لا نزال نحدثك عن الادعية المباركة ومنها الدعاء الموسوم بدعاء علقمة وهو دعاء يتلى بعد زيارة الامامين علي والحسين عليهما السلام بزيارة عاشوراء المباركة وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه ونحدثك الان عن فقرات جديدة من الدعاء وهي امتداد لفقرات سابقة تتوسل بالله تعالى بان ينتصر لعبده من العدو وان يلحق بالعدو عقاباً دنيوياً وهذه الفقرات هي (اللهم اضرب بالذل نصب عينيه، وادخل عليه الفقر في منزله والعلة والسقم في بدنه).
هذه الفقرات لا حاجة بنا الى تكرار الحديث عن مسوغاتها ما دمنا قد اشرنا في لقاءات سابقة انها تحمل على اعداء الله تعالى من كفار ونواصب والذين يؤذون المؤمنين بيد ان السؤال الجديد الان هو ان التوسل بالله تعالى بان يذل الاعداء ويفقرهم ويمرضهم انما جعل بنحو يستدعي التأمل وينطوي على نكات وطرائف يحسن بقارئ الدعاء ان يلم بها.
تقول العبارة الاولى من النص المتقدم (اللهم اضرب بالذل نصب عينيه)، والسؤال هو ما هي النكتة الكامنة وراء العبارة المتقدمة؟
اننا نعرف ان الذل هو عقاب حاد لا تتحمله الشخصية البشرية بغض النظر عن انتمائها الفكري او العرقي او غيره، لان الكرامة هي المعنى لدلالة الانسان المييز عن غير من الحيوانات.
ولكن الملاحظ ان الدعاء لم يكتف بالتوسل بالله تعالى بان يذل العدو بشكل عام بل الاذلال المستمر الذي لا ينقطع طبيعياً قد يذل الانسان في موقف عابر كما لو أهين من قبل شخص ما، وقد يذل بعض الاوقات كما لو كان قد طرد من منصبه او افتقر لزمان محدد ولكن الدعاء الذي نتحدث عنه توسل بالله تعالى بان يجعل الذل استمرارياً بالنسبة الى العدو، كيف ذلك؟
يقول الدعاء (اللهم اضرب بالذل نصب عينيه)، ومما لا شك فيه ان هذه العبارة هي صورة فنية تنتمي الى ما نسميه بالاستعارة او الرمز بصفة ان الذل هو سمة نفسية يتحسسها الشخص وقد استعار النص لها رمزاً هو ان يكون الذل بمثابة شاخص ينصب امام عينيه ولا نعتقد ان ثمة صورة تضاهي هذا المرأى الذي رسمه النص للتعبير عن الذل المستمر في حياة العدو والسر في ذلك هو ان الشاخص المنصوب يظل اشارة لا يغيب عن ناظر الشخصية وهو ما يكدرها طيلة حياته.
وهذا فيما يتصل بعبارة (واضرب بالذل نصب عينيه)، ولكن ماذا بالنسبة الى عبارة (وادخل عليه الفقر في منزله)؟
ان هذه العبارة تنطوي على نكات متنوعة لا نحسب ان قارئ الدعاء ينتبه عليها نظراً للضبابية الشفافة في استخلاص دلالتها.
لذلك نتساءل ما هي النكات او الطرائف الكامنة وراء التعبير المذكور؟
ان قارئ الدعاء قد يقول انه من الممكن ان يكون الفقر استمرارياً طيلة حياة العدو وهذا كاف في شدة العقاب الذي يطاله.
الا ان السؤال هو لماذا قال النص وادخل الفقر في منزله؟ انه من المحتمل مثلاً ان يكون المقصود من ذلك هو ان يكون الفقر مستمراً حيثما يحل ويرحل فمثلاً قد يفتقر العدو في مدينته ولكنه يهاجر الى وطن آخر فيتحسن رزقه ولكن الدعاء يستهدف الاشارة الى ان الفقر لا يبارح صاحبه حيثما نزل أي ان عبارة منزله هي المكان الذي ينزل فيه او البقعة الجغرافية التي يحل فيها وبذلك يكون الفقر ملازماً له حينما يرتحل ويحل.
يبقى ان نحدثك عن العبارة القائلة (والعلة والسقم في بدنه)، وبما ان هذه العبارة بدورها تحتاج الى القاء الانارة عليها لذلك سنؤجل الحديث عنها الى لقاء لاحق ان شاء الله تعالى.
ختاماً نسأله تعالى ان يكفينا شر الاعداء وان يوفقنا الى ممارسة الطاعة والتصاعد بها الى النحو المطلوب.