الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيد الانبياء وخاتم المرسلين المصطفى ابي القاسم محمد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
جاء في كتاب حلية الاولياء لابي نعيم الاصفهاني، قال ابراهيم بن سعد: "سمع علي بن الحسين الامام زين العابدين واعية في بيته وعنده جماعة. اي سمع نساءاً يبكين ويصحن ويندبن فنهض الى منزله. ثم رجع الى مجلسه، فقيل له أمن حدث كانت الواعية؟ هل هذا الصراخ والنحيب والبكاء كان لحدث ألمّ بشخص من أصحاب هذا البيت؟" قال: نعم اي انه مات شخص في بيتنا فعزّوه وتعجبوا من صبره. فقال الامام(ع): "إنا أهل بيت نطيع الله عزوجل فيما نحب ونحمده فيما نكره".
أجل إن الانسان المؤمن، إن الانسان الذي يعرف الباري سبحانه وتعالى معرفة دقيقة واسعة، إن الانسان المؤمن يعلم أن الله سبحانه وتعالى رحيم وهاب منان ودود وأنه إلى جانب ذلك حكيم عليم وعادل. إن المؤمن هذا لا يمكن أن يظهر من نفسه عدم الصبر ويبرز الجزع ويبرز التأفف وما شاكل ذلك من مقادير الله سبحانه وتعالى. إن الانسان المؤمن الذي يعلم بأن الله سبحانه وتعالى لا يفعل شيئاً الا لمصلحة ولا يأمر بشيء إلا لمصلحة ولا ينهى عن شيء إلا لما في ذلك المنهي من المفسدة ولا يقدر شيئاً الا ما فيه الخير للبشرية عاجلاً أم اجلاً. إن المؤمن الذي يعتقد برب كهذا، رب يتصف بالحكمة والعدل والرأفة والرحمة، رب يتصف بكل ما يليق بالمقام الالهي من صفات نبيلة وجميلة من صفات الكمال، لا يمكن أن تكون عنده ردة فعل سلبية تجاه مقادير الله سبحانه وتعالى، سواء مقاديره واوامره ونواهيه في عالم التشريع أو مقدراته في عالم التكوين. إن المؤمن الذي يعتقد بعلم الله سبحانه وتعالى ورحمته الواسعة وحكمته البالغة، فإنه يرى في كل امر من اوامر الله الرحمة والفلاح والصلاح والنجاح. ولاشك في مثل هذه الصورة أن يخضع ويطيع ويستسلم بكل وجوده . وهكذا يستسلم ويخضع ويحمد الباري إذا أصيب بما يتصور أنه مكروه. إن الله سبحانه وتعالى يقول: «وعسى ان تكرهوا شيئاً وهو خير لكم وعسى ان تحبوا شيئاً وهو شرٌ لكم». فما دامت معلومات الانسان محدودة مقصورة على العالم الظاهري (يعلمون ظاهر من الحياة الدنيا وهم عن الآخرة هم غافلون)، ما دام المؤمن يعتقد بهذه المقولة فإنه إذا وجه أمراً من أوامر الله سبحانه وتعالى يطيع ويخضع ويتواضع ويقوم بما أمره الله سبحانه وتعالى. واما إذا واجه شيئاً يكرهه كقضاء أو أمر وقع في عالم التكوين من وفاة ولد أو زوجة أو زوج أو ذهاب مال أو مقام أو منصب وما شاكل ذلك. أو نهي عما يرغب فيه فإنه لابد أن يستسلم ولابد أن يحمد الله سبحانه لأن فيه أي في هذا النهي أو في هذا الشيء الذي يكرهه مفسدة دفعها الله سبحانه وتعالى عن ذلك المؤمن فاستحق سبحانه وتعالى ان يحمد.
هذا الدرس نتعلمه من قول الامام زين العابدين(ع) حينما سمع صوت الناس يبكين ويندبن على شخص قد توفى ولما يسأله أهل مجلسه هل حدث شيء ويخبرهم بوفاة ذلك الولد او الشخص ويعزونه ومع ذلك يجدونه صابراً صامداً جلداً لم تغير تلك الحادثة من تعادله وتوازنه وثباته وصبره، يقول توضيحاً لذلك إنا أهل البيت نطيع الله عزوجل في ما نحب ونحمده في ما نكره. أن نحن نطيع الله في كل ما يأمرنا به مما نحب من أوامره ويكون مناسباً لمزاجنا ويكون محبوباً لقلوبنا. أما إذا واجهنا شيئاً نكره ونبغض فإننا في ذلك المورد ايضاً نتواضع لله ونحمده لأننا متيقنون بأن هناك مفسدة، الله سبحانه وتعالى ازالها عنا عن طريق هذا النهي او عن طريق هذا المقدر وهذه المشيئة.
وعلى كل حال فالمسلم هو الذي يطيع الله سبحانه وتعالى فيما يكون مطابقاً لميله ومزاجه وتمايله ورغبته وحامداً لله سبحانه وتعالى فيما يكرهه من المسائل المحزنة او المتعبة في حياته. وصلى الله على سيدنا ونبينا محمد وآله الطيبين الطاهرين.