لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بـ(دعاء علقمة او صفوان)، حيث وظف الدعاء المذكور لقراءته بعد زيارة الامام علي(ع) الزيارة السادسة وزيارة الامام الحسين(ع) عاشوراء.
وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة من الدعاء المذكور ونحدثك عن الجديد منها الان وهو المقطع الذي يتجه الى الله تعالى بالفقرات الاتية (خاب من كان جاره سواك، ومغيثه سواك، ومفزعه الى سواك، ومهربه الى سواك، وملجؤه الى غيرك، ومنجاه من مخلوق غيرك، فانت ثقتي ورجائي ومفزعي ومهربي وملجئي ومنجاي).
هذا المقطع ـ كما تلاحظ ـ هو امتداد لما حدثناك عنه في لقاءات سابقة تتحدث عن توسل الزائر بالله تعالى بان يرفع عنه الشدائد حيث وصف الله تعالى بانه المغيث والجار والمفرج وها هو يعقب على المعنى المذكور أي ان الله تعالى هو المجير والمغيث والمفرج حيث يذكر الدعاء ان من يتجه الى غير الله تعالى في طلبه للحوائج انما هو خائب ولذلك قال (خاب من كان جاره سواك)، وما يعنينا الان هو ملاحظة النكات الواردة في هذا المقطع وهذا ما نبدأ به الان.
ان مقطع الدعاء يشير الى جملة سمات تتصل بعظمة الله تعالى ورحمته هي المجير المغيث المفزع المهرب الملجأ المنجى الثقة الرجاء.
هذه السمات حدثناك عن بعضها وهي انه تعالى مجير ومغيث ولكننا لم نحدثك عن السمات الاخرى التي عرضناها الان فماذا تعني كل واحدة منها؟
بما اننا حدثناك عن المجير والمغيث فلا نعيد الكلام في ذلك ولكننا نتحدث عن السمات الاخرى واولاها هي صفة المفزع فماذا نستلهم منها؟
الذي نستخلصه من هذه الكلمة هو اللجوء الى جهة ما ولكنه مصحوب بالفزع أي الخوف من الآخر وهذا يعني ان المفزع من الناس هو من يلجأ اليه من خوف الاخرين وبالنسبة الى الله تعالى فانه هو المفزع للمؤمنين كما هو واضح وهذا بالنسبة الى صفة المفزع ولكن ماذا بالنسبة الى صفة المهرب بخاصة انها تتواكب دلالته مع المفزع هذا ما نبدأ بتوضيحه.
لنفترض انك هربت من جهة خائفاً ولجأت الى مكان آمن، حينئذ فان الهروب هو غير اللجوء او غير الفزع الى مكان ما فالهروب هو مجرد فرار من خطر حدق بك، واما الفزع او اللجوء المصحوب بالخوف فهو مجرد بحثك عن مكان آمن، بغض النظر عن الهروب او عدمه لذلك فان المهرب هو الجهة التي يتجه اليها الشخص وهي قد تكون ملجأ او حصناً او مكاناً مادياً، وقد تكون ظاهرة معنوية هي الجهة الآمنة من الاخطار.
تبقى مفردتان هما الملجأ والمنجى وردتا في مقطع الدعاء فماذا نستلهم منهما؟
الملجأ هو المكان الآمن والمنجى هو الجهة التي تنأى بالشخصية عن الخطر، والفارق بينهما هو انك على سبيل المثال عندما تدخل الى ملجأ عسكري حينئذ تتحامى اخطار السلاح الذي قد يصيبك اذا لم تكن في الملجأ واما المنجى فهو اعم من الملجأ ومن غيره انه اية فرضية نفترضها بالنسبة الى حصوله النجاة من الشدة فقد تسافر مثلاً الى بلداً آخر وتتحقق النجاة من سلاح العدو مثلاً وقد تقرأ مثلاً بعض الاذكار وتتحقق النجاة من سلاح العدو تبعاً لما قرره المعصوم(ع) من ان الصاعقة لا تصب الذاكر مثلاً.
اذن المنجى هو اعم من الملجأ حيث يمثل النتيجة التي يتوخاها قارئ الدعاء من الكلمات المذكورة وهذا يعني ان مقطع الدعاء قد نوع لنا سبل توجهنا الى الله تعالى حيث انه تعالى منجانا وملجؤنا ومهربنا ومفزعنا، بالتفصيل الذي حدثناك عنه.
يبقى ان نشير الى مفردتين هما الثقة والرجاء حيث اوضح الدعاء بان الله تعالى هو ثقة من يدعو وهو رجاء لما يرجوه الداعي ونعتقد ان الثقة هي الظاهرة المتسمة بأهمية كبيرة لانها مقترنة بحسن الظن بالله تعالى حيث انه تعالى دائماً في حسن ظن عبده.
واما الرجاء فلا يحتاج الى توضيح فما دامت الفاعلية في الحياة الدنيا والاخرة هي متمحضة عند الله تعالى ولا يشاركه مخلوق في ذلك، فهذا يعني ان الله تعالى وحده رجاء المخلوقات في توسلها بالله تعالى في خلاصها من الشدائد.
اخيراً نسأله تعالى ان يوفقنا الى ممارسة الطاعة التي خلقنا من اجلها والتصاعد بها الى النحو المطلوب.