البث المباشر

الطريقة الانسانية والفطرية

الثلاثاء 20 نوفمبر 2018 - 14:14 بتوقيت طهران
الطريقة الانسانية والفطرية

الطريقة الانسانية والفطرية لتفسير التاريخ تقف في النقطة المقابلة للتفسير الالي.

هذه الطريقة تمنع الانسان والقيم الانسانية أصالة سواء على مستوى الفرد أم على مستوى المجتمع.
هذه الطريقة تنظر الى الكائن الانساني - في اطار علم النفس - بانه مكون من مجموعة غرائز مادية يشترك فيها سائر الحيوانات، ومجموعة من الغرائز السامية التي تميزه عن غيره من الحيوانات كالغريزة الدينية والغريزة الاخلاقية وغريزة البحث عن الحقيقة "حب التطلع" والغريزة الجمالية. و في الاطار الفلسفي، تنظر هذه الطريقة الى المجتمع "من حيث ارتباط أجزائه وافراده بأنه تركيب حقيقي، كما تنظر الى المجتمع "من حيث خصاله" بأنه مجموعة من الخصال الدانية والسامية للافراد اضافة الى مجموعة خصال باقية مستمرة في المجتمع. هذه الخصال الباقية المستمرة تتحكم في المجتمعات دون أن تاثر بفناء الافراد.
على ان تكامل الانسان والمجتمع الانساني يمنح هذه الخصال الباقية نظاما أفضل.
مسيرة التاريخ - انطلاقا من هذه النظرة - متحولة متكاملة كالطبيعة ذاتها، والحركة باتجاه الكمال ضرورة لا تنفصل عن ذات اجزاء الطبيعة بما فيها التاريخ. تحول التاريخ وتكامله لا يقتصر على الجانب الفني والالي.. أي لا يقتصر على الجانب المدني، بل انه يعم ويشمل جميع الشؤون المعنوية والثقافية للانسان، ويتجه نحو تحرير الانسان من القيود البيئية والاجتماعية. و الانسان بفعل تكامله الشامل يتحرر تدريجيا من ارتباطه ببيئته الطبيعية والاجتماعية ويتجه نحو توثيق ارتباطه بالعقيدة والايمان والايديولوجية، وسيصل في المستقبل الى الحرية المعنوية التامة المتمثلة في الارتباط التام بالعقيدة والايمان والمدرسة الفكرية. الانسان في الماضي كان أسيرا وعبدا لقوى الطبيعة على الرغم من قلة تمتعه بمواهبها، والانسان في المستقبل سيتحرر من قيود الطبيعة وستزداد سيطرته عليها في نفس الوقت الذي سيزداد استثماره للطبيعة الى أقصى حد ممكن. لا ينبغي تفسير التكامل بآلات الانتاج، ولا ينبغي اتخاذ المعلول مكان العلة. تكامل وسائل الانتاج هو بدوره معلول اندفاع الانسان الفطري نحو الكمال والتنويع والاستزاده، وناتج عن قوة الابتكار لدى الافراد. هذه القوة وذاك الانداع يتسعان باستمرار جنبا الى جنب في جميع جوانب الحياة الانسانية.
وهذه الطريقة ترى أن من خصائص الانسان انطواءه على صراع داخلي بين الجانب الارضي والترابي، والجانب السماوي المتعالي.. أي بين الغرائز الهابطة ذات الهدف الفردي المحدود الموقت، والغرائز السامية التي تتجاوز حدود الفردية وتتسع لجميع البشرية وتستهدف تحقيق القيم الخلقية والدينية والعلمية والعقلية.. هذا الصراع أطلق عليه القدماء اسم النزاع بين العقل والنفس. هذا الصراع الداخلي في نفس الانسان سينجر الى صراع بين المجموعات البشرية، ويتخذ صورة حرب بين الانسان المتكامل المتحرر روحيا، والانسان المنحط المغلول بقيود حيوانية. هذا الاتجاه الفكري يقبل مبدا الصراع الاجتماعي ويؤمن بدور هذا الصراع في تغيير التاريخ وتكامله. لكنه يرفض أن يكون هذا الصراع طبقيا دائرا بين الفئة المرتبطة بوسائل الانتاج والنظم الاجتماعية القديمة، وبين الفئة المرتبطة بوسائل الانتاج الجديدة. فالصراع الذي يؤمن به هذا الاتجاه الفكري ويؤمن بدوره في تطوير التاريخ هو الصراع بين الافراد الملتزمين المؤمنين الهادفين المتحررين من قيود الطبيعة والغرائز الحيوانية، والافراد المنحطين المتسافلين الراسفين في اغلال الشهوات الهابطة. وقائع التاريخ تشهد أن كثيرا من الثورات التي قامت من اجل تأمين الاحتياجات المادية للمجتمع تصدر قيادتها ودعمها على الاقل رجال متحررون من قيود الشهوات الهابطة. وبين الطريقتين "الالية والانسانية" اختلاف في تفسير طبيعة الثورات والنهضات.
الطريقة الالية: ترى أن تكامل وسائل الانتاج يخلق طبقة محرومة تنهض بالثورات من أجل تامين احتياجاتها المادية، فتعمد هذه الطبقة الى تغيير الانظمة والقوانين الموجودة وتستبدلها بانظمة وقوانين جديدة.. وتدعي أيضا: أن المحتوي الداخلي لاي انسان يعكس مكانته الطبقية، والطبقة الحاكمة تسعى دوما الى حفظ النظام القائم وصيانته. اما الطريقة الانسانية: فتقدم أمثلة تاريخية للثورات التي لم تقتصر على الطبقة المحرومة، بل نهض فيها افراد نشأوا في الطبقات المرفهة، ووقفوا بوجه النظام الحاكم بقوة وبسالة كنهضات ابراهيم وموسى ومحمد والحسين بن علي. ولم تكن اهداف الثوار مادية دوما، وخير دليل على ذلك ما شهده التاريخ الاسلامي من نهضات في سبيل الله، وخاصة في عصر صدر الاسلام، فيصف علي بن أبي طالب عليه السلام الرعيل الأول من المسلمين المجاهدين فيقول: حملوا بصائرهم على أسيافهم. والثورات والنهضات لم تكن دوما مرافقه لتطور وسائل الانتاج، كالنهضات التي شهدها الشرق والغرب خلال القرون الاخيرة من اجل مقارعة الاستبداد والطغيان.. فاي تطوير لوسائل الانتاج حدث في ايران - مثلا - ابان النهضة الدستورية؟! ولم تكن الفوضى الاجتماعية دوما وليدة نقص القوانين الموجودة.. بل كانت أحيانا وليدة عدم تنفيذ القوانين النظرية المقبولة، فانطلقت الحركات الاجتماعية من أجل تطبيق هذه القوانين وتنفيذها عمليا، كحركات الشعوبية وثورات العلويين في التاريخ الاسلامي. واخيراً.. فالانسان ليس بالموجود الذي لا يملك أية قدرة في التحكم بنفسه، وليس بالكائن المدفوع دوما بدوافع غرائزه المادية ومصالحه الذاتية الآنية.

نتائج الاتجاه الانساني والفطري لتفسير التاريخ

1 - المعارك الرابحة: 

معارك التاريخ اتخذت اشكالا وماهيات مختلفة وانطلقت من علل واسباب متباينة، لكن المعارك التقدمية التي دفعت بعجلة التاريخ والانسانية على سلم الارتقاء هي المعارك التي دارت رحاها بين الانسان العقائدي الملتزم المؤمن المتسامي والانسان العابث المنحط المغلول بقيود شهواته الحيوانية والبعيد عن خط الالتزام والهدف والتعقل. المعارك التقدمية التكاملية ليست بذات صفة طبقية وليست بالمجابهة بين القديم والجديد بالمفهوم الذي ينص عليه الاتجاه الالي. المعارك البشرية تتجه على مر التاريخ بالتدريج نحو اتخاذ صفة ايديولوجية، ويتجه الانسان بالتدريج نحو التكامل في قيمة الانسانية، أي يقترب من الانسان المثالي ومن المجتمع المثالي. ستكون نهاية المسيرة الانسانية اقامة حكومة العدل وحكومة سيادة القيم الانسانية، وبالتعبير الاسلامي "حكومة المهدي". كما ستزول حكومة قوى الباطل والطغيان والضلال المنساقة بدوافعها الحيوانية والانانية.

2 - حلقة التاريخ: 

التسلسل المنطقي لحلقات التاريخ ليس له أساس من الصحة كما يصوره أصحاب التفسير الالي. وقائع التاريخ عامة وما شهده القرن الماضي خاصة تؤكد زيف هذه النظرية. في القرن الماضي اتجهت بلدان الى الاشتراكية دون أن تطوي المرحلة الراسمالية نظير الاتحاد السوفيتي والصين وبلدان اوربا الشرقية. ومن جهة اخرى ثمة بلدان بلغت فيها الراسمالية ذروتها كالولايات المتحدة وبريطانيا، لكنها بقيت في هذه المرحلة دون تغيير وانتقال، وثبت خطا كل التوقعات التي أعرب عنها زعماء الاتجاه الالي حين اكدوا على قرب اندلاع الثورة العمالية في البلدان الصناعية كبريطانيا وفرنسا. احداث التاريخ اوضحت زيف ادعاءات الجبر وأثبتت امكان وصول طبقة البروليتاريا الى درجة معينة من الرفاه بحيث لم تعد تخامرها فكرة الثورة. كما اثبتت امكان انتقال مجتمع من الحاله البدويه الى اسمى مراحل الحضارة الانسانية على اثر انبثاق ايديولوجية معينة وانتشار ايمان ديني بين افراد المجتمع كما حدث في صدر الاسلام.

3 - قدسية النضال

مشروعية النضال وقداسته لا تنحصر في اطار الوقوف بوجه الاعتداء على الحقوق الفردية والوطنية، بل ان اطار هذه المشروعية والقداسة يتسع لكل نضال يستهدف الدفاع عن احدى المقدسات البشرية المهددة بالخطر. فالنضال مشروع متى ما تعرض حق لخطر، خاصة اذا كان ذلك الحق يتعلق بالمجتمع الانساني، كالنضال من أجل التحرير، ومن اجل انقاذ المستضعفين - على حد التعبير القرآني - كما ان النضال على طريق التوحيد مشروع متي ما تعرض التوحيد للخطر - أيا كان هذا الخطر - اذ انه اهم مقومات سعادة البشرية.

4 - الاصلاحات:

الاصلاحات الجانبية والتدريجية لا يمكن ادانتها باي شكل من الاشكال. فالتاريخ لا يطوي مسيرته عبر الاضداد ومن هنا فالاصلاحات الجانبية والتدريجية لا تمنع مسيرته التكاملية ولا تقف بوجه انفجار احداثه. الاصلاحات الجانبية التدريجية تساهم بدورها في دعم الحق خلال صراعه مع الباطل، كما تساعد في دفع مسيرة التاريخ لصالح دعة الحق. ومقابل ذلك، فاعمال الفسق والفجور تساعد قوى العدوان، وتعيق حركة التاريخ لما فيه ضرر اصحاب الحق. تطور الاحداث - بناء على هذا التصور - هو كنضج الفاكهة على غصن الشجرة، لا كانفجار القدر الكاتم كما في التصور الالي. فالشجرة تعطي فاكهة أفضل واسلم، وربما أسرع، لو اهتممنا برعايتها وسقيها وكافحنا آفاتها.

5 - اثارة الفوضى

الدليل على شرعية الاصلاحات الجزئية التدريجية هو ذاته الدليل على عدم شرعية اعمال التخريب واثارة الفوضى والاضطرابات من اجل خلق الازمات والضائقات، بخلاف النظرية الالية التي تضفي صفة الشرعية على مثل هذه الاعمال.

