إنّ هذا الترصين وإكمال البناء الذي نريد الحديث عنه قد قام به الإمام الهادي(عليه السلام) في كل المجالات التي تهمّ الجماعة الصالحة التي سوف تفقد نعمة الارتباط بالإمام المعصوم(عليه السلام) في وقت لاحق وقريب جداً. فلابد أن يتكامل بناؤها بحيث تكتفي بما لديها من نصوص وتراث علمي وعلماء بالله تعالى يمارسون مهمة الريادة الاجتماعية والفكرية والدينية ويسهرون على مصالح وشؤون هذه الجماعة لتستمر في مسيرتها التكاملية باتجاه الأهداف الرسالية المرسومة لها.
ونلخّص هذا التحصين في المجالات التالية:
الف: التحصين العقائدي
ب: التحصين العلمي
ج: التحصين التربوي
د: التحصين الأمني
هـ: التحصين الاقتصادي
التحصين العقائدي
تمثَّلَ التحصين العقائدي الذي مارسه الإمام(عليه السلام) في تبيان وشرح وتعميق المفاهيم العقائدية بشكل خاص والدينية بشكل عام. كما تمثّل في دفع الشبهات والإثارات الفكرية كانت تتداولها المدارس الفكرية آنذاك.
والنصوص التي اُثرت عن الإمام (عليه السلام) حول الرؤية والجبر والاختيار والتفويض والرد على الشبهات المثارة حول آيات القرآن الكريم تفيد تصدّي الإمام(عليه السلام) لهذا التحصين العقائدي في الساحة الإسلامية العامة والخاصة معاً.
ولم يكتف الإمام(عليه السلام) بالرد على الشبهات العامة بل تصدّى للردّ الخاص على ما كان يثار من تساؤلات خاصة تعرض لافراد من أتباعه أو ممن كان يتوسّم فيهم الإمام(عليه السلام) الانقياد للحق كبعض الواقفة الذين اهتدوا بفضل توجيهات الإمام(عليه السلام).
قال علي بن مهزيار: وردت العسكر وأنا شاكّ في الإمامة فرأيت السلطان قد خرج الى الصيد في يوم الربيع إلاّ انّه صائف والناس عليهم ثبات الصيف وعلى أبي الحسن لباد وعلى فرسه تجفاف لبود وقد عقد ذنب الفرس، والناس يتعجبون منه ويقولون ألا ترون هذا المدني ما قد فعل بنفسه، فقلت في نفسي: لو كان هذا إماماً، ما فعل هذا.
فلما خرج الناس الى الصحراء لم يلبثوا ان ارتفعت سحابة عظيمة هطلت فلم يبق أحد إلاّ ابتلّ حتى غرق بالمطر وعاد(عليه السلام) وهو سالم من جميعه، فقلت في نفسي: يوشك أن يكون هو الإمام، ثم قلت: اُريد أن اسأله عن الجنب إذا غرق في الثوب فقلت في نفسي: ان كشف وجهه فهو الإمام.
فلمّا قرب مني كشف وجهه ثم قال: إن كان عرق الجنب في الثوب وجنابته من حرام لا يجوز الصلاة فيه وان كان جنابته من حلال فلا بأس. فلم يبق في نفسي بعد ذلك شبهة(1).
وروى هبة الله بن أبي منصور الموصلي أنه كان بديار ربيعة كاتب نصراني وكان من أهل كفرتوثا يسمى يوسف بن يعقوب وكان بينه وبين والدي صداقة، قال: فوافى فنزل عند والدي فقال له: ما شأنك قدمت في هذا الوقت؟ قال: دعيت الى حضرة المتوكل ولا أدري ما يراد مني إلاّ أني اشتريت نفسي من الله بمائة دينار، وقد حملتها لعلي بن محمد بن الرضا(عليهم السلام) معي فقال له والدي: قد وفّقت في هذا.
قال: وخرج الى حضرة المتوكل وانصرف إلينا بعد أيام قلائل فرحاً مستبشراً فقال له والدي: حدثني حديثك، قال: صرت الى سرّ من رأى وما دخلتها قطّ فنزلت في دار وقلت اُحبّ أن اُوصل المائة الى ابن الرضا(عليه السلام) قبل مصيري الى باب المتوكل وقبل أن يعرف أحد قدومي، قال: فعرفت أن المتوكل قد منعه من الركوب وأنه ملازم لداره، فقلت: كيف أصنع؟ رجل نصراني يسأل عن دار ابن الرضا؟ لا آمن أن يبدربي فيكون ذلك زيادة فيما اُحاذره.
قال: ففكّرت ساعة في ذلك فوقع في قلبي أن أركب حماري وأخرج في البلد ولا أمنعه من حيث يذهب لعلّي أقف على معرفة داره من غير أن اسأل أحداً، قال: فجعلت الدنانير في كاغذة وجعلتها في كمّي وركبت فكان الحمار يتخرق الشوارع والأسواق يمرّ حيث يشاء الى أن صرت الى باب دار، فوقف الحمار فجهدت أن يزول فلم يزل، فقلت للغلام: سل لمن هذه الدار، فقيل: هذه دار ابن الرضا! فقلت: الله أكبر دلالة والله مقنعة.
قال: وإذا خادم أسود قد خرج، فقال: أنت يوسف بن يعقوب؟ قلت: نعم. قال: إنزل، فنزلت فأقعدني في الدّهليز فدخل، فقلت في نفسي: هذه دلالة اُخرى من أين عرف هذا الغلام اسمي وليس في هذا البلد من يعرفني ولا دخلته قط.
قال: فخرج الخادم فقال: مائة دينار التي في كمّك في الكاغذ هاتها! فناولته إيّاها، قلت: وهذه ثالثة. ثم رجع إليّ وقال: ادخل فدخلت إليه وهو في مجلسه وحده فقال: يا يوسف ما آن لك؟ فقلت: يا مولاي قد بان لي من البرهان ما فيه كفاية لمن اكتفى.
فقال: هيهات إنّك لا تسلم ولكن سيسلم ولدك فلان، وهو من شيعتنا، يا يوسف إن أقواماً يزعمون أنّ ولايتنا لا تنفع أمثالكم، كذبوا والله إنها لتنفع أمثالك امض فيما وافيت له فانّك سترى ما تحبّ. قال: فمضيت الى باب المتوكل فقلت كلّ ما أردت فانصرفت.
قال هبة الله: فلقيت ابنه بعد هذا ـ يعني بعد موت والده ـ والله وهو مسلم حسن التشيع فأخبرني أن أباه مات على النصرانية، وأنّه أسلم بعد موت أبيه، وكان يقول: أنا بشارة مولاي(عليه السلام)(2).
وروى أبو القاسم البغدادي عن زرارة قال: أراد المتوكّل: أن يمشي علي ابن محمد بن الرضا(عليهم السلام) يوم السّلام فقال له وزيره: إنّ في هذا شناعة عليك وسوء قالة فلا تفعل، قال: لا بد من هذا. قال: فان لم يكن بد من هذا فتقدم بأن يمشي القوّاد والأشراف كلهم، حتى لا يظن الناس أنك قصدته بهذا دون غيره، ففعل و مشى(عليه السلام) وكان الصيف فوافى الدهليز وقد عرق.قال: فلقيته فأجلسته في الدهليز ومسحت وجهه بمنديل وقلت: ابن عمّك لم يقصدك بهذا دون غيرك، فلا تجد عليك في قلبك.
فقال: إيهاً عنك (تمتعوا في داركم ثلاثة أيام، ذلك وعد غير مكذوب).
قال زرارة: وكان عندي معلم يتشيّع وكنت كثيراً اُمازحه بالرافضيّ فانصرفت الى منزلي وقت العشاء وقلت: تعال يا رافضي حتى اُحدثك بشيء سمعته اليوم من إمامكم، قال لي: وما سمعت؟ فأخبرته بما قال، فقال: أقول لك فاقبل نصيحتي. قلت: هاتها، قال: إن كان عليّ بن محمد قال بما قلت فاحترز واخزن كلّ ما تملكه فانّ المتوكل يموت أو يقتل بعد ثلاثة أيام. فغضبت عليه وشتمته وطردته من بين يديّ فخرج.
فلما خلوت بنفسي، تفكّرت وقلت: ما يضرّني أن آخذ بالحزم، فان كان من هذا شيء كنت قد اخذت بالحزم، وإن لم يكن لم يضرّني ذلك، قال: فركبت الى دار المتوكلّ فأخرجت كل ما كان لي فيها وفرّقت كلّ ما كان في داري الى عند أقوام أثق بهم، ولم أترك في داري إلاّ حصيراً أقعد عليه.
فلمّا كانت الليلة الرابعة قتل المتوكل وسلمت أنا ومالي وتشيّعت عند ذلك، فصرت إليه، ولزمت خدمته، وسألته أن يدعو لي وتواليته حق الولاية(3).
وباسناده عنه قال: اجتمعنا أيضاً في وليمة لبعض أهل سرّ من رأى وأبوالحسن معنا فجعل رجل يعبث ويمزح ولا نرى له اجلالاً، فاقبل على جعفر وقال: انه لا يأكل من هذا الطعام وسوف يرد عليه من خبر أهله ما ينقص عليه عيشه، فقدمت المائدة فقال: ليس بعد هذا خبر،وقد بطل قوله فوالله لقد غسل الرجل يده وأهوى الى الطعام فإذا غلامه قد دخل من باب البيت يبكي وقال: الحق اُمّك فقد وقعت من فوق البيت وهي بالموت فقال جعفر: قلت: والله لا وقفت بعد هذا وقطعت عليه(4).
الموقف من الغلاة والفرق المنحرفة
ويعتبر موقف الإمام الهادي(عليه السلام) الصارم مع الغلاة خطوة من خطوات التحصين العقائدي للجماعة الصالحة وإبعادها من عوامل الإنحراف والزيغ العقائدي الذي ينتهي الى الكفر بالله تعالى أو الشرك به.
ويكمن نشاطه(عليه السلام) في فضح حقيقة هذا الخط المنحرف كما تجلى في فضح عناصره.
والنصوص التي بأيدينا أشارت الى أن الذين عرفوا بالغلو في عصره هم: أحمد بن هلال العبرطائي البغدادي والحسين بن عبيدالله القمي الذي أخرج من قم لاتّهامه بالغلو، ومحمد بن أرومة، وعلى بن حسكة القمي، والقاسم اليقطيني، والفهري، والحسن بن محمد بن بابا القمي وفارس بن حاتم القزويني.
وأما كيفية تعامل الجماعة الصالحة، مع هؤلاء فقد بيّنه(عليه السلام) فيما يلي:
فعن أحمد بن محمد بن عيسى قال: كتبت إلى الإمام الهادي(عليه السلام) في قوم يتكلمون ويقرأون أحاديث ينسبونها إليك والى آبائك فيها ما تشمئز منها القلوب... وأشياء من الفرائض والسنن والمعاصي تأولوها.. فإن رأيت أن تبين لنا وأن تمن على مواليك بما فيه سلامتهم ونجاتهم من هذه الأقاويل التي تصيّرهم إلى العطب والهلاك؟ والذين ادّعوا هذه الاشياء، ادعّوا انهم أولياء، ودعوا إلى طاعتهم منهم علي بن حسكة والقاسم اليقطيني فما تقول في القبول منهم جميعاً ؟
فكتب الإمام الهادي(عليه السلام): «ليس هذا ديننا فاعتزله»(5).
ظاهرة الزيارة ودورها في التحصين العقائدي
إنّ ظاهرة الاهتمام بالزيارة لأهل البيت(عليهم السلام) جميعاً أو لآحاد من الأئمة(عليهم السلام) كالزيارة المعروفة بالجامعة الكبيرة أو زيارة أمير المؤمنين(عليه السلام) هي خطوة مهمة في مجال تعميق الوعي وترسيخ الولاء والانشداد لأهل بيت الرسالة(عليهم السلام) وفي هذا التعميق الواعي والانشداد العاطفي تحصين عقائدي واضح تميّز به الإمام الهادي(عليه السلام).
وحين نقف على جملة المفاهيم التي وردت في هذه الزيارات نلمس بوضوح هذا الخط من التحصين العقائدي فيها.
ولنقف بعض الوقت متأملين عند هاتين الزيارتين المأثورتين عن الإمام الهادي(عليه السلام):
أولاً: الزيارة الجامعة الكبيرة
عن موسى بن عمران النخعي قال: قلت لعلي بن محمد بن علي ابن موسى بن جعفر بن محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب (عليهم السلام): علمني ياابن رسول الله قولاً أقوله بليغاً كاملاً إذا زرت واحداً منكم فقال(عليه السلام):
قل: السلام عليكم يا أهل بيت النبوة، وموضع الرسالة، ومختلف الملائكة، ومهبط الوحي، ومعدن الرسالة، وخزان العلم، ومنتهى الحلم، واُصول الكرم، وقادة الاُمم، وأولياء النعم، وعناصر الأبرار، ودعائم الأخيار، وساسة العباد، وأركان البلاد، وأبواب الايمان، واُمناء الرحمن، وسلالة النبيين، وصفوة المرسلين، وعترة خيرة رب العالمين، ورحمة الله وبركاته.
وتعتبر هذه الزيارة من المصادر الفكرية المهمة ومن الوثائق التي نستل منها ملامح التصور السليم.
ولذا نشير الى بعض ما جاء فيها من مفاهيم:
1ـ اصطفاء أهل البيت (عليهم السلام)
في المقطع الأوّل الذي بدأت به الزيارة حدّد الإمام(عليه السلام) المعاني التالية:
أ ـ ان الله اختص أهل البيت(عليهم السلام) بكرامته فجعلهم موضع الرسالة ومختلف الملائكة ومهبط الوحي.
ب ـ ان هذا الجعل الإلهي نابع من الصفات الكمالية التي يبلغون القمة فيها كالعلم والحلم والكرم والرحمة.
ج ـ إنّ أهل البيت(عليهم السلام) هم موضع الرسالة لأنّ الله قد اختارهم لمنصب القيادة العليا للبشرية فضلاً عن قيادة المسلمين.
2 ـ حركة أهل البيت (عليهم السلام)
وقال الإمام الهادي (عليه السلام):
«السلام على ائمة الهدى; ومصابيح الدجى، وأعلام التقى، وذوي النهى، وأولي الحجى، وكهف الورى، وورثة الانبياء، والمثل الاعلى، والدعوة الحسنى، وحجج الله على اهل الدنيا والآخرة والاولى ورحمة الله وبركاته، السلام على محال معرفة الله، ومساكن بركة الله، ومعادن حكمة الله، وحفظة سر الله، وحملة كتاب الله، واوصياء نبي الله، وذرية رسول الله (صلى الله عليه وآله) ورحمة الله وبركاته.
السلام على الدعاة إلى الله، والأدلاّء على مرضات الله، والمستقرين في أمر الله، والتامين في محبة الله والمخلصين في توحيد الله، والمظهرين لأمر الله ونهيه وعباده المكرمين الذين لا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون ورحمة الله وبركاته ».
وقد دل هذا النصّ على ما يلي:
أ ـ في المسيرة البشرية ينفرز دائماً خطان هما خط الهدى وخط الضلالة ولكل من الخطّين قيادته، وائمة أهل البيت هم ائمة الهدى اما غيرهم ممن يتصدى للإمامة مخالفاً لخطّ الهدى فهو من ائمة الضلال فلذلك لا يكون التلقي إلاّ منهم ولا يكون نهج التحرك إلاّ نهجهم.
ب ـ اما واقع الأئمة فهم ذوو العقول التامّة وكهف الورى وورثة الانبياء والمثل الاعلى والدعوة الحسنى التي يحتذى بها.
