فبعدما حاول الأخير تنفيذ عملية هجومية بهدف السيطرة على عدة مواقع كان قد خسرها في محافظة البيضاء وبالتحديد في مديريتي الزاهر والصومعة، ها هو اليوم يحاول جاهدًا وقف تقدم وحدات الجيش واللجان الشعبية ووحدات أنصار الله جنوب محافظة البيضاء - باتجاه محافظة لحج، بالتوازي أيضًا مع تمكن الوحدات الأخيرة بعد مواجهات عنيفة مع قوات هادي وتنظيم "القاعدة"، من السيطرة على أجزاء واسعة من مديرية نعمان شرقي محافظة البيضاء.
هذا التطور الميداني جنوب محافظة البيضاء يحدث أيضًا بالتزامن مع حراك هجومي يتقدم بخطى حثيثة نحو مدينة مأرب، تثابر عليه بوتيرة ثابتة وحدات الجيش واللجان وأنصار الله.
وفيما يواجَه هذا التقدم من قبل تحالف العدوان بشراسة، لخطورة وصعوبة تداعيات خسارته تلك الجبهة الاستراتيجية على معركته بالكامل، فإن الأخير يبذل جهودًا ضخمة لمحاولة تثبيت تلك الجبهة الحساسة، بمواجهة وحدات حكومة صنعاء، مستعينًا بدعم جوي سعودي واسع، وبما تيسر أم ما تبقى من الوحدات المتشددة التابعة لتنظيمي "القاعدة" و"داعش".
انطلاقًا من تزامن العمليات العسكرية في تلك الجبهتين الحساستين (غرب مأرب وجنوب البيضاء)، هل يوجد ارتباط ميداني وعسكري بين التقدم الأخير لوحدات الجيش واللجان وأنصار الله في جنوب محافظة البيضاء باتجاه لحج وبالتالي باتجاه المدن الساحلية عدن وزنجبار، وبين ما يحصل من تطورات ميدانية لصالح هذه الوحدات على جبهة مأرب؟ وما هو هذا الارتباط أو كيف يمكن تفسيره؟
بداية، لا بد من التوقف عند التصريح الأخير لنائب رئيس لجنة الحوار الخارجي في المجلس الانتقالي المدعوم إمارتيًا أحمد عمر بن فريد، والذي أعرب فيه عن أسفه للتطورات التي تشهدها محافظة شبوة، مع اقتراب القوات المسلحة اليمنية من أطراف مديرية بيحان غربي محافظة شبوة الغنية بالنفط والغاز، متخوفًا من احتمال دخول القوات المسلحة اليمنية إلى شبوة، اضافة لتصريح عضو هيئة رئاسة المجلس الانتقالي الجنوبي فضل الجعدي، والذي قال "إن هدف التحالف السعودي بالسيطرة على صنعاء أصبح بعيد المنال، والوصول إليها يزداد صعوبة وبعدًا كل يوم".
صحيح أنه لا يمكن عزل تصريحات مسؤولي الانتقالي الجنوبي هذه، حول تعثر وصعوبة معركة التحالف كما يرونها عن الخلافات المتجددة وغير البسيطة بينهم وبين هادي المدعوم سعوديًا، ولكن أيضًا، بالنسبة لمسؤولي الانتقالي الجنوبي فإن الميدان وحركته الواضحة تفرض نفسها، ولا يمكن لهم إلا الإعتراف بسيطرة الجيش واللجان وأنصار الله الميدانية.
من هنا تأتي النظرة الموضوعية لمسؤولي الإنتقالي الجنوبي مع ما لذلك من تأثيرات معنوية سلبية على التحالف، لتضاف إلى التأثيرات الميدانية التي فرضتها هزائم الوحدات المتشددة المتلاحقة، في محافظتي البيضاء والضالع مؤخرًا. فبعد أن كانت "القاعدة" و"داعش" في تلك المناطق تشكلان سدًا غير بسيط بمواجهة وحدات حكومة صنعاء، وبالتالي كانت تقوي المعركة الدفاعية لوحدات هادي في وسط شرق اليمن، وبالتحديد في محافظة البيضاء، أصبحت مواقع التحالف في تلك المنطقة مكشوفة وفقدت وحدات التحالف نسبة كبيرة من امكانية الصمود، خاصة أنها مضطرة لتثبيت جهود ضخمة على جبهة الدفاع عن مأرب، ولا يمكن لها بتاتًا أن تخفف منها لدعم جبهة جنوب البيضاء.
وهكذا، مع ثبات حكومة صنعاء أمام الحصار القاسي من جهة، وأمام الضغوط السياسية ومحاولات التهديد والوعيد التي حاول التحالف والدول الداعمة له وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية والأمم المتحدة ممثلة بمبعوثها الى اليمن فرضها عليها، وأمام مناورة الجيش واللجان الشعبية وانصار الله الهجومية المركبة في غرب مأرب وبنفس الوقت في جنوب البيضاء، ومع فقدان التحالف نقطة القوة الميدانية العنيفة التي كانت تقدمها له الوحدات المتشددة، بعد خسارتهم أغلب مواقعهم الحيوية، ومع هذا التشرذم في جبهة التحالف أولًا لناحية تشكيك الانتقالي الجنوبي في قدرة التحالف على الاستمرار في معركته الاساسية، وثانيًا لناحية ما يظهر واضحًا من عدم استعداد وحدات الأخير (الانتقالي الجنوبي) للانخراط مجددًا في معركة التحالف، حيث أصبح يراها فقط لتعويم الرئيس المخلوع عبد ربه منصور هادي.
لذلك، وأمام كل هذه المعطيات، لم يعد مستبعدًا أن تشهد تلك الجبهات تقدمًا سريعًا وصاعقًا لحكومة صنعاء على محورين: الأول جنوبًا نحو طريق لحج - عدن أو طريق مكيراس - اللودر - زنجبار، والثاني جنوب شرق نحو شبوة - المكلا، بالإضافة طبعًا لتثبيت التقدم الأساسي والاستراتيجي نحو مأرب، واستثماره حتى النهاية لمصلحة إنهاء عدوان التحالف وتغليب الحل السياسي العادل، والذي طالما نادت به حكومة صنعاء وحركة انصار الله.
شارل ابي نادر