: نحن من تلامذته كيف يجوز منا الاعتراض عليه في هذا الامر او في غيره؟
فقال له الامام الحسن(ع): هل تؤدي اليه ما القيه عليك؟ هل تنقل اليه هذا الامر الذي اذكره لك؟ قال: نعم انا مستعد، فقال الامام(ع) اذهب الى الاستاذك الكندي وتلطف فب مؤانسته ومعونته على ما هو بسبيله اي تأليف هذا الكتاب، فاذا وقعت الالفة بينك وبينه، فقل: يا استاذ حضرتي مسأله اسألك عنها، فانك ستجد الكندي يطلب منك ما هو فقل له: ان اتاك هذا المتكلم بهذا القرآن هل يجوز ان يكون مراده بما تكلم به منه غير المعاني التي ظننتها انك ذهبت اليها؟ فان الكندي سيقول لك: انه من الجائز، لان الكندي رجل يفهم ويتدبر في كلامك، فاذا اوجب ذلك وقبل هذا الاحتمال فقل له: فما يدريك لعل صاحب هذا القرآن قد اراد غير الذي ذهبت اليه، فتكون واضعاً لغير معاينة. فذهب دلك الشخص بعد ان اسمع هذه المقاله من الامام الحسن(ع) وصار الى الكندي وتقرب اليه والقى عليه هذه المسأله، فقال الكندي: اعد فاعاد ذلك الرجل الكلام مرة ثانية عليه، فتفكر الكندي في نفسه ورأى ان ذلك المحتمل في اللغة وسائغ في النظر، فقال: اقسمت عليك الا اخبرتني من اين لك هذا الكلام، فقال التلميذ: انه شئ عرض بقلبي فاورته عليك فقال كلا ما مثلك من اهتدى الى هذا ولا من بلغ هذه المنزلة فعرفني من اين لك هذا، فقال: امرني به ابو محمد وهو يقصد الامام الحسن العسكري(ع) فقال: الان جئت به يعني الان جئت بالحق، ثم انه دعا بالنار واحرق جميع ما كان الفه.
اجل ان هذه القصة اتي تبين ان الكندي الذي كان فيلسوف العراق وكان يظن ان في القرآن تناقضاً وتعارضاً في مفاداته ومقاصده واياته، ولهذا بدأ يؤلف كتاباً اسماه تناقض القرآن، نجد كيف ان الامام الحسن العسكري(ع) شأنه شأن بقية ائمة اهل البيت(ع)كانوا ابداً ودائماً على اهبت الاستعداد للحفاظ على القرآن والحفاظ على الرسالة الاسلامية، وللحفاظ على جهود الرسول(ص).
اولاً نستفيد من هذه القصة ان الامام كان على علم بما يفعله الكندي، الامام كان في سامراء او كان في المدينة وقد سمع ان الكندي في بغداد يؤلف كتاباً اسماه تناقضات القرآن، ان نفس وجود مثل هذه المعلومةعند الامام الحسن العسكري(ع) يكشف عن ان الائمة كانوا على اطلاع مستمر بما يجري في الساحة الاسلامية في عصرهم ويحصلون على هذه الاخبار من قنواتها المتعددة.
ثم نجد في هذه القصة ان الامام الحسن العسكري(ع) حرصاً منه على الاسلام والقرآن والرسالة المحمدية الطاهرة، وجهود المسلمين ينبري الى ردع الكندي عن المضي في مثل هذا العمل وينبه الى حقيقة مهمة كان الكندي غافلاً عنها، الكندي حينما كان يواجه بعض الايات القرآنية يتصور بانها تناقض ايات اخرى، مثلاً حينما كان يرى قوله تعالى: "اعدلوا هو اقرب للتقوى" ويرى في مقام آخر قوله تعالى: "ولن تستطيعوا ان تعدلوا" يقول: هناك تناقض في القرآن الكريم، او حينما يرى قوله تعالى: "يد الله فوق ايديهم" ويرى في مكان اخر ان القرآن يقول: "ليس كمثله شئ" او "سبحان الله تعالى عما يصفون" او قوله تعالى: "لن تراني" وما شاكل ذلك من الايات التي تنفي الجسمانية عن الله، بينما رأى قوله تعالى: "يد الله فوق ايديهم" فيتصور ان في القرآن تناقضاً، الامام(ع) انبهه الى حقيقة كان غافلاً عنها وهذه الحقيقة نقلها عن طريق احد تلامذة الكندي، امر بنقل الكلام الى الكندي، وهذه الحقيقة هي ان الله سبحانه وتعالى لعله اراد من هذه الكلمات كلمة اليد او من هذه الاية او تلك شيئاً غير ما ظنه الكندي.
ونحن نعلم ان الكلمات قد تكون بكل كلمه بمعانب متعددة، اليد قد يكون لها معنى القوة معنى الافضل وربما يكون لها معنى مدي فمن اين احرز الكندي ان الله يقصد من قوله تعالى: "يد الله فوق ايديهم" اليد لمادية الحسية ولهذا قال ان هذا يتناقض مع قوله تعالى: "لن تراني" الامام قال لتلميذ الكندي: قل له هل انت تعلم وتستطيع ان تثبت ان الله اراد من كلمة اليد هذا المعنى الذي انت تصورته؟ فاذا كان من المحتمل انه اراد معنى اخر من اليد، كيف انت تقول هناك تناقض في القرآن؟ حينا نقل تلميذ الكندي هذا السؤال هذا الموضع الى الكندي كأنما تنبه الكندي من غفلته ومن عفوته وفاق من تلك الغفلة وتعجب، كيف لم يفهم هذا الامر من قبل؟ كما تعجبت كيف تنبه تلميذه الى هذه الحقيقة؟ ولذلك قال له مستغرباً من اين لك هذا الكلام؟ قال من عندي قال: لا انت لست في هذا المستوى، اصدقني من اين اتيت بهذا الكلام؟ فقال له اتيت بهذا الكلام ما الامام الحسن العسكري(ع) قال: الان اتيت بالحق الان اتيت بالحقيقة، فان مثل هذا الكلام ومثل هذا الموضع لا يصدر الا من اهل البيت النبوة الذين قال عنهم رسول الله(ص): "اني تارك فيكم الثقلين كتاب الله وعترتي اهل بيتي ما تمسكتم بهما لن تضلوا بعدي ابداً وانهما لن يفترقا حتى يرد عليّ الحوض".
نعم القلران لا يفسره بالشكل الصحيح المناسب له الا اهل البيت(ع) وهم ادرى ما في البيت هم ابصر لانهم ورثوا علوم رسول الله(ص) ولهذا هم يعلمون هذه الحقائق وبهذه الدقائق التي قد يغفل عنها كبار الفلاسفة وكبار العلماء.
ان هذه القصة ايضاً تدلنا على حرص اهل البيت على المحافظة على القرآن الكريم وهو امر لابد ان يهتم به المسلمون جميعاًَ كما انما يستنتج من هذه القصة ان القرآن الكريم يخلو من اي تناقض ومن اين تعارض بين اياته وسوره ومراميه ومقاصده، وان على الانسان ان يتدبر جيداً كما ان عليه ان يكون ملماً باللغة العربية ملماً بالاداب العربية حتى يفهم القرآن جيداً ولا يجوز ان يتكل على فهمه الشخصي. والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
*******