البث المباشر

جذور الاستبداد الشرقي في فكر المفكر الالماني فدفوجل

الأحد 27 يناير 2019 - 10:36 بتوقيت طهران

الحلقة 100

عكف المفكر الالماني الاصل كارل فدفوجل على دراسة بلدان الشرق ونظمها السياسية والاقتصادية ليقف على ما اسمته الماركسية بالنمط الاسيوي للانتاج محاولاً صياغة نظرية يحاول بها تفسير التاريخ البشري كله عائداً الى العصر الحجري لكي يبرهن على وجود صراع دائم بين المجتمعات القائمة على الاقتصاد الفردي الحرو المجتمعات الاستبدادية ذات النمط الشرقي والقائمة على اقتصاد الدولة وفي عام ۱۹٥۷ اصدر كتاباً ضخماً قضى في اعداده على ما يقول نحواً من ثلاثين عاماً‌ وعنوان الكتاب هو الاستبداد الشرقي دراسة مقارنة‌ للسلطة المطلقة، يرى قد فوجل انه كان من نتيجة الثورة‌ الصناعية والتجارية في القرنين السادس عشر والسابع عشر ان انتشر التجارة الاوروبية والنفوذ الاوروبي في ارجاء الارض وقام عدد من الرحالة الغربيين من الممتازين عقلباً وكذا بعض الاساتذة والعلماء الاوربيين باكتشاف عقلي لايقل اهمية عن المكتشفات الجغرافية الكبرى التي تمت في هذه الحقبة، هؤلاء الرحالة درسوا حضارات الشرق مصر والشام والعراق وفارس وكذلك الهند والصين ولا حظوا سمة خاصة فيها جميعاً وهذه السمة تظهر بوضوح في المجتمعات الشرقية ولا توجد في اوربا ابان العصور القديمة ولا في العصر الوسيط ولا الحديث وقد اطلق الاقتصاديون الكلاسيكيون على هذه السمة اسم المجتمع الاسيوي او الشرقي.
ويظهر العنصر المشترك بين هذه المجتمعات الشرقية المختلفة بوضوح في القوة الاستبدادية للسلطة السياسية عندهم وبالطبع لم تكن حكومة الطغيان مجهولة في اوربا فقد توافق ظهور النظام الرأسمالي مع ظهور الدولة السلطة المطلقة غير ان الملاحظ ان نظام الحكم المطلق في الشرق كان اكثر شمولاً واشد ظلماً من نظيره في الغرب فبدا لهم الاستبداد الشرقي بوصفه الصورة الاشد قسوة للسلطة المطلقة.
ان الفلاسفة الذين درسوا الحكومات الشرقية من امثال مونيسكيو قد اهتموا بالاثار المؤسفة للاستبداد الشخصي، اما الذين درسوا الاقتصاد فقد عونوا بمراتب الملكية ودرجات الادارة وقد اندهش الاقتصاديون الكلاسيكيون بصفة خاصة من الاعمال المائية الهائلة التي تقوم بها هذه الشعوب لاغراض الري ووسائل الانتقال والمواصلات كما لا حظوا ان الحكومة في كل مكان من الشرق كانت اكبر مالك للارض، ويسوق قد فوجل الكثير من المعلومات والتفصيلات الدقيقة عما يسميه النظام المائي او المجتمع المائي الاداري ويستنبط من هذه المعلومات قوانين عامة لهذا المجتمع تنطبق على المكسيك وبيرو ومصر والعراق والهند والصين والخ.
انه يبدأ بفكرة اهمية الري الصناعي في تلك البلدان ويستنتج منها ضرورة‌ تعبئة العمالة الضخمة لهذا الغرض مع ايجاد تقسيم جيد للعمل بين فرقها، ولا يمكن ان يقوم بعملية تعبئة وتقسيمه والاستفادة منه على نطاق البلد سوى سلطة مركزية طاغية مما لم يحدث على هذه الشاكلة في البلاد التي تعتمد على ماء المطر في المجتمعات المائية هذه تكون الدولة كما ذكرنا هي مالكة الارض اما الفلاحون فأنهم ليسوا غير منتفعين ويترتب على هذا ان تصبح الملكية الفردية ضعيفة ضعفاً شديداً في النمط الاسيوي وان كانت موجودة بيد ان الاشخاص الذين ينتمون الى جهاز الدولة هم الذين كانوا في الغالب اصحاب الممتلكات الفردية ويتوقف استمرار المجتمع المائي على تمسك الدولة بمحافظتها على صفتها المالكة الكبرى اي على ان تكون لها اليد العليا بالمقارنة‌ بالملكية الفردية، وهكذا تعتمد نظرية فود فوجل في الاستبداد الشرقي على وجود النهر الذي يتطلب بالضرورة قيام سلطة مركزية استبدادية‌ تقوم بثلاث مهام جوهرية لتحقيق الانتاج الزراعي هي:
اولاً: مهمة توصيل المياه من النهر الى الارض.
ثانياً: مهمة حماية الارض الزراعية من غوائل الفيضان.
ثالثاً: مهمة توفير مياه الري في ازمنة الجفاف، ولابد لتحقيق هذه المهمات من شق الترع والقنوات والمصارف عبر المساحات الواسعة من الاراضي الزراعية لتوصيل المياه الى الحقول ولابد ان تكون ضفاف النهر مرتفعة على نحو مناسب وهو ما يتم بأقامة الجسور وصيانتها وتهيئة الاستعدادات الدائمة لترميمها على وجه السرعة في حال وقوع اي انهيار فيها ولابد من بناء‌ القناطر والخزانات والسدود وكافة وسائل ضبط مياه النهر لحماية الاراضي من الفيضان ولحجر جزء من مياهه لاستخدامه في الري على مدار السنة ثم لابد من اقرار نظام شامل للري يسري في طول البلاد وعرضها.
هذه المهمات جميعاً والاعمال الادارية اللازمة لتحقيقها لا يمكن ان تتم بجهد الفردي مهما بلغ هذا الجهد، في حين هي اعمال لا غنى عنها للانتاج الزراعي على اي حال ولهذا فأن فدفوجل يشبهها بأعمال الحرب حتى ان بعض البلاد تنتدب رجالها لاعمال السخرة كما تنتدبهم للحرب، انه عمل لا يمكن ان تقوم به عائلة ولا حتيى جماعة قروية ‌بل هو عمل قومي يتم على مستوى الدولة‌ ويتخذ اشكالاً كثيرة ابتداءاً من السخرة الى نظام التعاون وهكذا يقتضي نظام الري الموحد قيام سلطة سياسية مركزية استبدادية تحولت الى ما سمي بالطغيان الشرقي. ومن هنا يعتقد هذا الكاتب ان السلطة المطلقة التي يمارسها الحاكم على الايدي العاملة من رعاياه مكنت حكام سومر وبايل ومصر من بناء قصور وحدائق ومقابر ضخمة وهذه السلطة المطلقة هي التي مهدت للحاكم ايضاً ان يكون الكاهن الاكبر وان يكون في نظرهم الهاً او ابن الاله ومكنته كذلك من اقامة المعابد الضخمة والاثار الهائلة‌ التي ما تزال قائمة الى اليوم وهي مما لم يكن ميسراً اقامتها الا بالسخرة.
وهؤلاء الحكام الطغاة الذين اقاموا هذه الاثار الهائلة كانوا بالضرورة قادرين على التنظيم بكفاءة عالية فأوجدوا ادواته الفعالة كالسجلات ونظام المراقبة الدقيق واللوائح والقوانين التي توجه نشاط الناس توجيها اجبارياً‌ في حين بادر التجار الى اقامة الاتصالات البرية المنتظمة مع اوروبا الاقطاعية ذات المجتمع اللامركزي.
تلك كانت الصورة‌ الاقتصادية التي رسمها فودفوجل لمجتمع النهر وللمجتمع المائي الذي يعتمد على النهر في ري اراضية الزراعية وما يستتبع ذلك من مهام تقتضي قيام سلطة مطلقة استبدادية تفرض على الناس العمل الجماعي والاستبداد، ويرى هذا المفكر ان السلطة المطلقة التي يمارسها الطغيان الشرقي لا تتحمل وجود قوى سياسية اخرى بجوارها.
ومن هنا فأن هذا الطغيان يعيق نمو اي قوة سياسية على مستوى المؤسسات كما انه ينجح من الوجهة النفسية في احباط رغبة الانسان في العمل السياسي المستقل، ويعتمد هذا النجاح على ان الحكومة المائية تعتمد على مبدأ التخويف والعقاب وهي خطة يبررها الحكم بقوله ان الابرياء او غير الاثمين من البشر هم قلة من الناس ولهذا السبب نظرت الحكومات المختلفة في الشرق القديم الى العقاب على انه الوسيلة الجوهرية الوحيدة لنجاح الدولة في ادارة شؤونها وهكذا نجد شريعة مانو الهندوسية تقر العقاب وبث الرعب بأعتبارهما اساساً للسلام والنظام الداخلي فعن طريق العقاب تتم السيطرة على الرعية التي ستخلد حين ذاك الى الهدوء والاذعان. ان العقاب في الطغيان الشرقي هو وحده الذي يحكم الكائنات المخلوقة والعقاب هو وحدة الذي يجمعها جميعاً فالعقاب يراقبهم حتى وهم نيام اذ الواقع ان العقاب هو الملك، هذه الحالة من الطغيان في نظام الحكم عزيزي المستمع مما صورة فود فوجل على انه نابع من تفسير زراعي وسواء اصح تفسيره ام لم يصح فأن الطغيان يبقى علامة بارزة ومعلماً دالاً على ما يعانيه الانسان اذا اهمل رسالة الانبياء (عليهم السلام) واستنام الى افكاره التي صنعها بنفسه، ان مفارقة العدل الالهي المتجسد في نظام الحكم التوحيدي الذي يقوده الانبياء والاوصياء لابد ان يفضي بالانسان الى متاهات مظلمة‌ مليئة بالبغي والظلم والعدوان ولن تذوق البشرية يا اخي جمال العدل الا بالتزام النهج الالهي العظيم منهجاً للحياة الفردية‌ والسياسية معاً.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة