مستمعينا الأكارم.. مقدمة للحكاية نذكر أن الأستاذ الحسيني ولد في مدينة (مولاي إدريس) المغربية سنة ۱۹٦۷ ميلادية، في أسرة مالكية المذهب، وهو ينحدر من عائلة تنتسب إلى السيد إسماعيل بن الإمام جعفر الصادق –عليه السلام–، وقد تلقى دراسته الإبتدائية والثانوية بالمغرب ثم هاجر إلى المشرق ودرس بالحوزة العلمية في الشام بعد تشيعه.. وهوكاتب قدير له عدة مؤلفات ومقالات منشورة..
أيها الإخوة والأخوات.. ننقل لكم في هذه الدقائق ملخص حكاية اهتداء الأستاذ المغربي أدريس الحسيني إلى الحق والحقيقة مما كتبه بقلمه في كتابه الشهير (لقد شيعني الحسين).. قال حفظه الله عندما وصل إلى الحديث عن ملحمة كربلاء: (إنني أتجنب أن أكون أديبا في قضايا التاريخ إلا في هذا الموقف، إنها الجذبة التي لا أتمالك فيها أحاسيسي مهما كان الأمر، لأن الحدث بلغ من الدراماتيكية ما يفقد الإنسان تقنياته المعرفية.. فلا يلمني القارئ إذا أخذت بي هذه الجذبة التي لا أملك فيها نفسي أمام مذبحة أبي عبد الله الحسين (عليه السلام)، لكم التأريخ ولكم الوثائق ولكم كل شيء، ولي أن أبكي وأحزن وأشقشق، فمن هنا دخلت حرم آل البيت عليهم السلام وفيه ولدت من جديد).
وتأملوا معنا العبارة الوجدانية الجميلة التي سردها الكاتب المغربي المهتدي في تتمة عبارته السابقة وهو يصور تجربته الذاتية مع الإمام الحسين (عليه السلام) قال: (مازلت أذكر اليوم الذي عشت فيه مأساة كربلاء بتفاصيلها حيث ما تزال ظلالها الحزينة ترافق ظلي إلى اليوم.. والآثار النفسية التي تركتها في أعماقي.. لا أملك أن أنقلها كما أحسها وأستشعرها في كياني، لقد وجدت نفسي فجأة في هيأة أخرى وفي شرياني جرى دم هو مثل تلك الدماء التي اريقت على رمال الطفوف.. ومنذ ذلك اليوم كان كل يوم عندي عاشوراء وكل أرض كربلاء).
مستمعينا الأفاضل، ثم يأخذ الأستاذ إدريس الحسيني بسرد تأثيرات إطلاعه على الملحمة الحسينية في قرار انتقاله إلى مذهب مدرسة الثقلين.. قال: (ما إن خلصت من قراءة (مذبحة) كربلاء بتفاصيلها المأساوية، حتى قامت كربلاء في نفسي وفكري، من هنا بدأت نقطة الثورة على كل مفاهيمي ومسلماتي الموروثة، ثورة الحسين داخل روحي وعقلي وهذه وحدها الحدث الذي أعاد رسم الخريطة الفكرية والنقية في ذهني ؛ كنت أطرح دائما على أصدقائي قضية الحسين المظلوم وآل البيت (عليهم السلام)، لم أكن أطرح شيئا آخر. فأنا ضمآن إلى تفسير شاف لهذه المآسي، لأنني وبالفطرة التي أكسبنيها كلام الله جل وعلا لم أكن أتصور، وأنا مسلم القرن العشرين، كيف يستطيع هؤلاء السلف (الصالح) أن يقتلوا آل البيت تقتيلا؟!
لكن أصحابي ضاقوا مني وعز عليهم أن يروا فكري يسير حيث لا تشتهي سفينة الجماعة، وعز عليهم أن يتهموني في نواياي، وهم قد أدركوني منذ سنين البراءة وفي تدرجي في سبيل الدعوة إلى الله.
قالوا بعد ذلك كلاما جاهليا، لشد ما هي قاسية قلوبهم تجاه آل البيت (عليهم السلام). ومن هنا بدأت القصة!
وجدت نفسي أمام موجة عارمة من التساؤلات التي جعلتني حتما أقف على قاعدة اعتقادية صلبة. إنني لست من أولئك الذين يحبون أن يخدعوا أو ينوموا، لا، أبدا، لا أرتاح حتى أجدد منطلقاتي، وأعالج مسلماتي ! فلتقف حركتي في المواقف، ما دامت حركتي في الفكر صائبة. هنا لا أتكلم عن الأوضاع الأخرى التي ضيقت علي السبيل. وإعلان البعض غفر الله لهم عن مواقفهم الشاذة تجاه قضية كهذه لا تحتاج إلى أكثر من الحوار ! إن هذه الفكرة التي انقدحت في ذهني باللطف الإلهي جعلتني أدفع أكبر ثمن في حياتي، وكلفتني الفقر والهجرة والأذى.. وما زادني في ذلك إلا إيمانا وإصرارا...
إن هذا الطريق، طريق وعر، فيه تتتجلى أقوى معاني التضحية، وفيه يكون الإستقرار والهناء بدعا. فأئمة هذا الطريق ما ارتاح لهم بال ولا قر لهم جنان، لقد يتموا وذبحوا، وحوربوا عبر الأجيال!
ويحدثنا الأستاذ الحسيني عن الجذبة الحسينية وأثرها في كسر أغلال التقليد الأعمى من خلال تجربته الذاتية قائلا: (كنت أظن أن الإسلام قد أعطانا روحا قوية لطلب العدالة، ولم أكن أظن أن بعضنا سوف لا تدفعه مذبحة كربلاء، إلى معرفة القضية من أساسها، ومحاكمة أشخاصها على مستوى الفكر الذي لا يزال يؤسس وعينا بالماضي والحاضر. غير أني رأيتهم مكبلين بألف قيد مثلما كنت أنا وإن كنت إستطعت كسر الأغلال عني فإن غيري ضعف عن ذلك وبقي أسير الظلام. ثم أدركت أن الإسلام أعظم من أن يكبل أناسا لطلب العدالة في التاريخ وفي كل المستويات. أدركت أن شيئا جديدا على روح الإسلام لوث صفائه الروحي. أدركت أنه (المذهب). وفي ذلك الوقت عرفت أنني لا يمكنني أن أتعامل بتحرر وموضوعية مباشرة مع القرآن والنبي (صلى الله عليه وآله)، فكان ضروريا أن أرفع القيود عني وأبدأ مسيرة جديدة في البحث عن الحقيقة.
ما إن أقرأ عن تفاصيل كربلاء حتى تأخذني الجذبة بعيدا، ثم تعود أنفاسي إلى أنفاسي، والحسين ألقاه لديها، قد تربع بدمائه الطاهرة.
فياليتني كنت معه، فأفوز فوزا عظيما، وفي تلك الجذبة هناك من يفهمني، وقد لا يفهمني من لا يرى للجريمة التأريخية وقعا في نفسه وفي مجريات الأحداث التي تلحقها. فكربلاء مدخلي إلى التأريخ، إلى الحقيقة، إلى الإسلام، فكيف لا أجذب إليها، جذبة صوفي رقيق القلب، أو جذبة أديب مرهف الشعور، والسؤال الذي يفرض نفسه هو من قتل الحسين؟
أعزائنا المستمعين، ثم يتحدث المفكر المغربي إدريس الحسيني عن مجربات بحثه للحصول على الإجابة عن هذا السؤال وبعد أن يحدد هوية الذين مهدوا لفاجعة كربلاء ومهدوا لحكم بني أمية وهم الطلقاء للمسلمين ثم مباشرتهم لارتكاب واقعة الطف بعد ذلك يعاتب كاتمي الحقائق قائلا: وفجأة وجدت نفسي مخدوعا لماذا هؤلاء لا يكشفون الحقائق للناس، كما هي في الواقع ؟ لماذا يتعمدون إبقائنا على وعينا السخيف، تجاه أكبر وأخطر مسألة وجدت في تاريخ المسلمين ؟ ثم لماذا لا يتأثرون بفاجعة الطف العظمى، تلك التي ماجت في دمي الحار بالإنصاف والتوق إلى العدالة. فتدفقت بالحسرة والرفض والمطالبة بالدم الضائع في منعطفات التاريخ الإسلامي. وفي لحظة من عمري ذهبية طرحت على نفسي سؤالا: (ترى، ماهو هذا الظلم الذي مازلت كل حياتي أشتكي منه وأفرض من خلاله كل الأوهام على نفسي؟).لم أجد جوابا شافيا في ذهني، سوى ماركز في نفسي من أدبيات حركية استلهمها من كتابات معينة وكلمات جميلة لم أجد لها في ثقافتي الجمهورية بديلا.
وكانت فاجعة الطف، وحدها الحدث الذي أعاد رسم الخريطة الفكرية النقية في ذهني، إن هذا الظلم الذي هو ليس جديدا على الأمة، فلقد سبقه ظلم أكبر، وعلى أساس هذا الظلم القديم قالت لي أفكاري: إن هؤلاء الظالمين اليوم يسلكون طريقا أسسه رجالات كانوا يشكلون حجر عثرة أمام مسيرة الأمة.. سلكوه من آل البيت –عليهم السلام–.
لقد كبرت في عيني هذه الكثرة الغالبة وصعب علي مخالفتها لولا أن هداني الله، بيد أن شيئا واحدا جعلني أنتصر عليها ولا أبالي.. وهي عندما وجدتها جاهلة وتعلمت كيف أخالف المجتمع الجاهلي وأصمد أمام الأمواج البشرية المتدفقة والتي ليس لها منطق في عالم الحقائق سوى كثرتها...
مستمعينا الأفاضل وبعد ذكر هذا الدرس العظيم المستلهم من ملحمة سيد الشهداء –عليه السلام– وواقعة كربلاء يلخص المفكر المغربي ادريس الحسيني نتيجة اهتدائه إلى الإسلام الحق قائلا: (نلخص من هذه الرحلة السريعة، القاسية، في رحاب المعتقد لنعلن أهمية الرجوع إلى أصل المعتقدات لإعادة بناء القناعة، على أسس علمية دقيقة، بعيدا عن ذوي (التقليد) إنني لم أتذوق حلاوة العقيدة، إلا في ظل الجولة، عندما أوقفني البحث الطويل، ألمضني على عتبة آل البيت النبوي، الذين ظلمهم التاريخ –الأموي– ووضع بديلا عنهم، نماذج وهمية، كانت هي حقا سببا في تشتت الدين ضمن مذاهب متفرقة، أدخلت المسلمين في فتن ضارية. ولما قادني بحثي إلى الإمام الصادق (عليه السلام) شعرت بأنني كنت طيلة حياتي مخدوعا بعظماء وهميين، إذ أن العملاق المجهول الذي كان معلما لمئات من علماء هذه الأمة، لم يوفه تاريخ (الجماعة) حقه، بالرغم من أن الأئمة الأربعة أخذوا عنه. لقد خرجت من الضيق وشدته إلى سعة الحق ورحابته ومن غبش المعاني إلى الوضوح والجلاء.
كان هذا مستمعينا الأكارم ملخص قصة اهتداء المفكر المغربي الأستاذ إدريس الحسيني طبق ما كتبه في كتابه (لقد شيعني الحسين) وقد قدمناه لكم من إذاعة صوت الجمهورية الإسلامية في إيران ضمن لقاء اليوم من برنامج (بالحسين اهتديت)، شكرا لكم ودمتم بكل خير.