6 - تارجح منحني التاريخ: 

المسيرة التاريخية في خطها الكلي العام تتجه نحو التكامل الا ان هذا الخط المتصاعد لا يسير سيرا تكامليا جبريا في جميع نقاطه. فليس من الضروري حتما ان يكون المجتمع في مرحلة معينة من تاريخه اكثر تكاملا من مرحلته التاريخية السابقة، لان العامل الاساسي في حركة التاريخ هو الانسان، والانسان موجود مختار وذو ارادة حرة. منحني المسيرة البشرية يتارجح بين الهبوط والارتفاع، وبين السرعة والبطء والسكون احيانا. وتاريخ الحضارات البشرية ليس سوى سلسلة من حالات الازدهار والهبوط والسقوط والانقراض. وكما يقول "تويمبي": انحطاط الحضارات امر لا يمكن رفضه لكن تاريخ البشرية يطوي بمجموعة مسيرة تكاملية.

7 - التحرر من اغلال الطبيعة: 

المسيرة التكاملية للبشرية تتجه نحو التحرر من اغلال الطبيعة المادية والظروف الاقتصادية والمصالح الفردية والجماعية لتتخذ طابع الالتزام والايمان الفكري. ارادة الانسان الابتدائي كانت محدودة غالبا بتاثيرات بيئته الطبيعية والاجتماعية وغرائزه الحيوانية، لكن ارادة الانسان المتطور تحررت بالتدريج من اسر البيئة والغرائز الحيوانية، بل واضحت تتحكم في عوامل البيئة والغرائز تبعا لتكامل ثقافة الانسان واتساع آفاقه وازدياد التزامه بالايديولوجيات التقدمية.

8 - ماهية الجهاد: 

حركة الجهاد والامر بالمعروف لها ماهية انسانية لاطبقية.

9 - اصالة القوى الفكرية والاخلاقية: 

قوة الاقناع الفكري، اي قوة الاستدلال والبرهان، لها اصالتها في الموجود الانساني، وبعبارة اخرى: الضمير البشري - سواء من الناحية الفكرية، ومن حيث النزوع نحو السمو الانساني - قوة اصيلة تتحكم احيانا في المتطلبات المادية.

10 - المثلث الهيغلي: 

مثلث الديالكتيك "الاطروحة والطباق والتركيب" بشكله اليهغلي الماركسي لا ينطبق على التاريخ ولا على الطبيعة. حلقات التاريخ ليست سلسلة من الاضداد المنبثقة بعضها من بعض. كما ان الطبيعة لا تسير عبر هذا المثلث… هذا المثلث يقوم على اساس تبدلين وتركيب واحد، اي تبدل الشيء الى ضده، وهذا الضد الى ضده، ثم يحدث التركيب في المرحلة الثالثة. وما يحدث في الطبيعة اما أن يكون تركيبا للاضداد دونما تبدل، او تبدلا للاضداد دونما تركيب، وان يكون تكاملا خاليا من تركيب الاضداد وتبدلها. فتفاعل الاوكسجين والهيدروجين تركيب ليس فيه تبدل "اي لم يتبدل احد العنصرين الى العنصر الاخر"… ويحدث احيانا ان تتدخل الطبيعة في ايجاد حالة تعادل بين ظاهرتين متناقضتين. وفي مثل هذه الحالة يحدث تبدل ليس معه تركيب وتكامل. وجدير بنا ان نقول للمغرمين بالفاظ المثلث الهيغلي وبلفظة الديالكتيك: اننا نستطيع ان نطلق على احد الموجودين المتفاعلين اسم "الاطروحة" وعلى الاخر اسم "الطباق" وكذلك على حالة التعادل بين الظاهرتين المتناقضتين اسم "التركيب". كما نستطيع ايضا ان نطلق على كل فكر يقوم على اساس الحركة والتناقض اسم "الفكر الديالكتيكي". ولو ان هذا الفكر يفتقد العنصر الاساسي الذي امتازت به الماركسية. لكنه ينبغي الالتفات الى ان اطلاق هذه الالفاظ هو اصطلاحي محض قد تدفعنا اليه رغبة شخصية لااكثر. 

 

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة