البث المباشر

الإمام الهادي (ع) نبراس الهداية والإصلاح

الثلاثاء 10 يونيو 2025 - 18:16 بتوقيت طهران
الإمام الهادي (ع) نبراس الهداية والإصلاح

مهدت استراتيجية الإمام علي بن محمد الهادي (عليه السلام) الطريق لظروف الغيبة، وتهيئة المجتمع نفسيا لغياب إمام العصر والزمان (عج) الظاهري. وقد تعلّم الكثير من الشيعة في عصره كيفية استبانة الطريق في غيبة الإمام المهدي (عج) من خلال النصوص، السفراء والإرشادات المعرفية.

على الرغم من أن الإمام علي بن محمد الهادي (ع) يعتبر من أئمة الشيعة المعصومين (عليهم السلام)، وأن مكانته العلمية والروحية والعقائدية ثابتة لدى الشيعة، إلا أن التمعن في حياة هذا الإمام العظيم وعصره يُظهر أن جوانب كثيرة من حياته المضطربة قد أُهملت في غمرة التاريخ، أو سُرّدت سطحيًا.

عاش الإمام الهادي (عليه السلام) في ظل نظام الخلافة العباسية، حيث كان مظهره مجيدا، لكن باطنه متزعزعا. وقد خلقت سياسات العباسيين، الضغوط الثقافية، والرقابة الصارمة على الاتصالات، ظروفا خاصة للإمام العاشر (ع).

 

من المدينة المنورة إلى سامراء؛ نفي مدروس أم إشراف مباشر؟

إن من النقاط الأقل تحليلاً في حياة الإمام الهادي (ع) قصة انتقاله من المدينة المنورة إلى سامراء. فخلافاً للاعتقاد السائد بأن هذا الانتقال كان مجرد نفي، تشير بعض التقارير إلى أن هذا الانتقال كان مُصمماً لغرض المراقبة الأمنية الدقيقة من قِبل الخليفة العباسي، وخاصة المتوكل.

لم تكن مدينة سامراء مدينة نفي فحسب، بل كانت العاصمة العسكرية للخلفاء. مدينة عسكرية بنيت خصيصاً لتركيز سلطة الخلافة في القرن الثالث الهجري. وكان انتقال الإمام الهادي (عليه السلام) إلى سامراء بمثابة استيطان قسري في حامية الخلافة، واعتُبر وسيلة ناعمة للسيطرة دون إثارة الرأي العام.

في ظل هذه الظروف، اضطر الإمام الهادي (عليه السلام) إلى تنظيم حياته بطريقة تضمن، مع الحفاظ على التواصل مع الشيعة، عدم إثارة حساسية المؤسسة الحاكمة. وتطلب هذا النوع من الحياة استراتيجية قيادية هادئة، وهو ما يتجلى بوضوح في أسلوب حياة الإمام الهادي (عليه السلام). 

 

الدور الخفي لشبكة السفراء

اتخذت شبكة السفراء الشيعة في عهد الإمام الهادي (عليه السلام)، شكلاً أكثر تماسكاً. ورغم الرقابة السياسية المكثفة، نجح الإمام (ع) في تنظيم أتباعه وإيصال رسائله الثقافية والعقائدية إلى الشيعة من خلال الاستعانة بسفرائه في مختلف المناطق.

ومن أبرز سفراء الإمام الهادي (ع) يمكن الإشارة إلى "إبراهيم بن محمد الهمذاني"، "أبو علي بن راشد"، و"علي بن جعفر الهماني". وقد تضمنت كتبٌ مثل "الاحتجاج" و"تهذيب الأحكام" وثائق عديدة لمراسلات الإمام الهادي (ع) وتوجيهاته ونصائحه الأخلاقية لهؤلاء السفراء.

واستناداً إلى هذه الشبكة، صمّم الإمام الهادي (ع) أسلوباً جديداً للإمامة في جوٍّ من الضغط، لم يكن قائماً على الحضور العلني، بل على التنظيم السري، التدريس الهادئ والتربية التدريجية.

 

حياة الإمام الهادي (عليه السلام) الشخصية

رغم إقامته القسرية في سامراء وقربه من مركز الخلافة، لم يتخل الإمام الهادي (عليه السلام) عن زهده وبساطته وتجنبه التبعية للخلافة العباسية، ظاهرًا وباطنًا. وهناك روايات عديدة في مصادر، مثل "كشف الغمة" و"مناقب آل أبي طالب (ع)"، تُشير إلى بساطة بيت الإمام الهادي (ع)، حتى أن بعض خدم الخليفة تعجبوا من هذه البساطة.

ولما رأى أحد رجال الخلافة بيت الإمام الهادي (ع)، قال: "هو ليس كغيره، إنه زاهد، غارق في التفكير والتأمل". كما وردت روايات تُشير إلى بساطة لباسه، وعدم استخدامه لإمكانيات الخلافة، حتى عندما أرسل إليه المتوكل هديةً ثمينة ليخدعه بها.

لم يكن زهده فضيلة شخصية فحسب، بل كان أيضًا رسالة سياسية دقيقة لرفض شرعية النظام الفاسد من خلال نفي مظهره.

 

مهمة الإمام الهادي (ع) في مواجهة التحريف الفكري

كان من أهم مجالات نشاط الإمام الهادي (عليه السلام) الرد على التحريفات الفكرية السائدة في عصره. ففي القرن الثالث الهجري، حاولت حركات مثل الغلاة، المفوضة، المعتزلة والمتصوفة تصوير الإمامة إما بتعال يفوق المعقول، أو إفراغها من معناها تماما.

ردّ الإمام الهادي (عليه السلام) على هذه الحركات بأقوال حكيمة، منها أنه كتب رسالة إلى أهالي الأهواز يرفض فيها المبالغة في شأن الإمامة، وفحواها:

"ملعون من سمانا ربّ النوع، نحن عباد الله الذين اخترنا أن نطيعه، وإذا عصيناه فسوف نعاقب".

أعاد الإمام الهادي (ع) تعريف تعاليم الشيعة من خلال الأدعية، الزيارات والمناظرات. وتُعدّ "الزيارة الجامعة الكبيرة" الشهيرة مثالاً على هذا التعريف الجديد، حيث شُرح فيها مكانة أهل البيت (عليهم السلام) ووضّحت حدودها.

 

"الزيارة الجامعة الكبيرة" والهندسة المعرفية للتشيع

تحتل "الزيارة الجامعة الكبيرة" مكانةً لا مثيل لها بين الآثار الثقافية للإمام الهادي (عليه السلام). فهي ليست عملاً أدبياً وعرفانيا فحسب، بل هي أيضاً نوع من البيان المعرفي الكلامي الذي يُحدد الخطوط الرئيسية للهوية الشيعية، بما في ذلك تعريف الإمام (ع) بأنه باب الله وسبيل الله، تمييز دقيق بين الحب والمبالغة، وتبيين مراتب الهداية والقيادة لأهل البيت (ع).

لا تقتصر "الزيارة الجامعة الكبيرة" على المجال الروحي والزيارة فحسب، بل في الواقع إنها ردٌّ على غموض العصر، وتعتبر نوعًا من الهندسة العقائدية في مواجهة الهجمات الثقافية للخلافة.


سياسة الصمت الفعال للإمام الهادي (عليه السلام)

خلافا لما يعتقده البعض، لم يكن صمت الإمام الهادي (عليه السلام) تجاه ظلم الخلفاء العباسيين يعني السلبية. بل إن أسلوب حياته يُظهر أن هذا الصمت كان استراتيجية فعالة للحفاظ على مبدأ الإمامة، تجنب تبرير القتل، ونقل التراث الفكري إلى الجيلين الحادي عشر والثاني عشر من الإمامة.

مهد هذا النهج الطريق لتهيئة ظروف الغيبة وتهيئة المجتمع نفسيًا لغياب إمام الزمان (عليه السلام) الظاهري. وتعلم الكثير من الشيعة في عهد الإمام الهادي (عليه السلام) كيفية السير في ظل غياب الإمام جسديًا من خلال النصوص، السفراء  والتوجيهات المعرفية.

في الواقع، لم يكن الإمام الهادي (عليه السلام) إماما محاصرا عسكريا فحسب، بل كان مسؤولاً عن الهندسة الثقافية والمعرفية، بل وحتى الأمنية، للمذهب الشيعي في إحدى أكثر فترات التاريخ حساسية.

فالعيش في ثكنة الخلافة، التعليم السري، تنظيم الزيارات، وتربية السفراء، كلها تشير إلى أسلوب قيادة هادئ وصامت ظاهريا، لكنه دقيق، منهجي وإرشادي للغاية.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة