البث المباشر

أزمة الغرب وحاكمية العلم التجريبي

الأحد 3 فبراير 2019 - 12:08 بتوقيت طهران

الحلقة 227

لقد تعرفنا في لقاءنا الماضي على طبيعة النهضة الغربية وعلى جذورها وعلى اتجاهاتها واتساع ميادينها وقد وعدنا انا نقف قليلاً عند طائفة من المحاذير التي رافقت هذا التقدم العلمي وتكاد توصل الانسان الى حافات خطيرة ربما تئول به الى السقوط، فما هي اهم هذه المحاذير؟
نعم، كان اختلاف العلم مع الكنيسة في الغرب مصدراً من مصادر خلافه مع الدين ووقوع الخلاف والصراع على النحو الذي فصل العلم عن روح الدين وعن اخلاقياته فاندفع في طريقه لانتاج آلات الدمار والذرة واخطارها في الحروب وفي الاستعمار واثارها على الشعوب المستضعفة المغلوبة، اجل ان العلم قد اعطى سره للقوى‌ الكبرى وحجبه عن عامة الناس فلم يكن اداة رفاه للبشرية على النحو المطلوب واتجه الى الجانب الحربي المتصارع اكثر من اتجاهه الى تخفيف الام الانسانية اضف الى ذلك انحرافه الى جانب الترف والغرائز والاهواء الهابطة، وقد حاول العلم السيطرة بأساليبه المادية على العلوم الانسانية وقضايا الاخلاق والنفس والمجتمع في حين لم تكن ادوات العلم صالحة لهذه المواجهة ولا قادرة على معالجة مثل هذه القضايا المعنوية. واعان التقدم المادي في الغرب على ظهور الفلسفة المادية فانحرف بالبشر الى اخطر الازمات حين اعلا شأن الجوانب المادية وانكر الجوانب المعنوية في حياة الانسان، وكان من اخطر سمات التقدم العلمي المادي انكاره مصدر القوانين والنواميس الطبيعية والعزف عن نسبتها الى صانعها الاول الحق تبارك وتعالى.
كانت نظرية التطور التي جاء بها داروين هي اول نقاط تحول العلم الغربي الى المادية وسيطرة المفهوم المادي على الاجتماع الانساني فلقد كانت نظرية داروين ان جميع الكائنات الحية التي كانت تعيش على الارض قد نشأت من اصل واحد او من عدة‌ اصول، ولم يزعم داروين ان الانسان قد انحدر من القرد مباشرة ولكن من نوع من الكائنات اقل مرتبة من الانسان ثم اجتاز مرحلة التطور الفائقة اكتسب فيها القامة المعتدلة والعقل، والواقع ان ما قدمه داروين لم يكن الا نظرية والنظرية تقوم اساساً على فروض تتجمع لترجح وجهة نظر معينة، وقد افترض داروين فرضيته هذه بحكم ما وصل الى علمه وما اطلع عليه من جماجم وحفريات، والغريب ان نظرية داروين القابلة للنقض بحكم كونها نظرية الى ان الفلسفة قد حولتها الي ظاهرة اجتماعية هي التطور الاجتماعي بيد ان كثيراً من العلماء لم يقبلوا افتراض داروين وكشفت ابحاث هيكس لي وغيره ان الانسان مخلوق فريد من الناحية البايلوجية ومن النواحي العقلية والنفسية وانه في هذا يتميز تميزاً واضحاً عن الحيوانات.
ولقد ناقض داروين تلاميذه واقرب الناس اليه واوجدت مفاهيم داروين في تنازع البقاء في السلالات اختلافاً كبيراً في خلفاءه فعدلت النظرية عشرات المرات وابرز من عارض داروين هو لالاند في كتابه خداع التطور فهو اثبت خطأ نظرية التطور من الاساس.
الابحاث التي اجريت فيما يتعلق بنظرية داروين من الوجهة البايلوجية الخالصة اثبتت ان الانسان لم يتطور من كائن آخر ومازال هو الانسان منذ عرف بصورته هذه وقد مرت عليه عشرات الالوف من السنين ولا ريب ان هذا الثبات سينفي القول بتطوره قبل ذلك الى صورته الحالية، وكان البروفسور جوهان هولتزبر العالم الذري بسويسرا قد اذاع بياناً في عام ٥٦ عارض فيه نظرية داروين بشدة وقال انه لا يوجد دليل واحد من الف على ان الانسان من سلالة القرود وان التجارب الواسعة التي اجراها دلت على ان الانسان منذ عشرة ملايين سنة يعيش منفرداً وبعيداً جداً.
واعلن الدكتور رويتر المشرف على ابحاث جامعة كولومبيا ان نظرية داروين لا اصل علمياً لها وان الكائنات انما خلقت مستقلة الانواع استقلالاً تاماً. ان ما يهمنا هنا هو ان نظرية التطور التي قال بها داروين قد اتخذت سبيلاً الى القول بالتطور المطلق اي التطور في مجال الاخلاق والعقائد وهو ما يجعل مباديء الدين الراسخة مجموعة من الافكار النسبية التي ليس لها حظ من الثبات بل هي يمكن ان تتطور وتتبدل بأستمرار وهذا كما ترى ينطوي على غايات خطيرة وقد سجلت بروتوكولات صهيون طرفاً‌ من هذه الغايات في عبارة تقول ان داروين ليس يهودياً ولكننا عرفنا كيف ننشر آراءه على نطاق واسع ونستغلها في تحطيم الدين.
واخيراً فقد كان لفتوحات العلم اثرها في الفكر الغربي وبلغ هذا الاثر غاية عنفه في مواجهة الدين ورجال الكنيسة وتفسيرات الكتب المقدسة كذلك كان للعلم اثره في الفلسفة اذ طغت نظريات العلم على الفكر كله وكانت الفلسفة هي البديلة عن الدين اعتماداً على العقل الذي اضفيت عليه قداسة مبالغ فيها، ثم كانت هناك محاولة سيطرة العلم بمنهجه المادي التجريبي على العلوم الانسانية ثم كانت تلك النزعة المادية التي وضعت الطبيعة في موضع الله سبحانه وتعالى واعطتها كل اسباب الارادة والقوة والحركة، كل هذا كان من اكبر الاخطار التي واجهت العالم المعاصر، وسر ما اطلق عليه ازمة الانسان الحديث. اجل كان سر ذلك هو العجز عن التوازن بين الفكر والمادة والروح والجسم واتساع النظرة العلمية والعقلية وقصور العطاء النفسي والروحي وهو ما عبر عنه كثير من الباحثين بالعجز عن تطوير قلب الانسانية كما طور عقله، وقد تأكد الان تماماً ان العلم سوف يعجز عن القضاء عن الدين بل انه سوف يؤكد الدين، واذا كان الدين الحق لا يفسر كل ظواهر الكون كالعلم فأنه يضع الاطار الاخلاقي للحياة ويرسم المنهج الذي تقوم عليه العلاقة بين الله سبحانه وتعالى والانسان، والاسلام هو الذي وضع العلم في اطار اخلاقية القيم والتقوى حتى لا يستعلي بنفسه او يستعلي به طائفة من الناس وحتى لا يكون اداة لابادة الامم واثارة القلق والاضطراب بل ليكون اداة لسلام البشرية جمعاء.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة