البث المباشر

نوافذ تسلل الأدب الاباحي الى الأدب العربي

الخميس 31 يناير 2019 - 21:10 بتوقيت طهران

الحلقة 196

تعرض الادب العربي في القرن الرابع الهجري الى حملات ومحاولات استهدفت اخراجه من ذاتيته وخصائصه ومضامينه الاساسية.
وقد تأثرت مجريات الادب في هذه الحملات والمحاولات التي اتصفت بالاسلوب والمضمون وحاولت دفع الادب العربي الى منهج بلاغي غير منهجه الاصيل واخراجه في نفس الوقت من اسلوب القرآن الكريم، كما طرحت على مضمونه نزعات الاباحة والزندقة والخمريات والغزل بالمذكر بيد ان الاصالة سرعان ما لفظت الزيف وطاردت الشبهات وحذرت الادب العربي من المؤثرات الاجنبية الوثنية.
واليوم يواجه الادب العربي في العصر الحديث نفس الموقف وذلك من خلال الصراع الدائر بين اصالة الفكر الاسلامي بعناصره المختلفة ومنها الادب وبين التحديات التي يفرضها خطر التغريب.
ومن العجيب ان قوة جديدة وجدت في جميع العناصر القديمة مادة خصبة لاثارة الازمة من جديد لمنطلق عصري هو رفض الحضارة الاسلامية وتغليب الرموز الدينية غير الاسلامية على الادب العادي، وقد اتخذت القضية منطلقها من مفهوم الفكر الغربي المجتلب الزائف الذي يصور الانسان تصويراً مادياً، ويتكأ اتكاءاً شديداً على نظرية فرويد وماركس ودارون وسارتر وول وماركو، ويلغي الغاءاً كاملاً الترابط بين الروح والمادة والعقل والقلب والدنيا والآخرة على النحو الذي يقوم عليه الفكر الاسلامي والادب العربي.
ان الرفض الذي تفرض اشكاله على الادب العربي يختلف عن مفهوم الرفض الاصيل فهو رفض مطلق، لا ماضي له ولا مستقبل ولا يرتبط بهدف معين ولا يرمي الى غاية ما، هو رفض شامل على مستوى كل العقائد والمفاهيم التي جاءت بها الاديان والعقائد. ان الرفض في الادب وفي الفكر ربما يوجد بدافع اصيل يستهدف نقد الواقع وتحريكه ثم تحريره من عوامل الضعف والتخلف وذلك رفض نزيه له هدف وغاية وطبيعة خيرة، وله رباط قائم على الواقع والحياة مع محاولة تجديدها واصلاحها ودفعها الى الامام والى التقدم، اما هذا الرفض الذي طرحته هذه الظاهرة قبل منتصف السبعينات والتي لم تلبث ان سقطت سقوطاً مزرياً وانكشف هدفها ودافعها التغريبي المعادي، هذا الرفض كان واضحاً من مفاهيمه ومصادره انه ليس اصيلاً وليس منطلقاً من جذور عريقه، غريب لا يلتقي بذاتية الادب العربي التي شكلها الاسلام.
الرفض يعني هنا السخط على الوجود الادبي العربي لمصلحة الاحقاد التي تغلي في النفوس ورفض الحضارة الاسلامية والعمل على تقويضها من الداخل، تحت شعارات التقدم والتسامح وهكذا تحتضن حركة الرفض الادبية الحديثة عوامل التغريب القديمة فهي مثلها تنادي بأعادة العلاقات الوثنية القديمة واعادة احياء الصفحات الفاسدة من التاريخ، وهي في الوقت الذي تريد فيه تهديم الاصالة العربية النابعة من الاسلام تركز على الرموز التي تناهض الاسلام وتحاول الغاءه.
وادباء هذه الحركة المنسلخة عن اصالتها، تتحدث رموزهم عن اورشليم، عشتروت، فينيق، تلمود، الصلب، الفداء المسيحي، الطوفان، جلجامش، الوثنية، بابل وآشور، وتتصل حركة التغريب هذه ورفض التراث بالدعوة الى العامية وهدم اللغة الفصحى والقول بأن لغة الشعب هي العامية والدارجة.
وهم يحاولون ان يقارنوا اللغة العربية في هذا المجال باللغة الاتينية التي تحولت عاميتها الى لغات اقليمية ويتصل بهذه الدعوة كتابة العامية بالحروف اللاتينية، وهناك من يدعو الى تحرير اللغة من الاعراب.
ويحاول تغليب العامية المعينة هي عامية لبنان ويرددون بأنها اداة التعبير المثلى وكذلك يحاولون كتابة العامية بالحروف اللاتينية ولا ريب ان محاكمة الادب العربي واللغة العربية الى تاريخ اللغة اللاتينية هو من الامور الغارقة في الفساد والمغالطة وذلك للاختلاف البين بين اللغتين ولتفرد اللغة العربية بصلة عميقة بالقرآن الكريم الذي منحها هذا الامتداد والعمق والسعة خلال اربعة عشر قرناً على نحو لم تعرفه لغة من اللغات في العالم كله.
كذلك الشأن فيما تستريه الحركة التغريبية المشبوهة من ان القرآن الكريم هو خلاصة تركيبية لمختلف الثقافات التي نشأت في الجزيرة، وان الاسلام دين صحراوي اقليمي، هذه الكلمات المفترية اللدودة قد جرت اول ما جرت على السنة دهاقنة الاستعمار من امثال كرومر وزعماء المبشرين من اضراب زويمر وانها لا تمثل آية حقيقة خالصة لوجه العلم، وانما تمثل امتداداً صليبياً حاقداً على الاسلام والمسلمين يريد تهديم البنية المسلمة من الداخل وزعزعة عقائدها الاصيلة لتسهل سيطرة الاستعمارية بكل وجوهها الثقافية والاقتصادية والسياسية.
والموقع ان محاولات بعض المبشرين مثل جاك بيرك البوح بفرحه الغامر بقيام مدرسة تموز التغريبية في بيروت التي تعمل على التخلص من الفصاحة والاصالة، ان هذا كله قد تبدد امام ضوء الحقيقة التي تكشفت بعد ان زال ذلك الغشاء الكاذب وامام صلابة الاصالة التي لا تغلب، اجل لقد فشلت كل تلك المحاولات والمساعي والمخططات التي تنطوي على حقد دفين على الاسلام ورسالته واخفقت في تحويل اللهجات العربية الى لغات بديلة على الرغم مما يجري في مؤسسات علمية وثقافية بالاهتمام بالعامية وتاريخها.
لا ريب ان خصوم اللغة العربية المرتبطة مصيرياً بالقرآن الكريم هم العاجزون عن اداءها الذين لا يستطيعون ان يزاحموا اهلها، ومن هذا العجز يطلقون حملتهم بالخصومة والنقد والحقد، ومن اليقين انه لن تستطيع محاولة التهشيم واستخدام الاساليب الركيكة ان تخلق ادباً مقروءاً او يمكن ان يحظى بالقبول.
كانت هذه محاولة بائسة من محاولات اقطاب التغريب في الغزو الثقافي ولابد ان تكون بائسة يائسة لانها تصطدم بتراث الامة ومقوماتها الداخلية التي بناها كتاب الله المجيد.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة