تجلى الفن الاسلامي التراثي في مظاهر عديدة متنوعة، كلها يحكي ابداع هذا الفن ورؤيته الوجودية الشاملة النابعة من عقيدة التوحيد الكبرى، استخفى في الفن الاسلامي معرفة فنون الحضارات الاخرى من محاكاة الطبيعة واستخفت ايضاً شخصية الفنان بمعنى غياب همومه الشخصية ومعاناته العاطفية لتبقي شخصيته الفن نفسه بما تعبر عنه صبغة هندسية وجودية ومن تجريد بالمعنى الخاص بهذه الكلمة، تجلى الفن الاسلامي في الخط والنحاس والخشب والفخار والزخرفة والعمارة وما اليها، وكل نوع من هذه الانواع الفنية مما له تاريخ طويل استوعب ما يربو على ألف عام وتوزع في بقاع جغرافية انتشرت في قارات ثلاث هي آسيا وافريقيا وارض الاندلس في اوروبا، ولعل فن الخزف من اكثر انواع الفن الاسلامي شيوعاً لإرتباطه الوثيق بالحياة اليومية للناس بما يؤدي من وظيفية لاغنى عنها للانسان المسلم في كل البيئات، لا يكاد يعرف شيء من صناعة الخزف أبان حكم الامويين بيد أن الفخار في العصر العباسي كان على انواع فمنه فخار غير مطلي او ذو طلاء من نوع واحد وزخارف بارزة واهم المعروف منه مجموعتان:
الاولى مجموعة: من اشجار بغير طلاء او عليها طلاء ازرق او اخضر وزخارفها بارزة وقوامها اشرطة من حبيبات واغصان واوراق نباتية.
اما المجموعة الثانية: فمعظمها صحون واكواب صغيرة زخارفها بارزة وهي بطلاء اخضر او اصفر وقوام تلك الزخارف اشكال هندسية مختلفة وفروع نباتية ووريقات محورة من الطبيعة وقد يوجد بينها في النادر رسوم بعض الطيور والمعروف ان قطعاً من هذا الخزف وجدت في سامراء والمدائن والسوس والري والفسطاط بمصر.
اما الخزف العباسي ذي البريق المعدني فقد كان ابداعه في سامراء وما عثر عليه في اطلال هذه المدينة يفوق في جماله وبريقه كلما عرفه العالم الاسلامي من هذا انخرف وزخارفه الفنية في العراق منقوشة ببريق معدني ذي لون واحد او متعدد الالوان، فوق طلاء قصد يرى لون وزخارفه المتعددة الألوان ابدع من غيرها ويغلب على الوانها الذهبي والأخضر الزيتوني والاخضر الناصع والبني وقوام تلك الزخارف فروع نباتية محورة عن الطبيعة واشكال مخروطية ومراوح نخيلية ذات ثلاثة فصوص و رسوم مجنحة ودوائر بيض في وسطها نقط دكناء واشكال هندسية مضللة بخطوط صغيرة. ولم يعثر في سامراء ولا في غير من مناطق العراق على خزف ذي بريق معدني عليه رسوم آدمية وحيوانية ومن ابدع التحف الخزفية ذات البريق المعدني البلاطات الفاخرة التي تؤلف اطاراً جميلاً لمحراب المسجد الجامع في القيروان وعددها تسع وثلاثون ومئة بلاطة مربعة جلبها بتي الاغلب من بغداد في بداية القرن الثالث الهجري قبل ان تزدهر صناعة هذا الخزف في سامراء.
وعثر المنقبون على تحف عباسية من الخزف ذي البريق المعدني في ايران بعضها يشبه ما وجدت في العراق ولكن بعضها الآخر عليه رسوم طيور وحيوان بل ان بعضها عليها نقوش ادمية هي اقدم ما يعرف من هذا النوع من الخزف الاسلامي كله ويدل رسم الصورة الآدمية بالتحف المعروفة من هذا الخزف ذي البريق المعدني على ان الفنانين لم يصلوا بعد الى حد الاتقان الذي بلغوه في الرسوم الزخرفية عامة وفي بعض رسوم الحيوان والطير خاصة، الحق ان معظم رسومهم الآدمية التي لها تعبير قوي هي بسيطة وتشبه رسوم الاطفال، هذا ويمكن يا اخي ان ينسب هذا الخزف ذو البريق المعدني في ايران الى القرنين الثالث والرابع بعد الهجرة ولكن لا تمكن نسبة قطعة منها الى مدة محددة في هذين القرنين: اللهم الا اذا روعيت مسألة اتفاق الرسم وموافقته سطح الاناء وابداع الالوان وما الى ذلك من دقة الصناعة والزخرفة مما يحمل على نسبة التحفة الى مدة متأخرة كمل فيها تطور الصناعة واستقرت اصولها وقواعدها ويرجح المتخصصون ان صناعة الخزف العباسي ذي البريق المعدني في ايران كانت حكراً على المراكز الفنية في غرب هذه البلاد، اما في شرقها فقد ازدهرت انواع اخرى من الخزف وقد عرفت مصر في هذا العصر صناعة الخزف ببريقه المعدني وجلبت نماذج منه من العراق وتم انتاج ما يماثله لا سيما في زمن الدولة الطولونية بيد ان رسوم الحيوان على الخزف الطولوني محورة عن الطبيعة الى حد بعيد كما ان الرسوم الآدمية ليست الا رسوماً بدائية تحددها بضعة خطوط والعيون فيها مستديرة او لوزية الشكل في حين يمثل الأنف خطان عموديان متوازيان ينتهيان بدائرة تعني الفم او خط صغير يرمز اليه. ومن انواع الخزف في هذا العصر خزف ابيض ذو نقوش زرقاء وخضراء فوق الطلاء وعليه في حفريات سامراء والسوس والري وساوة وقم وكان ينسب في البداية الى العراق ولكن الراجح الان انه كان يصنع ايضاً في غرب بلاد ايران وفي الري، وفي نيشابور عثر على قطع خزفية يمكن اعتبارها تقليداً لهذا الخزف الابيض ذي النقوش الزرقاء والخضراء ولكن زخارف القطع التي عثر عليها في نيشابور معظمها كتابات منقوشة باللون الاسود تحت الطلاء وليس فوق كما هو الحال في خزف العراق وغربي ايران ولوحظ فيما عرف من هذا الخزف الابيض ان عجينته تختلف في بعض القطع عنها في بعضها الآخر مما يشهد بأن إنتاجه لم يكن وقفاً على إقليم واحد من أقاليم العالم الاسلامي وانتشر هذا الخزف بين القرنين الثالث والخامس بعد الهجرة كما يتبين من وجوده في سامراء التي هجرت سنة ۲۷۰ للهجرة ومن اسلوب الكتابات الموجودة على بعض قطع منه التي يمكن نسبتها الى نهاية القرن الرابع الهجري، معظم منتجات هذا النوع من الخزف سلطانيات وصحون غير عميقة وبها حافة منبسطة وقاعدة منخفضة جداً مما يجعل وضع هذه السلطانيات او الصحون في بعضها واعدادها للتجارة والاسفار امراً ميسوراً ، اما الزخارف فأن بعضها هندسي كالمثلثات والدوائر والمثلثات المتداخلة والمتصلة وبعضها نباتي كأوراق المراوح النخيلية والوريدات وبعضها رسوم أخرى كالنخلة المرسومة على سلطانية جميلة محفوظة في المتحف الوطني بإيران. وقد تلاحظ على بعض الاواني من الخزف كتابات تسير في عرض الإناء من طرف الى اخر وترسم في قاعدته على هيئة مربع، ومن أعظم أنواع الخزف في فجر الاسلام نوع ايراني ذو زخارف محزوزة في عجينة الإناء على قشرة بيضاء تحت طلاء شفاف ويذكّر اسلوبه الفني بالحفر على المعادن وبعض القطع المعروفة منه عليها عناصر فنية زخرفية تجعل من الراجح نسبتها الى القرن الرابع والسادس بعد الهجرة. من اقدم هذه المجموعات خزف من عجينة حمراء عليه زخارف محزوزة تمثل طيوراً وحيوانات واغصان نباتية وكتابات واوراق شجر، اغلبها في دوائر واجزاء من دائر متشابكة ومتصلة وطلاء هذا الخزف اخضر او زبدي اللون في معظم الاحيان وقد تحد حافة الاناء بشريط أخضر اللون، ومن انواع الخزف العباسي ذي الزخارف المحزوزة نوع امتاز بأصباغ متعددة الالوان كانت تغطي سطح الاناء بالنحو المعروف في ضرب من الخزف الصيني في عهد اسرة «انك» ولا غرو فأن الخزفيين في شرق العالم الاسلامي اقبلوا منذ القرن الثالث على تقليد الخزف الوارد من الشق الاقصى واتقنوا تقليد هذا النوع ذي الاصباغ المتعددة حتى يصعب في بعض الحالات تمييز القطعة الصينية الأصيلة من تقليدها المصنوع في ايران.
*******