البث المباشر

قصة مجنون ليلى (الجزء السادس)

الثلاثاء 15 يناير 2019 - 15:05 بتوقيت طهران

الحلقة 20

تابعنا معكم احداث الحلقة التاسعة عشرة الماضية من برنامج دراسات مقارنة في الادب الفارسي والآداب الاخرى وقد شدّتنا قصة مجنون ليلى عبر خمس حلقات اليها شداً تناولنا فيها بالبحث والتحليل والمقارنة معظم ما يتصل بهذه القصة الأثيرة، كالحب واقسامه والحب العذري، وشخصية قيس تاريخياً وادبياً في الادب العربي القديم. وما إن وجدنا قيساً يقف على حدود ايران ليدخل في الادب الفارسي ولكنه على ما يبدو قد غير ثيابه هذه المرّة ويكاد ان يرتدي الزّي الصوفي حتى طلبنا من خبير البرنامج الدكتور عباس العباسي الطائي استاذ الادب العربي والخبير باللغةْ الفارسية وآدابها ليوقف هذا البطل التراجيديّ على حدود ايران لنرى كيف حزم قيس هذا حقائبه وما هو جواز سفره إلى الادب الفارسي؟ فحدّثنا خبير البرنامج عن الصفات التي أهلته للدخول في رحاب الادب الصوفي الاسلامي الفارسي. وقد ارتأينا أن نستعرض مع المستمع الكريم صورة موجزة عن التصوف ونشأته وظوهره فكان ذلك حديث حلقتنا الماضية من هذا البرنامج وقد بقيت للحديث بقية نتابعها معكم والاستاذ الخبير …. وهو متواجد معنا في الاستوديو نحييّه…..
المذيع: كان آخر سؤال لنا في الحلقة الماضية عن نشأة التصوّف وتطوره، فقلتم إن التصوّف الاسلامي استقى اصوله من القصيدة الاسلامية وارتوت جذوره بالآيات القرآنية والاحاديث الشريفة، وقد أشرتم إلى سورة الكهف واصحاب الكهف، وأهل الصفة، والعبد الصالح في قصة موسى عليه السلام، والآن نرجوا أن تتابعوا ما بدأتموه في الحلقة الماضية.
خبير البرنامج: بسم الله الرحمن الرحيم ….
إن الآيات القرآنية والاحاديث الشريفة التي تمسّك بها المتصوفة كثيرة وقد اكتفينا بذكر ثلاثة نماذج منها، هي اصحاب الكهف الذين قال الله تعالى فيهم، (إنهم فتية آمنوا بربهم فزدناهم هدىً وربطنا على قلوبهم).
هؤلاء الذين قد جمع الايمان بينهم واعتصموا بالله على غير ميعادٍ وباعوا انفسهم. ويصدق فيهم قول قتيل الحبّ الالهي شهاب الدين السهروردّي إذ قال في اهل العشق الالهي:

سمحوا بانفسهم وما بخلوا بها

لمّا دروا أنّ السّماح رباح

أما النموذج (الشاهد القرآني الثاني وهو من سورة الكهف ايضاً فهو العبد الصالح، إذ قال سبحانه وتعالى: (فوجدا عبداً من عبادنا آتيناه رحمة من عندنا وعلمناه من لدنا علماً، قال له موسى هل أتبعك على أن تعلّمني ما عملت رشد.
وهذا العبد الصالح هو الخضر عليه السلام، وليس الامر هنا قضية الكفر والايمان بل الامر أسمى من ذلك إنها الزيادة في الايمان وأن العبد مهما بلغ من الايمان فلن يخرج عن كونه عبداً لربه فموسى عليه السلام نبي مرسل ولكنه حين سئل عن علمه قال لا يوجد أحد على الارض أعلم مني عند ذلك أرسله ربه إلى من هو أقل منه في المنزلة ليأخذ عنه علم الله تعالى.
المذيع: إذن فهذه قصة موسى(ع) الذي كان يبحث عن الخضر عليه السلام وقد جرت على السن الناس.
خبير البرنامج: نعم، وفي هذه القصة عبرة ظاهرة وكان موسى(ع) مصمّما في طلبه اذ قال الله تعالى عن قول موسى: اذ قال موسى لفتاه لا أبرح حتى أبلغ مجمع البحرين أو أمضي حقبا(۱).
فموسى(ع) كان يريد أن يقطع العمر كله لزيادة الايمان في رحلة العلم إلى العبد الصالح ومن هنا جاء سلوك الصوفي في طلب رحمة الله تعالى.
المذيع: وما هو الشاهد الثالث من القرآن الكريم، الذي تمسّك به جماعة الصوفية؟
خبير البرنامج: الشاهد الثاني من سورة الكهف ايضاً ويخص أهل الصفة والصفة هي تلك المصطبة التي بناها رسول الله(ص) امام مسجده في المدينة لاصحابه الزاهدين في الدنيا المخلصين لله تعالى وحسبهم شرفاً ولقباً أنهم اصحاب رسول الله وهؤلءهم الذين أنف منهم أشراف قريش وطلبوا من النبي(ص) ألا يجالسهم بضعفاء الصحابة كبلال وعمار وصهيب وابن مسعود فنزلت الآية:
(واصبر نفسك مع الذين يدعون ربّهم بالغدواة والعشي يريدون وجهه) والشاهد فيها ان الصوفية يدعون فقراء والفقر فخرهم، والصوفي هو الفقير الى رحمة ربه، وهذه الشواهد كلها جاءت في كتاب الله. والقاسم المشترك في جميعها هو الاتجاه الروحي والاخلاص والطلب ومن هنا جاء الاتجاه الصوفي وقد وجد هؤلاء المسلمون في النبّي(ص) قدوة ومعلماً وفي اصحاب رسول الله سلوكاً ومنهاجاً وفي اصحاب الكهف وهم اولياء نبراساً ومصباحاً يسيرون على هديه وضوءه. ويصدق هنا قول ابن الفارض في خمريته. اما الخضر(ع) في الادب الصوفي الفارسي له مكانة سامية وهو الدليل والمرشد إلى السعادة: هذا حافظ الشيرازي يقول:

طي اين مرحله بي همرهي خضر مكن

اي لا تقطع هذه المرحلة دون أن تقتدي بالخضر(ع).
ثم يقول مشيراً:

همتم بدرقه راه كن اي طاير قدس

كه دراز است مقصد ومن نوسفرم

أي: يا جبرئيل يا ايها الملك هبني همة وعزماً لان طريق الهدف طويل وأنا قليل التجربة.
المذيع: كلّ هذا صحيح وممكن ولكن قيساً أحب ليلى ثم واجه الحرمان فاستبدل ذلك الحبّ المادّي بحبّ خيالي مزجه بالعبادة والزهد، فكيف يعبر الصوفية هذا الحبّ الماديّ المحض ويربطونه بالتصوف؟
خبير البرنامج: حسن ها أنت تساعدينهم على الاستدلال بطرحك هذا السؤال.
المذيع: وكيف يكون ذلك؟
خبير البرنامج: أها …. أنا أقول لك. من خلال أقوالهم وتجاربهم.
جاء في كتاب قوت القلوب. لابي طالب المكي قال بعض المريدين (المتصوفة) لأستاذه: قد طوليت بشيء من المحبة (محبة الله) فقال استاذه، يا بني هل ابتلاك محبوبٍ سواه فآثرت عليه إياه؟ فقال الصوفي، لا، فقال الاستاذ، فلا تطمع في المحبة فإنّه لا يعطيها عبداً حتى يبلوه.
فهذا شاهد من الصلات التي ربطت بين الحبّ العذري في حبهم الانساني وبين المحبين على طريقة رابعة العدوية.
وهاك شاهد آخر: كان الشيلي وهو من كبار الصوفية في القرن الثالث الهجري، يقول في مجلسه:
(يا قوم هذا مجنون بني عامر كان إذا سئل عن ليلى يقول: أنا ليلى، فكان يغيب بليلى ويغيب عن كلّ ما سوى ليلى ويشهد الاشياء كلّها بليلى…).
وهكذا كانت زليخا التي كان يوسف معبودها فتجاوزته إلى حب الله وهكذا قصة الشيخ سمعان (صنعان) للعارف الصوفي في الاديب الشيخ عطار النيسابوري، والشيخ (صنعان) أو سمعان كما عبر عنه العطار رسالة (الشيخ سمعان پير عهد خويش بود) اي كان استاذاً في زمانه. وقد نعلق ذلك الرجل الاشيب بفتاة مراهقة، وفقد وعيه وشعوره في حبها كما فقد كلّ معتقداته ثم أفاق فكانت سبب وصوله إلى هدفه الذي مات من أجله. واليك هذه القصة الخيالية. التي سمعتها من أبي يرحمه الله في مجلس من المجالس الليلية والاسمار القديمة ولا ادري كيف دخلت تلك القصة إلى مثل ذلك المجتمع البسيط. والقصة أسردها عليكم سردرا:

*******

وهي كما ذكرت من نوع أن كان يا ما كان ولكن فيها عبرة قيمة:
كان لأحد الملوك بستاني يعتمد عليه وكان ذلك البستاني يقدم في كل يوم سلة منتقاة من انواع الفواكه إلى بيت الملك ومرض البستاني أحد الايام فطلب من ابنه الشابّ أن يأخذ سلة الفواكه إلى قصر الملك وذهب الشابّ قرأى ابنة الملك في حديقة القصر، فهام بها من أول نظرة وما رجع إلى البيت حتى سقط مريضاً….
نتيجة هذا البحث: أن الصوفية يعتقدون ان العاشق يرتقي من الحبّ الانساني للجمال، إلى الحبّ الحقيقي او حبّ الله تعالى ولذلك يسمي الصوفية الحبّ الانساني بالحبّ المجازي، لأنه مجاز وقنطرة لدى ذوي البصيرة وجمال الكون جمال صوري يهتدي به ذوو الفكر إلى الجمال الحقيقي وهو جمال الله. على شرط أن يكون المحب والمحبوب جميلي الروح، وعلى هذا يعتقد الصوفية (متأثرين بفلسفة الحب الافلاطونية في المادبة على أن الواصل إلى الحب الفاني الحقيقي لا يكون إلا عن طريق حب فتاه جميلة طاهرة عفة جميلة الروح وأما عن طريق حبّ شيخ الطريقة الهرم الاشيب لانه جميل الروح ايضاً. وهكذا كانت ليلى واسطة، في حبّ مجنون للجمال الاليى وهذا ما جعل الشعراء الايرانيين ذوي الاتجاه الصوفي يعتبرون المجنون صوفياً كبيراً.
أعزائنا ها هي الحلقة العشرون من برنامج دراسات مقارنة في الادب الفارسي والآداب الاخرى قد أشرفت على نهايتها وقد تابعنا معكم فيها أحداث الجزء السادس من قصة مجنون ليلى على أمل اللقاء بكم في الحلقة القادمة لنتابع الجزء السابع من هذه القصة التي استأثر بها الادب الاسلامي وشاكرين لكم حسن متابعتكم ولخبير البرنامج ….
هذه اللقاءات الزاخرة بالآراء الجديدة حول الادب الفارسي والآداب الاسلامية الاخرى والسلام عليكم ورحمة الله.

*******

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة