حين اريد للادب العربي الحديث ان ينسلخ عن هويته الاصيلة خطط دعاة التغريب والغزو الفكري لطمس ذاتية هذا الادب واغراقه بأفرازات الآداب الغربية الوثنية المنشأ الكنيسية التغذية المادية المآل والمصير، ولاشك ان الادب المكشوف وهو مظهر تبلور على ايدي دعاة التغريب تيار طاريء على الادب العربي قديمه وحديثه ليس من طبيعته ولا ذوقه ولا هو مستمد من مزاجه النفسي الاصيل، وقد ظهر هذا اللون من الادب في حكم بني العباس تحت اسماء شتى، ادب المجون والزندقة، شعر الغزل الحسي والغزل الغلماني وكلها فنون لم تكن عريقة في الادب العربي الذي صنعه الاسلام وتشكل في دائرة الفكر الاسلامي وقيمه ومفاهيمه بل ان هذه الالوان الادبية الشاذة الغربية الى ما كانت متصلة بجاهلية اقوام اخرى وبآداب اليونان والرومان القدامى مقترنة بالوثنية وفلسفات الانحلال والاباحة.
وفي الادب العربي الحديث ظهر الادب المكشوف مع مناهج النقد الغربي الدخيل على ايدي الذين اعتنقوا هذه المناهج وعملوا من خلالها على اخراج الادب العربي من مقوماته ومفاهيمه واغراقه في تيارات الاداب الاخرى، وقد بدا ذلك واضحاً مستمعي الكريم من خلال الترجمة التي تحركت في خطين متوازيين احدهما ترجمة التراث اليوناني الاغريقي الهليني الوثني الحافل بالاساطير والاباحيات والآخر من خلال ترجمة القصص الاوروبي والفرنسي بصفة خاصة والذي قام بها عدد من المارونيين اللبنانيين وفي مقدمتهم طانيوس عبده.
وقد جر الدكتور طه حسين شوطاً طويلاً في هذا المجال فبعث كثيراً من اساطير اليونان وترجم ولخص عشرات من القصص الفرنسية المكشوفة، كما ترجم لبودلير وغيره من الشعراء الاباحيين فضلاً عن اهتمامه الواسع بشعراء الاباحة في كتاب الاغاني ولم يقف الامر عند تقديم هذه الترجمات بل ان دعاة المذاهب الوافدة قد احاطوا ذلك الاتجاه بتبريرات مختلفة وساقوا مناهج فلسفية مغايرة لما ينطلق من الادب العربي والفكر الاسلامي في مفهوم التعبير عن النفس والحياة في ضوء القيم والاخلاق الاسلامية. وكانوا في ذلك يحاولون فتح ثغرة في جدار النفس المسلمة للانطلاق منها الى ما يختلف اختلافاً اساسياً مع طبيعتها ومزاجها النفسي.
الادب الحديث في كل امة ينطلق من اصوله وتراثه، فأن الادب العربي لا يجره منطلق الا من خلال الاخلاق والقيم الروحية والنفسية الواعية لطبيعة الشخصيات الانسانية، والحامية لها من الانهيار والتحلل ولطبيعة المجتمع الاسلامي القائم على التلاحم بين المادة والروح والقلب والعقل. وقد اعترف الاسلام بالجانب الحسي وفتح له الطريق السليم المعتدل الامن بعيداً عن الكبت وبعيداً عن الاسراف ايضاً، فلم تعد هناك ازمة معضلة تواجه المجتمعات في فترة المراهقة او اي فترة اخرى من فترات الحياة الاجتماعية، اما الغرب فقد كان الادب المكشوف عندهم نتيجة ازمة واضحة وتحديات خطيرة دفعت بالمجتمع الى كسر القيود والوصول الى ابعد مدى في معارضة التعاليم المترهبة المبتدعة باسم الدين، ذلك ان هذه التعاليم المبتدعة قد حملت معها الدعوة الى احتقار الحياة كلية والى بغض الجنس وكراهية العلاقات الطبيعيه بين الرجل والمرأة والتنفير منها والدعوة الى مقاومتها.
من هنا كانت معارضة الطبيعة البشرية لهذا النحو من العنف والقسوة عاملاً من عوامل الاندفاع والتحلل ومن هنا حين ثارت اوربا على الدين كله كانت ثورتها من هذا الجانب عارمة ارتدت بها الى التراث اليوناني وانفصلت بها عن كل مقومات الخلق والدين فلم يعد هناك وسط او اعتدال او حرص على ضوابط معينة فمن الرهبانية المصرة على كراهية الجنس واحتقاره والتنفير منه الى الاباحة المطلقة في الاندفاع نحو الجنس بغير ضوابط ولاحدود.
اما في المجتمع الاسلامي حيث اعترف بالجنس وفتحت النوافذ والابواب نحوه وفق خطط صريحة وضوابط واضحة فأن هذه الازمة لم تكن لتحدث اصلاً ومن ثم فأن الادب العربي وهو صدى لحركة النفس الانسانية من خلال المجتمع لم يكن ليواجه ادباً جنسياً صادراً من اعماقه. من هنا كان نقل هذا الادب وترجمته ومحاولة الدعوة اليه عملاً تغريبياً خالصاً وكان منافياً للبيئة والفكر والقيم التي عرفها الادب العربي.
لقد اعتمد الادب الغربي والاوروبي والامريكي في خلق الادب المكشوف على عناصر طبيعية واساسية في جوهر المجتمع الغربي ومن خلال تحديات خاصة جاءته عن طريق ما فرضته المفاهيم الدينية الغربية من رهبانية ابتدعوها.
وقد اصاب هذا التيار في الادب الغربي مزيداً من الانحراف لتغلب عوامل ليست خفية عليه وابلغها اثراً في اشتداد خطره مذهب فرويد في التحليل النفسي الذي استطاعت قوة كبرى عاتية ان تذيعه وتفرضه، علي الرغم مما فيه من اخطاء اعترف بها زملاء فرويد وتلاميذه، وكان اكثرهم قرباً للطبيعة البشرية والواقع ومع ذلك خفتت اصواتهم، في حين استعلى مذهب فرويد انحرافه عن الحياة وبأستمداد اصوله ومفاهيمه من التجارب التي اجراها فرويد على الشواذ وليس على الاسوياء في المجتمع الاوربي، ومن خلال نفسيته المريضة وفي ظل وضعه الاجتماعي كيهودي في المجتمع يكن له ولعنصره كثيراً من الازدراء وهو يصدر في افكاره عن ذلك التعصب والتحدي، فضلاً عما عرف وايدته كثير من الوثائق من اتصال فرويد بالحركة الصهيونية الحاقدة على الانسانية كلها، كما يظهر هذا المعنى جلياً في كتاب الدكتور صبري جرجس بعنوان التراث اليهودي في الفكر الفرويدي.
من خلال نظرية فرويد ظهرت الاتجاهات الاباحية المسرفة التي تضمنها كتاب ازهار الشر لبودلير ومدام بوباري لبلوبير والغلامة لمارغريت وعشيق الليدي تشارلي للوراس، من هنا قوي ذلك التيار واخذ يدعو الى حرية الفن المطلق والى تغليب جانب الشر في الغزل والخمريات والعري، كما عرف عن الروائي لورانس. وتغليب جانب القبح كما عرف عن الشاعر بودلير. ان هذا اللون من الشعر الغربي الاباحي لا يسيغه ذوق الادب العربي ولا تقبله النفس المسلمة شكراً لحسن متابعتكم.
*******