ج ـ ان حركة أهل البيت حركة اسلامية اصيلة ذات جذور ضاربة في الأعماق وهي استمرار المسيرة النبوية الراشدة وكل حركة تدّعي المنهج الديني أو الاصلاح الدنيوي ولا تسير على خطاهم فهي منحرفة. فأهل البيت(عليهم السلام) محل معرفة الله، ومساكن بركته، ومعادن حكمته، وحفظة سره، وحملة كتابه، وأوصياء نبيه.
د ـ إنّ الدعاة مظاهر اصالة أهل البيت في المسيرة الإلهية كما يلي:
1- أنّهم الدعاة إلى الله والأدلاء على مرضاته.
2- ويتميّزون بالثبات على أمر الله.
3- كما يتميّزون بالحب التام لله.
4- والاخلاص في التوحيد.
5- والاظهار لشعائر الله من امره ونهيه.
6- وعدم سبق الله بقول، والعمل بأمره.
3 ـ الاُسس الفكرية للتشيع
يمكن ان نحدد نقاطاً توضح الاُسس الفكرية التي تقوم عليها دعوة أهل البيت والتي يجب ان تسير الحركة الشيعية عليها وتلتزم بحدودها من خلال قوله(عليه السلام):
«السلام على الأئمة الدعاة، والقادة الهداة، والسادة الولاة، والذادة الحماة، واهل الذكر، وأولي الأمر، وبقية الله وخيرته، وحزبه وعيبة علمه، وحجته وصراطه، ونوره وبرهانه ورحمة الله وبركاته.ا شريك له كما شهد الله لنفسه وشهدت له ملائكته وأولوا العلم من خلقه لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم وأشهد أن محمداً عبده المنتخب ورسوله المرتضى ارسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون.
واشهد انكم الأئمة الراشدون المهديون المعصومون المكرمون المقربون المتقون الصادقون المصطفون المطيعون لله القوامون بأمره العاملون بإرادته الفائزون بكرامته.
اصطفاكم بعلمه وارتضاكم لغيبه واختاركم لسره واجتباكم بقدرته واعزكم بهداه وخصكم ببرهانه وانتجبكم لنوره وأيّدكم بروحه ورضيكم خلفاء في ارضه وحججاً على بريته وانصاراً لدينه وحفظة لسره وخزنة لعلمه ومستودعاً لحكمته وتراجمة لوحيه واركاناً لتوحيده وشهداء على خلقه واعلاماً لعباده ومناراً في بلاده وادلاء على صراطه.
عصمكم الله من الزلل وآمنكم من الفتن وطهركم من الدنس وأَذهب عنكم الرجس وطهركم تطهيراً.
فعظَّمتم جلاله واكبرتم شأنه ومجدتم كرمه وادمتم ذكره ووكدتم ميثاقه وأحكمتم عقد طاعته ونصحتم له في السر والعلانية ودعوتم إلى سبيله بالحكمة والموعظة الحسنة وبذلتم انفسكم في مرضاته وصبرتم على الأذى في جنبه وأقمتم الصلاة وآتيتم الزكاة وأمرتم بالمعروف ونهيتم عن المنكر وجاهدتم في الله حق جهاده حتى أعلنتم دعوته وبينتم فرائضه وأقمتم حدوده ونشرتم شرايع احكامه وسننتم سنته وصرتم في ذلك منه إلى الرضا وسلمتم له القضاء وصدقتم من رسله من مضى ».
إنّ العناصر الفكرية الاساسية للتشيع والتي تستفاد من هذا النص هي:
1 ـ الايمان بالله وحده لا شريك له.
2 ـ محمد عبده المنتخب ورسوله المرتضى.
3 ـ الأئمة هم بشر راشدون مهديون معصومون مكرمون وقيمتهم نابعة من تكريم الله لهم.
على أنّ الجانب العملي لحركة الأئمة هو كما يلي:
1- تعظيم الله واكبار شأنه وتمجيد كرمه.
2- توكيد ميثاقه وإحكام عقد طاعته.
3- النصح له بالسر والعلن.
4- الدعوة له بالحكمة والموعظة الحسنة.
5- التضحية المستمرة في سبيل الله ببذل النفس والصبر على المكروه.
6- اقامة الصلاةوايتاءالزكاةوممارسة باقي العبادات والحدودالإسلامية.
7- الحفاظ على سلامة الشريعة من التحريف.
8- التسليم بالقضاء والقدر.
9 ـ التأكيد على وحدة المسيرة النبوية وتصديق الرسل.
4 ـ الموالون لأهل البيت (ع)
وبيّن الإمام انّ هناك صنفين من الناس قسم يوالي أهل البيت(عليهم السلام) فيسير في طريق الهدى وآخر يوالي اعداءهم فيسير في طريق الضلال، قال(عليه السلام):
« فالراغب عنكم مارق واللازم لكم لاحق والمقصر في حقكم زاهق.لحق معكم وفيكم ومنكم واليكم وانتم اهله ومعدنه وميراث النبوة عندكم وإياب الخلق اليكم وحسابهم عليكم وفصل الخطاب عندكم وآيات الله لديكم وعزائمه فيكم ونوره وبرهانه عندكم وأمره اليكم.
مَنْ والاكم فقد والى الله ومَنْ عاداكم فقد عادى الله ومَنْ أحبّكم فقد أَحبَّ الله ومن ابغضكم فقد ابغض الله ومن اعتصم بكم. فقد اعتصم بالله.
وانتم الصراط الأقوم وشهداء دار الفناء وشفعاء دار البقاء والرحمة الموصولة والآية المخزونة والامانة المحفوظة والباب المبتلى به الناس.
مَنْ أتاكم نجى ومَنْ لم يأتِكم هلك.
إلى الله تدعون وعليه تدلّون وبه تؤمنون وله تسلّمون وبأمره تعملون والى سبيله ترشدون وبقوله تحكمون.
سَعَدَ من والاكم وهلك من عاداكم وخاب من جحدكم وضلّ من فارقكم وفاز من تمسك بكم وأمن من لجأَ اليكم وسلم من صدقكم وهدى من اعتصم بكم.
من اتبعكم فالجنة مأواه ومن خالفكم فالنار مثواه ومن جحدكم كافر ومن حاربكم مشرك ومن رد عليكم في اسفل درك من الجحيم».
الحقيقة الثانية: إنّ الموالي لأهل البيت(عليهم السلام) يعلم قيمتهم الحقيقية عند الله لذلك نجده يقول(عليه السلام):
«أشهدُ أنَّ هذا سابق لكم فيما مضى وجار لكم فيما بقي وان ارواحكم ونوركم وطينتكم واحدة طابت وطهرت بعضها من بعض.
خلقكم الله أنواراً فجعلكم بعرشه محدقين حتى مَنَّ علينا بكم فجعلكم في بيوت أذِنَ اللهُ ان تُرفع ويُذكر فيها اسمه.
وجعل صلواتنا عليكم وما خصنا به من ولايتكم طيباً لخلقنا وطهارة لأنفسنا وتزكية لنا وكفارة لذنوبنا فكنا عنده مسلمين بفضلكم ومعروفين بتصديقنا اياكم».
الحقيقة الثالثة: الرغبة في انتشار امرهم وتشعشع فضلهم فلا يبقى خير إلاّ وأضاءه نورهم الشريف.
«فبلغ الله بكم أشرف محل المكرمين وأعلى منازل المقربين وأرفع درجات المرسلين حيث لا يلحقه لاحق ولا يفوقه فائق ولا يسبقه سابق ولا يطمع في ادراكه طامع حتى لا يبقى ملك مقرب ولا نبي مرسل ولا صدّيق ولا شهيد ولا عالم ولا جاهل ولا دنيُّ ولا فاضل ولا مؤمن صالح ولا فاجر طالح ولا جبّار عنيد ولا شيطان مريد ولا خلق فيما بين ذلك شهيد إلاّ عرفهم جلالة امركم وعظم خطركم وكبر شأنكم وتمام نوركم وصدق مقاعدكم وثبات مقامكم وشرف محلكم ومنزلتكم عنده وكرامتكم عليه وخاصتكم لديه وقرب منزلتكم منه. »
الحقيقة الرابعة: الاقرار الدائم بمعتقدات أهل البيت(عليهم السلام) والعمل بموجبها:
« بأبي أنتم وأمي وأهلي ومالي وأسرتي أُشهد الله وأُشهدكم اني مؤمن بكم وبما آمنتم به، كافر بعدوكم وبما كفرتم به، مستبصر بشأنكم وبضلالة من خالفكم موال لكم ولأوليائكم مبغض لاعدائكم ومعاد لهم سِلْمٌ لمن سالمكم وحرب لمن حاربكم محقق لما حققتم مبطل لما ابطلتم مطيع لكم عارف بحقكم مقر بفضلكم محتمل لعلمكم».
ومن مصاديق الإيمان بقضية أهل البيت قول الإمام(عليه السلام):
«محتجب بذمتكم ومعترف بكم مؤمن بإيابكم مُصدِّق برجعتكم منتظر لأمركم مرتقب لدولتكم آخذ بقولكم عامل بأمركم مستجير بكم زائر لكم عائذ بقبوركم مستشفع الى الله عزوجل بكم ومتقرب بكم إليه ومقدمكم امام طلبتي وحوائجي وارادتي في كل احوالي واُموري مؤمن بسركم وعلانيتكم وشاهدكم وغائبكم وأولكم وآخركم ومفوض في ذلك كله اليكم ومسلم فيه معكم وقلبي لكم مسلم ورأيي لكم تبع ونصرتي لكم مُعدَّة حتى يحيي الله تعالى دينه بكم ويردّكم في ايامه ويظهركم لعدله ويُمكّنكم في ارضه فمعكم معكم لا مع غيركم آمنت بكم وتوليت آخركم بما توليت به أولكم وبرئت إلى الله عزوجل من اعدائكم ومن الجبت والطاغوت والشياطين وحزبهم الظالمين لكم الجاحدين لحقّكم والمارقين من ولايتكم الغاصبين لإرثكم الشاكين فيكم المنحرفين عنكم ومن كل وليجة دونكم وكل مطاع سواكم ومن الأئمة الذين يدعون إلى النار.
فثبتني الله ابداً ما حييت على موالاتكم ومحبتكم ودينكم ووفقني لطاعتكم ورزقني شفاعتكم وجعلني من خيار مواليكم التابعين لما دعوتم إليه وجعلني ممن يقتصُّ آثاركم ويسلك سبيلكم ويهتدي بهديكم ويحشر في زمرتكم ويكرّ في رجعتكم ويُملَّك في دولتكم ويشرّف في عافيتكم ويُمكَّن في ايامكم وتقر عينه غداً برؤيتكم.
بأبي أنتم واُمي ونفسي واهلي ومالي من اراد الله بدأ بكم ومن وحَّدهُ قبل عنكم ومن قصده توجه بكم.
مواليّ لا أحصي ثناءكم ولا ابلغ من المدح كنهكم ومن الوصف قدركم وانتم نور الأخيار وهداة الابرار وحجج الجبار.
بكم فتح الله وبكم يختم وبكم ينزل الغيث وبكم يمسك السماء ان تقع على الارض إلاّ باذنه وبكم يُنفّس الهم ويكشف الضر.
وعندكم ما نزلت به رسله وهبطت به ملائكته والى جدّكم بُعث الروح الامين، آتاكم الله ما لم يُؤتِ احداً من العالمين.
طأطأ كل شريف لشرفكم وبخع كل متكبر لطاعتكم وخضع كل جبار لفضلكم وذل كل شيء لكم واشرقت الارض بنوركم وفاز الفائزون بولايتكم بكم يُسلك إلى الرضوان وعلى من جحد ولايتكم غضب الرحمن.
بأبي أنتم وأمي ونفسي وأهلي ومالي ذكركم في الذاكرين واسماؤكم في الأسماء وأجسادكم في الاجساد وأرواحكم في الأرواح وأنفسكم في النفوس وآثاركم في الآثار وقبوركم في القبور فما أحلى اسماءكم وأكرم انفسكم وأعظم شأنكم وأجلَّ خطركم وأوفى عهدكم وأصدق وعدكم.
كلامكم نور وأمركم رشد ووصيتكم التقوى وفعلكم الخير وعادتكم الإحسان وسجيتكم الكرم وشأنكم الحق والصدق والرفق وقولكم حكم وحتم ورأيكم علم وحلم وحزم، إنْ ذُكِرَ الخير كنتم أوله وأصله وفرعه ومعدنه ومأواه ومنتهاه.
بأبي انتم واُمي ونفسي كيف أصف حسن ثنائكم واحصي جميل بلائكم وبكم أخرَجنا الله من الذل وفَرّج عنا غمرات الكروب وأنقذنا من شفا جرف الهلكات ومن النار.
بأبي أنتم واُمي ونفسي بموالاتكم علّمنا الله معالم ديننا وأصلح ما كان فسد من دنيانا وبموالاتكم تَمَّت الكلمة وعظمت النعمة وائتلفت الفرقة وبموالاتكم تقبل الطاعة المفترضة ولكم المودة الواجبة والدرجات الرفيعة والمقام المحمود والمكان المعلوم عند الله عزوجل والجاه العظيم والشأن الكبير والشفاعة المقبولة.
(ربَّنا آمنّا بما انزلت واتبعنا الرسول فاكتُبنا مع الشاهدين) (ربَّنا لا تُزغ قلوبنا بعد اذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة انك انت الوهاب) (سبحان ربنا ان كان وَعدُ ربنا لمفعولاً).
يا أولياء الله ان بيني وبين الله عزوجل ذنوباً لا يأتي عليها إلاّ رضاكم فبحق من ائتمنكم على سره واسترعاكم امر خلقه وقرن طاعتكم بطاعته لمّا استوهبتم ذنوبي وكنتم شفعائي فإني لكم مطيع.
من أطاعكم فقد أطاع الله ومن عصاكم فقد عصى الله ومن أحبّكم فقد أحبَّ الله ومن أبغضكم فقد أبغض الله.
اللهم اني لو وجدت شفعاء اقرب اليك من محمد وأهل بيته الأخيار الأئمة الابرار لجعلتهم شفعائي فبحقهم الذي اوجبت لهم عليك اسألك ان تدخلني في جملة العارفين بهم وبحقهم وفي زمرة المرحومين بشفاعتهم إنّك ارحم الراحمين وصلى الله على محمد وآله الطاهرين وسلم تسليماً كثيراً وحسبنا الله ونعم الوكيل.
ومن هذه الفقرات نستلهم النقاط التالية:
1- ضرورة الإيمان بإيابهم وقيام دولتهم.
2- أهمية زيارة قبورهم.
3- أهمية الإيمان بالرجعة.
4- أهمية الايمان بسرهم وعلانيتهم.
5- ضرورة الاستعداد لنصرة دولتهم لحد التمكين في الارض.
6- ضرورة البراءة من عدوهم.
7- فرح المؤمن بما رزقه الله على يد أهل البيت.
8- إنّ وحدة المسلمين السليمة لا تتم إلاّ تحت لوائهم (عليهم السلام).
9- إنّ الايمان بهم لا يكون عاطفياً بل يكون عن وعي وادراك وبحث وتمحيص(6).
المصادر:
- اعلام الهداية، الامام علي بن محمد الهادي(ع)، المولف: لجنة التأليف، تاريخ النشر: 1422 هـ، الناشر: مركز الطباعة والنشر للمجمع العالمي لأهل البيت(ع)
(1) المناقب: 2/451
(2) بحار الأنوار: 50/142
(3) بحار الأنوار: 50/147
(4) الثاقب: 214
(5) رجال الكشي: 517 ح 994 و995
(6) منهاج التحرّك عند الإمام الهادي: 113 ـ 120