نتابع حديثنا عن الادعية المباركة وما تتضمنه من الموضوعات النفسية والاجتماعية والمعرفية والعبادية، ومنها دعاء (علقمة او صفوان)، حيث يتلى بعد زيارة عاشوراء المشهورة وقد حدثناك عن مقاطع متسلسلة منه، ونواصل حديثنا عن احد مقاطعه البادئة بقول المعصوم(ع) (أسألك ان تصلي على محمد وآل محمد) الى ان يقول (وتجيرني من الفقر وتجيرني من الفاقة، وتغنيني عن المسألة الى المخلوقين)، ان هذه الفقرات الثلاث تتناول قضايا فردية خاصة بقارئ الدعاء ولكنها ذات اهمية من دون ادنى شك، انها قضايا الفقر، وقضايا الفاقة وقضايا المسألة الى المخلوقين، وقد كررنا في لقاءات سابقة ان القضايا الفردية مع انها لا تقاس بالقضايا العامة التي ينبغي ان تعنى الشخصية الاسلامية بها الا انها تنعكس على المهمة العبادية للانسان فالفقر مثلاً قد يتعذر عليه تحقيق توازنه الذي يسمح له بممارسة وظيفته العبادية.
وهذا ما نبدأ بالقاء الانارة عليه بنحو من التفصيل.
ان ظاهرة الفقر تحمل زاويتين احداهما تسحب اثرها الايجابي على الشخصية والاخرى على العكس من ذلك، أي تسحب اثرها السلبي كيف ذلك؟
من الواضح ان الفقر يظل في احد جوانبه ظاهرة سلبية في حالة ما اذا كانت الشخصية ذات وعي عبادي ضعيف او ذات تركيبة مضطربة بحيث تجزع من الفقر، وسبب ذلك من الوضوح بمكان.
فما دام الانسان بحاجة الى الطعام والسكن ونحوهما فان عدم اشباعها يجعل الشخصية فاقدة لتوازنها ولذلك ورد من النصوص الشرعية يشير الى ان الفقر كاد ان يكون كفراً أي ان الشخصية التي لا تملك ما يسد جوعها او مما يستر جسدها او ما يؤثث بيتها حينئذ فان الاضطراب والتوتر والقلق سيظل يمزقها الى ان تصل درجة ذلك الى الكفر والعياذ بالله.
لذلك فان الدعاء حينما يتوسل بالله تعالى ان يجر القارئ للدعاء من الفقر يظل حاملاً مسوغة الكبير دون ادنى شك. لكن في الآن ذاته لا نغفل بان الفقر من الزاوية الاخرى أي في حالة ما اذا فرضنا ان صاحبه يحمل وعياً عبادياً ونفساً سوية حينئذ فان الفقر سوف لا يعكس اثره على مثل هذه الشخصية بل العكس نجد ان الفقر يقع موضع ترحيب من مثل هذه الشخصية ذات الوعي العبادي، فما هو السر؟
السر هو من زوايا متنوعة منها ان الفقر لا يلهي الشخصية بمتاع الحياة الدنيا بصفة ان المال الكثير سوف يحمل الشخصية على العناية بهذا المال وجمعه واستهلاكه في ترف ومتاع الحياة الدنيا ولذلك ورد ما يشير الى ان قليلاً يكفي خير من كثير يلهي.
ثمة عطاء اخر لظاهرة الفقر الا وهو اعفاء صاحبه من مسؤولية اعانة الاخرين اذ انه من الواضح ان ثمة طبقات فقيرة تحتاج الى الاشباع وهذه الطبقات قد تشبع من خلال اعطائها الخمس او اعطائها الزكات الواجبة ونحوها، ولكن ايضاً قد ورد ما يفسر النص القرآني الكريم الذاهب الى ان في اموالهم حقاً للسائل والمحروم، والنص القرآني المتوعد من يمنع الماعون حيث تشير النصوص المفسرة الى ان الاموال غير الواجبة يتعين على صاحبها ان ينفقها ايضاً ما دام قادراً على ذلك اذا كان هناك من جار او قريب او حتى من هو البعيد عن النسب والجوار حينئذ يتعين على المقتدر مادياً أي الغني ان يهب الى مساعدة هؤلاء من هنا اذا كان الشخص فقيراً حينئذ سوف تسقط المسؤولية المتقدمة عليه وهذا عطاء من دون ادنى شك.
اذن الفقر من الزاوية الاخرى له معطياته المنسحبة على الشخصيات المؤمنة ولذلك ورد القول عن ظاهرة الفقر بعبارة مرحباً بشعار الصالحين أي ان الفقر هو شعار الشخصية الصالحة للاسباب التي ذكرناها ولسواها.
ختاماً نسأله تعالى ان يجعلنا ممن تغنيه الممارسة العبادية الحقة وذلك بان يكون الغنى او عدمه هو من مصلحتنا وان يوفقنا الى ممارسة ذلك والتصاعد به الى النحو المطلوب.