البث المباشر

دمعة على الحسين (ع) واهتداء الأستاذ صباح على البياتي

الأربعاء 31 أكتوبر 2018 - 15:40 بتوقيت طهران

بسم الله وله عظيم الحمد وخالص الثناء إذ هدانا لمعرفة وموالاة أوليائه الصادقين الهداة إلى دينه الحق المبين محمد وآله الطيبين الطاهرين صلوات الله عليهم أجمعين. السلام عليكم إخوتنا المستمعين، تحية من الله مباركة طيبة نهديها لكم ونحن نلتقيكم في حلقة اليوم من هذا البرنامج ومع قصة أخرى من قصص الذين هداهم الله لدينه الحق ببركة مصباح هداه الحسين – عليه السلام – في هذا اللقاء ننقل لكم قصة الكاتب العراقي الأستاذ صباح علي البياتي، تابعونا على بركة الله.

ولد الأستاذ صباح علي البياتي في مدينة الموصل العراقية سنة ۱۹٥۳ ميلادية واصل دراسته الأكاديمية حتى تخرج من كلية التربية في جامعة صلاح الدين في مدينة أربيل، اهتم بدراسة التأريخ الإسلامي فأثار اهتمامه التلاعب السياسي في تشكيل المذاهب، فخاض رحلة طويلة للبحث عن المذهب أسفرت عن اعتناقه مذهب أهل البيت – عليهم السلام – وإعلانه ذلك سنة ۱۹۹٥ ميلادية وللأستاذ البياتي مؤلفات عدة في المعارف الإسلامية ننقل لكم قصة هداية الله عزوجل له مما ورد على لسانه في مقابلة مع مجلة المنبر نشرتها في عددها ۳۳ الصادر بتأريخ شهر ذي القعدة سنة ۱٤۲۳ قال حفظه الله عن الإنطلاقة الأولى في رحلة هدايته: إن رحلتي مع مذهب أهل البيت عليهم السلام قديمة الجذور تعود إلى أيام الطفولة، والفضل يعود بحمد الله وفضله إلى والدتي العزيزة فإني أتذكر قصة وحدثا عندما كنت في الصف الثالث الإبتدائي، حيث كنت ألعب مع الصبيان خارج البيت وعند رجوعي إلى المنزل وجدت والدتي تستمع إلى المذياع وهي تبكي بكاء مرا، فتساءلت منها عن سبب بكائها؟ فأجابت: (إن هذا اليوم هو يوم عاشوراء) وكانت تستمع قصة مقتل الإمام الحسين عليه السلام كان يبث من إذاعة بغداد بصوت الشيخ عبد الزهراء الكعبي (رحمه الله) أيام الستينيات قبل أن تمنع السلطات البعثية ذلك.

وأتذكر أنني سألت والدتي حينها: من هو الإمام الحسين؟! ولماذا قتلوه؟ فقالت: إنه سبط الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وريحانته، وأهل بيته هم ذرية الرسول صلى الله عليه وآله وسلم. فأثار كلامها التساؤل هذا في نفسي: فهل من الممكن أن يتجاسر أحد على سبط الرسول وذريته؟ الأمر دفعني إلى التفكير بجدية في الموضوع وأسأل كل من ألاقيه عن القضية. وأود أن أشير هنا إلى أن والدتي كانت كعامة المسلمين. تتأثر بشخصية سيد الشهداء عليه السلام وتعتقد به، ولكن لا على أساس العقيدة الشيعية)
 

من هنا كانت المظلومية الحسينية هي البارقة التي فتحت قلب الأستاذ البياتي على المذهب الذي يمثله الحسين – عليه السلام – والذي كان لا يعرف عنه شيئا يومذاك.. فبدأ إعجابه به وبرموزه، يقول حفظه الله: (و في الصف الخامس الإبتدائي تلقينا بعض الدروس في التاريخ الإسلامي وقرأنا عن بطولات الإمام علي عليه السلام وفضائله فراع انتباهي ذلك. أحسست أن له (عليه السلام) شخصية منفردة بين المسلمين الأوائل وأنه امتاز عليهم بالكثير من الفضائل مادفعني كثيرا للسؤال عنه والبحث عن سيرته العطرة، فكلما وجدت كتابا أو بحثا حول الإمام على عليه السلام طالعته بشوق وقرأته بإعجاب.
 

وفي بداية مطالعاتي وحسب مقتضى الطفولة كنت أتوجه نحو البطولات والكرامات والفضائل لأمير المؤمنين عليه السلام وخاصة أننا كنا قد قرأنا في المدارس مدى الإضطهاد و عمق المظلومية التي لاقاها المسلمون الأوائل، وكيف أنه عليه السلام كان يستميت في الحروب وينتقم من أعداء الله كل ذلك من أجل نصرة الإسلام وإعلاء راية الحق خفاقة)
 

وهكذا مستمعينا الأفاضل كانت بذرة الولاء للحق تنمو برعاية الله في قلب الأخ صباح البياتي وكان ريها التفاعل الوجداني مع المظلومية الحسينية والملحمة الحسينية ؛ قال في تتمة كلامه: في عاشوراء العام التالي أخذت المذياع وخرجت من المنزل وبدأت أستمع للمقتل وأعجب من عظم المصائب التي نزلت بأهل بيت النبي صلى الله عليه وآله وسلم. فقد كانت القصة عجيبة ومريرة جدا حتى أنني بكيت بكاء شديدا في ذلك اليوم وسئمت الحياة من هول ما جرى على أهل البيت عليهم السلام! وأتذكر إني لما عدت إلى المنزل قلت للوالدة: لا أريد الذهاب إلى المدرسة!
 

وفي السنين اللاحقة ومن جراء المحبة العميقة التي كنت أكنها تجاه أهل البيت عليهم السلام فقد بقيت أتردد على العتبات المقدسة في العراق كسائر أهل السنة هناك حيث يزورون الأئمة الأطهار ويتوسلون بهم بين الفترة والأخرى، لأنهم يعرفون من واقع التجربة أن لهم جاها عظيما عند الله تعالى وبهم تقضى الحوائج وتحل المشكلات)
 

أيها الإخوة والأخوات، وكان للبكاء على المظلومية الحسينية عظيم الأثر في توجيه قلب هذا الأخ صباح علي البياتي إلى محبة أهل البيت – عليهم السلام – في تلك المرحلة المبكرة من عمره، وجعلت له نورا يضيء له طريق البحث لمعرفة الحق، يتابع حفظه الله حديثه عن رحلته العلمية قائلا: (لقد أثارت هذه المسألة في نفسي قضية ألا وهي قضية الخلافات بين المذاهب السنية، فبدأت أطالع حول هذه الخلافات حتى وصلت إلى النتيجة التالية وهي: أن المذاهب لم تكن في عهد النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولا الخلافاء، وإنما كانت هناك أسباب سياسية إجتماعية وراء ظهورها.

فبقيت فترة حائرا أبحث عن المذهب الصحيح دون أن أجد ضالتي وبقيت الحيرة جاثمة فوق أنفاسي حتى التقيت بمجموعة تخالف المذاهب الأربعة كلها ولا تعتقد بها ألا وهم (السلفيون الوهابيون) وانتميت لهم لأنهم كانوا يدعون إلى نبذ المذاهب والسير على رأي ابن تيمية وابن الجوزي، إلا بعض المسائل عندهم أثارت استغرابي، خاصة أنني كنت مغرما بدراسة التاريخ: فكنت أجد عند هذه المجموعة تمجيدا غريبا لمعاوية ويزيد والحجاج بن يوسف الثقي الطاغية المعروف وغيرهم من ظلمة التاريخ!)
 

وهنا نلمح مستمعينا الأفاضل كيف أن التفاعل الوجداني المبكر مع ملحمة سيد الشهداء – صلوات الله عليه – قد فتح للأستاذ البياتي آفاق النجاة من فتنة الوهابية وضلالتهم بعد أن انضم إليهم بدافع التأثر بشعاراتهم، لقد بعث التفاعل مع المظلومية الحسينية روح رفض الظلم والظالمين في قلبه ولذلك انكمش عن الوهابية عندما وجدهم يمجدون معاوية وهو أحد من مهد لفاجعة كربلاء، يتابع الأخ صباح البياتي قصته قائلا: (وجدت من اللازم أن أطالع كتب الحديث والشروح عليها، فخضت غمار التراث الإسلامي ولم يكن لي هدف في ذلك سوى الوصول إلى الحقيقة، فاكتشفت من خلال هذه الدراسات أن هناك طمسا لحقائق التاريخ وتعتيما لكثير منها، فعلى سبيل المثال: تعجبت كثيرا عندما طالعت التاريخ الطبري فوجدت أن الجمهور السني يركزون دائما على روايات واردة عن بعض الوضاعين أمثال سيف بن عمر، وبالمقابل فإنهم يهملون رواياة أخرى موجودة في الكتاب نفسه. فهذا كتاب (العواصم والقواسم) لابن العربي – والذي دفعني إلى البحث – يقول: ( لا تصدقوا من المؤرخين سوى الطبري ) ويستشهد بالروايات الموجودة في تاريخ الطبري الواردة عن سيف بن عمر ولكنه يهمل روايات أخرى واردة في الكتاب نفسه! فمثلا وجدت مؤرخين آخرين اعتمدهم الطبري كابن عمر وابن بشا وأحمد بن زهير والمدائني وغيرهم من الثقات الذين استشهد الطبري ببعض رواياتهم أيضا خاصة في فترة ما بعد استشهاد النبي صلى الله عليه وآله وسلم إلى نهاية واقعة الجمل).

و هنا يتوصل الأستاذ البياتي إلى نتيجة مهمة تكشف أيدي الإنحراف والتحريف الأموي في هذا الطمس المعتمد لحقائق التاريخ، قال حفظه الله:أن الوهابيين وأسلافهم يأخذون بالروايات الواردة عن الوضاعين دائما كسيف بن عمر المتهم بالزندقة، فقد كان ابن حجر يقول: (إنه حجة في التاريخ وأن الحاكم وابن حبان قد تسرعا بالحكم عليه بالزندقة) ولكن اكتشفت أنه لا يدافع عن الصحابة كما يدعون بل يدافع عن فئة خاصة وهم بنو أمية وينتقد الصحابة الخلص المتبعين للإمام علي عليه السلام أمثال عمار بن ياسر وأبي ذر وغيرهما حيث كان دائما يلفق التهم ضدهم لإسقاط شأنهم أمام الآخرين! وعلى كل فإن هذا التزيف دفعني إلى اكتشاف الكثير من اللأمور ومنها أن الشيخ كان يعبر عن حديث الغدير بـ (أكذوبة خم)! ولما قرأت كتب التاريخ وجدت أن مثل ابن كثير المعروف ببغضه لأهل البيت عليهم السلام يذكر حادثة الغدير ويصححها! ويتطرق إلى كلام الذهبي بأن بعض مقاطع الرواية متواترة، فتعجبت من هذا التمويه الواضح للأحاديث! بل هذا التمويه نفسه هو الذي أرشدني إلى الحقيقة أحيانا، فابن كثير مثلا هو الذي نبهني إلى معرفة الأئمة من أهل البيت حيث قال في حديث الأئمة الإثني عشر: "وليسوا هم الذين يعتقد بهم الروافض الإثنا عشرية"! فعرفت أن هناك أئمة اثني عشر يعتقد بهم الشيعة. وبعد تحقيقي في ذلك وجدت أن الصحاح ذكرت روايات الأئمة الإثني عشر إلا أن شراح كتب الأحاديث يؤلون ذلك و يقولون: إن المراد منهم أناس آخرين {غير الأئمة الأطهار عليهم السلام}!)
ويلخص الأخ البياتي النتيجة التي هداه الله تبارك وتعالى لها في رحلة بحثه عن الحقيقة بقوله: (خلاصة القول: لقد وصلت من خلال دراستي للتاريخ والأحاديث أن أهل البيت عليهم السلام كانوا يتميزون عن غيرهم وأن هناك عملية تعتيم على مذهب أهل البيت صلوات الله عليهم، فمثلا ابن خلدون في مقدمته يتحدث عن المذاهب فيقول: (وشذ أهل البيت بمذاهب رفضها الجمهور وأعرض عنها)! فهذا تصريح منه أن إعراضا عن أهل البيت و تعتيما لمذهبهم، لذلك صممت على البحث حول مذهب أهل البيت من مصادر الشيعة التي لم أكن قد طالعتها أصلا ؛ وقد استغرقت رحلة بحثي عن الحقيقة عدة سنوات، لعلها أربع أو خمس سنين. بعدها اتخذت قراري الذي لا رجعة عنه، و هو الإلتزام بعقيدة أهل البيت الأطهار عليهم الصلاة و السلام، فهي العقيدة الإسلامية الصحيحة)
كانت هذه مستمعينا الأفاضل قصة اهتداء الباحث الإسلامي العراقي الأستاذ صباح علي البياتي للدين الحق الذي ارتضاه لعباده من خلال رحلة بدأت بدمعة حزن على المصاب الحسيني.
وبهذا ننهي لقاء اليوم من برنامجكم (بالحسين اهتديت) استمعتم له من إذاعة طهران صوت الجمهورية الإسلامية في إيران تقبل الله منكم حسن الإصغاء ودمتم في رعايته سالمين.

شاركوا هذا الخبر مع أصدقائكم

جميع الحقوق محفوظة